مجلة مال واعمال

صناديق الثروة السيادية الخليجية تقود الصفقات العالمية بمعاملات قيمتها 55 مليار دولار

-

أظهر تقرير جديد أن صناديق الثروة السيادية في دول مجلس التعاون الخليجي أبرمت 55 مليار دولار عبر 126 صفقة في الأشهر التسعة الأولى من عام 2024، وهو ما يمثل 40% من الصفقات العالمية.

حددت منظمة Global SWF، التي تتخذ من الولايات المتحدة مقراً لها، والتي تراقب أنشطة هذه الهيئات، “الخمسة النفطية” في المنطقة – جهاز أبوظبي للاستثمار، والقابضة، ومبادلة، إلى جانب صندوق الاستثمار العام في المملكة العربية السعودية، وهيئة قطر للاستثمار في قطر – على أنها تقود هذه الموجة الاستثمارية القوية.

وقال التقرير إن صناديق الثروة السيادية في دول مجلس التعاون الخليجي، التي تدير حاليا 4.9 تريليون دولار من الأصول، من المتوقع أن تتجاوز 5 تريليونات دولار بحلول أوائل عام 2025 وقد تصل إلى 7 تريليونات دولار بحلول عام 2030.

وعلاوة على ذلك، تشهد البنوك المركزية في المنطقة زيادات كبيرة في الاحتياطيات الأجنبية التي يمكن توجيهها إلى هذه الصناديق.

وتظل الأسواق التقليدية، مثل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، أهدافاً رئيسية لاستثمارات دول مجلس التعاون الخليجي، حيث اجتذبت 18.9 مليار دولار و9.5 مليار دولار على التوالي خلال العام الماضي.

وتشهد الصين صعوداً سريعاً في الأهمية، إذ نجحت في جذب 9.5 مليار دولار من مستثمري دول مجلس التعاون الخليجي خلال نفس الفترة الزمنية.

لقد صعدت صناديق الثروة السيادية في دول مجلس التعاون الخليجي بسرعة كلاعبين مهيمنين على مسرح الاستثمار العالمي، مستفيدة من مزيج فريد من عائدات النفط المرتفعة والإصلاحات الاستراتيجية وأساليب الاستثمار الذكية في السوق.

وقد عززت أسعار النفط المرتفعة في السنوات الأخيرة هذه الصناديق، مما سمح لها بالتوسع عضويا ــ من خلال الأداء القوي للسوق ــ ومن خلال قيام الحكومات بتوجيه رأس المال الفائض والأصول المملوكة للدولة إلى صناديق الثروة السيادية.

وعلاوة على ذلك، فإن مستويات الديون المنخفضة لدى حكومات دول مجلس التعاون الخليجي تعني أنها قادرة على إصدار الديون بشكل انتقائي، مما يحمي الاستدامة المالية حتى عندما تنخفض أسعار النفط.

وتساهم الإصلاحات الضريبية، مثل ضريبة القيمة المضافة والرسوم المفروضة على الشركات، في إرساء أساس مالي أكثر مرونة، وتعزيز الاقتصادات الإقليمية في مواجهة التقلبات.

كما أن التركيز المتزايد على تنويع مصادر الدخل من شأنه أن يعزز القدرة على الصمود، وهو ما يتجلى من خلال الاستثمارات في قطاعات مثل التكنولوجيا والبنية الأساسية والطاقة المتجددة.

ويضاف إلى ذلك توسع الأسواق المالية في دول مجلس التعاون الخليجي، التي أصبحت تضم الآن سبع بورصات نشطة وأكثر من 877 شركة مدرجة بإجمالي قيمة سوقية تبلغ 4.3 تريليون دولار.

وفي المجمل، تعمل هذه العوامل على وضع المستثمرين السياديين في دول مجلس التعاون الخليجي كقوى مؤثرة ومستقرة قادرة على تشكيل المشهد المالي على المستويين الإقليمي والعالمي.

وأشار تقرير صندوق الثروة السيادية العالمي إلى أن صناديق الثروة السيادية في دول مجلس التعاون الخليجي تتمتع بميزة جيوسياسية فريدة، وتحافظ على علاقات قوية مع القوى الغربية والشرقية على حد سواء، مما يعزز قدرتها الاستراتيجية على الاستثمار العالمي.

وعلاوة على ذلك، تتمتع هذه الصناديق بنفوذ كبير على المستوى المحلي، حيث تسيطر على 70% من أسواق الأسهم داخل دول مجلس التعاون الخليجي – وهي شهادة واضحة على تأثيرها الكبير على كل من الاقتصادات المحلية والمشهد المالي الدولي.

وتكثف المملكة العربية السعودية تركيزها على الاستثمار المحلي، حيث يقود صندوق الاستثمارات العامة في المملكة نمواً كبيراً في المشاريع المحلية.

وارتفعت أصول الصندوق بنسبة 29 بالمئة لتصل إلى 765.2 مليار دولار في عام 2023، وذلك إلى حد كبير من خلال توجيه الأموال إلى البنية التحتية والعقارات السعودية، والتي نمت بنسبة 15 بالمئة إلى 233 مليار ريال سعودي.

ومن المتوقع أن تتجاوز أصول صندوق الاستثمارات العامة تريليون دولار بحلول عام 2025، مما يجعله صندوقا عالميا ذا وزن ثقيل.

وذكر التقرير أن المملكة العربية السعودية تبرز كأكبر اقتصاد في دول مجلس التعاون الخليجي، حيث تساهم بنصف نشاط المنطقة البالغ 2.2 تريليون دولار. ومن المتوقع أن يصل الناتج المحلي الإجمالي للمملكة بحلول عام 2029 إلى 1.43 تريليون دولار، ليشكل 51% من الناتج المحلي الإجمالي المتوقع لدول مجلس التعاون الخليجي والذي يبلغ 2.8 تريليون دولار.

ويأتي هذا النمو مدفوعًا بالقطاعات غير الهيدروكربونية، مما يعكس خطة رؤية المملكة العربية السعودية الطموحة 2030 التي تهدف إلى تقليل اعتمادها على النفط والغاز مع تعزيز قطاعات مثل السياحة والترفيه والطاقة المتجددة.

ويلعب صندوق الاستثمارات العامة دورًا حاسمًا في هذا التحول من خلال نشر رأس المال بشكل استراتيجي عبر مختلف الصناعات لتنويع الاقتصاد.

الاتجاهات الناشئة في الاستثمار الأجنبي المباشر وإصدار الديون والشراكات

لقد وضعت معظم دول مجلس التعاون الخليجي خططاً استراتيجية طويلة الأجل تهدف إلى تعزيز النمو الاقتصادي وتقليص الاعتماد على النفط، مع التركيز على جذب الاستثمار الأجنبي المباشر لتحقيق الاستدامة والمرونة.

وبحسب التقرير، على مدى السنوات الست الماضية، تم توجيه حوالي 84% من تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر إلى دول مجلس التعاون الخليجي نحو المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، مع ملاحظة زيادات كبيرة بين عامي 2021 و2023.

وتمثل المنطقة الآن 4.2% من تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر العالمية، ارتفاعا من 1.3% في عام 2019.

وبحسب أحدث تقرير لوزارة الاستثمار السعودية، بلغت أموال المملكة من الاستثمار الأجنبي 25.6 مليار دولار في عام 2023، متجاوزة هدف استراتيجية الاستثمار الوطنية بنحو 16 في المائة.

وتهدف المملكة العربية السعودية إلى زيادة الاستثمار الأجنبي المباشر إلى 5.7% من الناتج المحلي الإجمالي الاسمي بحلول عام 2030، وهي زيادة كبيرة من 2.4% الحالية، بهدف جذب 100 مليار دولار سنويا.

وتسعى صناديق الثروة السيادية في دول مجلس التعاون الخليجي أيضًا بشكل متزايد إلى جمع رأس المال من أطراف ثالثة كجزء من خططها الاستراتيجية، مما يؤدي إلى تحسين إدارة المخاطر وضمان الاستدامة على المدى الطويل.

وبحسب التقرير، برزت مبادلة باعتبارها الصندوق الأكثر نجاحاً في هذا المجال، حيث أصدرت 36 شريحة سندات بقيمة إجمالية بلغت 29.2 مليار دولار منذ إصدار سنداتها الافتتاحية المكونة من شريحتين بقيمة 1.8 مليار دولار في عام 2009.

وبالإضافة إلى ذلك، نجحت مبادلة في تأمين 18 مليار دولار من الأسهم من مستثمرين محليين ودوليين. كما دخلت صناديق أخرى في أبوظبي، مثل ADQ، سوق السندات، حيث أصدرت ADQ سندات بقيمة 2.5 مليار دولار في مايو 2024.

جمع صندوق الاستثمارات العامة السعودي 21.9 مليار دولار من خلال 15 شريحة سندات، ويستعد لإصدار صكوك لأجل 3 سنوات وسندات خضراء لأجل 8 سنوات.

وبحسب ستاندرد آند بورز جلوبال، من المقرر أن تواصل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة قيادة سوق السندات المستدامة في الشرق الأوسط، بعد إصدارهما 16.7 مليار دولار في الأشهر التسعة الأولى من عام 2024.

وتوقعت الوكالة استمرار النشاط القوي في هذا القطاع، بدعم من البنوك والأهمية المتزايدة للسندات الخضراء.

وكان صندوق الاستثمارات العامة في طليعة الجهات التي نجحت في جمع 3 مليارات دولار في عام 2022 و5 مليارات دولار في عام 2023 من خلال هذه الأدوات، مع تخصيص 5.2 مليار دولار للمشاريع التي تركز على البيئة اعتبارًا من يونيو 2024.

وتكتسب الصكوك الخضراء، التي تمول مبادرات الطاقة المتجددة، زخماً متزايداً، حيث تمثل الآن ما بين 35 و40% من إصدارات السندات المستدامة في المنطقة، ارتفاعاً من 25 و30% في نهاية عام 2023.

وقالت منظمة صناديق الثروة السيادية العالمية إن صناديق المنطقة سعت بنشاط إلى إبرام اتفاقيات استثمار ثنائية، تجاوزت في كثير من الأحيان 5 مليارات دولار، خاصة مع انحسار جائحة كوفيد-19.

وقد أنشأ صندوق الاستثمارات العامة شركات تابعة له في دول مثل مصر والعراق، في حين أطلقت مبادلة برامج استثمارية دولية لتعزيز العلاقات الاقتصادية مع دول مثل فرنسا والمملكة المتحدة.

وكان التعاون مع صناديق السيادة المحلية سائدا، وخاصة في مصر، حيث تعهد صندوق الاستثمارات العامة بتقديم 10 مليارات دولار لتحقيق الاستقرار الاقتصادي.

كما استقطبت تركيا الاهتمام، حيث أطلقت شركة ADQ صندوقًا للتكنولوجيا بقيمة 300 مليون دولار، وقدمت تعهدات كبيرة بالإغاثة من الزلازل.

وتظل المملكة المتحدة محوراً رئيسياً لصناديق الثروة السيادية الخليجية، مع التزامات استثمارية كبيرة بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي.

ورغم أن الاستثمارات الفعلية قد لا تحقق دائماً أهدافاً نبيلة، فإن هذه الاتفاقيات تضع أسساً مهمة لنشر رأس المال في المستقبل.