بقلم سارة طالب السهيل
سطعت شمس الدراما الاردنية سابقًا، وغزت البيوت العربية بنكهات فنية متميزة عكستها عبقرية في اختيار الموضوعات البدوية والتاريخية وتراثها القيمي والاخلاقي والفكري ، وحبكتها و أداء ممثليها المتميز بجدارة وقدرة لفتت نظر متابعي الدراما العربية ، بجانب عبقرية الدراما الاجتماعية الكوميدية الممتعة واعمال الكرتون للاطفال ، والتي لا تزال حية في ذاكرة الجمهور العربي والاردني على حد سواء .
لاصالتها ولتعبيرها عنا كشعوب شرق اوسطية بكافة مكوناتها فتهافتت المحطات العربية على هذه الاعمال ومن شدة نجاحها وجذبها للجماهير كان بعضها يعرض في أكثر من خمس محطات في فترة واحدة مثل سلسلة “حارة أبو عوّاد” الذي نجح في خلق شخصيات درامية مازال المجتمع الاردني الى هذا اليوم يتداول العبارات الشهيرة و المواقف المضحكة و الطرائف فأبو عواد “نبيل المشيني” رحمة الله عليه قدم عبقرية فذة في مسلسل كتبه فؤاد الشوملي بعدة اجزاء كان اخرها عام ٢٠٠٨ بطابعها وقيمها العائلية بظلال فكاهية باللهجة الأردنية المحلية
ونجح المسلسل بأبطاله
أم عواد “رشيدة الدجاني”و نجوحتي “عبير عيسى” و عواد “ربيع شهاب” و سمعة “موسى حجازين” و مرزوق “حسن ابراهيم ”
جميعهم ابدعوا في عمل مازال الجميع يتندر به
واعطى الفن الأردني العديد من الاعمال الدرامية المبدعة مثل “العلم نور و المناهل وأم الكروم والسقاية وقرية بلا سقوف ونمر بن عدوان ورأس غليص وسلطانة و وضحا وبن عجلان وبقايا رماد” وغيرها من الاعمال التي لا يمل الجمهور الاردني من تكرار مشاهدتها .
هذه الحقبة كشفت عن عبقرية كوكبة من المخرجين والفنانين والكتاب ، مثل المخرج سعود الفياض خليفات و المخرج صلاح ابو هنود ، و الفنان زهير النوباني الذي امتعنا عبر 120 عملا بالتنوع في تجسيد الشخصيات التاريخية والبدوية فهو سيد الدراما البدوية ، والشخصيات الشريرة والطيبة والفكاهية و بتقديري ان الفنان زهير النوباني لم يكن محليا بل طبع شكله و اسمه و اعماله في قلوب و ذاكرة الوطن العربي انطلاقا من اعمال أردنية و هذا يعني انه ساهم في نقل الدراما الاردنية الى الخارج
و ابدع شرير الشاشة في كل ادواره و هو امر شبه مستحيلي عالم الفن الا ان الفنان زهير النوباني كسر القاعدة و ابدع في كل دور اداه بعبقرية لا تضاهيها موهبة اخرى و من اعماله بير الطي و جروح و السيف و امرؤ القيس و سلطانة و دعاة على ابواب جهنم و وضحا وابن عجلان و راس غليص عام ٢٠٠٦ وعام ١٩٧٦ والعلم نور والضمير العربي والظاهر بيبرس وسوق الألغاز غيرها الكثير من الاعمال.
ولا يزال الجمهور الاردني يحتفظ في ذاكرته بالفنانين الذين استطاعوا رسم البسمة على الوجوه ومنهم الفنانة قمر الصفدي عبر ادوراها الدرامية المتنوعة التي تناولت قضايا اسرية و اجتماعية مهمه و ايضا دوبلاج المسلسلات الكرتونية و ابرزها دورها السيدة منشن في مسلسل سالي وهي رائدة من رواد الفن الاردني التي وصفت بالأم على الصعيد المهني و الاخلاقي فهي رمز للالتزام المهني و الاخلاقي في حياتها الخاصة و العامة و ادوارها الصعبة المختلفه التي طبعت في اذهان الاردنيين ،خاصة مسلسل
باب العامود الذي كان اول مسلسل اردني عام ١٩٦٩ مع الفنان وحيد جلال الذي مثل الكثير من الادوار في مسلسلات الكرتون كدوبلاج و ابرزها القبطان جون سيلفر , في جزيرة الكنز
و ايضا الفنانة أمل الدباس في المسرحيات الكوميدية و النقدية
مع نبيل صوالحة و هشام يانس
و ابدع نبيل صوالحة في البرنامج الكوميدي “بيني وبينك ” الذي كان يؤدي من خلاله العديد من الشخصيات في الحلقة الواحدة مثل شخصية أبو صبحي وشخصية سميح أبو جزرة.
و الفنانة عبير عيسى بأعمالها الدرامية الجميلة و مشاركتها في اعمال مصرية و دورها في العلم نور الانسة وردة و برنامج المناهل الذي كان برنامجا هادفا و فريدا والذي عرض على شاشات الوطن العربي كله
كما ان الفنانة نادرة عمران تركت اثرا كبيرا في الدراما الاردنية مثل نساء من البادية و مسلسل الحجاج و مسلسل صلاح الدين الايوبي
وتحتفظ الذاكرة الاردنية بأحد رموز الكوميديا الاردنية وهو الفنان ربيع شهاب ، الذي قدم كوكبة من الاعمال التلفزيونية والمسرحية الرائعة مثل مسلسل “حارة أبو عواد” و”القرار الصعب” ومسرحية “عليوة درس خصوصي” .
و لن ننسى اسامة المشيني و غسان المشيني و البصمة التي تركوها في ذاكرة الفن الأردني
و داوود جلاجل في ذياب هباب الريح و نشميات من البادية و ابو جعفر المنصور
و الفنان القدير جميل عواد و الذي كان يحمل بفنه القضايا الهامة
ولم يكن ممثلا و مخرجا فقط بل كان ايضا كاتبا و رائدا فنيا في بدايات الدراما الاردنية و ابدع في فارس بني مروان و مسلسل الطوفان و مسلسل مخاوي الذيب و التغريبة الفلسطينية
و زوجته الفنانة الكبيرة والقديرة جولييت عواد صاحبة الفكر و المبدأ و الوطنية التي لا تساوم و التي ابدعت في ادوارها المختلفة مثل زهور الكف والمخرز ،أم كامل السقاية،أم أحمد التغربية الفلسطينية،أم كايد المحروس
و الفنانة رانية فهد و شقيقتها سهير فهد التي اشتهرت في مسلسل عائلي اسمه غنوا معنا و الفيلم التلفزيوني هاربة الى النور و ايضا دبلجة الرسوم المتحركة مثل ليدي ليدي بدور لين راسل
ومسلسل كرتون كابتن ماجد
و الفنان ساري الاسعد في ادواره في مسلسل العقاب والصقر ومسلسل القرار يصدر غدا ومسلسل الرصيف البارد ومسلسل الإمضاء بريء ومسلسل مهما طال الزمن ومسلسل سيدي رباح ومسلسل الليل الطويل
و الفنانة شفيقة الطل التي بدأت مسيرتها في مسلسل عبدالرحمن الكواكبي و اجادت
في دورها خولة في مسلسل طرفة بن العبد و مسلسل طيور بلا اجنحة و مسلسل الطي و التي ابدعت في ادوارها البدوية
و الفنان حابس العبادي
الذي تميز في الادوار البدوية و خاصة الشريرة مثل راس غليص و مسلسل متعب الشقاوي و مسلسل جلوة راكان ومسلسل راعية الوضحا
و الفنانة سميرة خوري
التي ابدعت في مسلسلات كثيرة مثل التغريبة الفلسطينية و قرية بلا سقوف و مسلسل عودة ابو تايه و مسلسل القرار الصعب
و الفنان كوثر النشاشيبي التي ابدعت في مسلسل ابراهيم طوقان و مسلسل حارة ابو عواد و ساعدها في ادائها الفني كونها مذيعة اصلا و قدمت الكثير من البرامج الإذاعية المهمه
و الفنان روحي الصفدي
الذي كان ابرز اعماله جلوة راكان و دوره هزاع في مسلسل دمعه على الرمال و دوره الشيخ عقيل في مسلسل عرار و عمير
و مسلسل صقر الجبل
و الفنانة ريم سعادة و اسمها الحقيقي جاكلين حتر والتي تجلت في اعمال اردنية جميلة مثل مسلسل المحراث و البور و مسلسل الغريبة و مسلسل قربة مخزوقة
و ايضا في دبلجة افلام الكرتون مثل مسلسل ليدي ليدي في دور سارة و مسلسل المصاقيل بدور الساحرة منال
وكان لها العديد من الدراسات الفنية و اثره على المجتمع و الاطفال
والفنانة رفعت النجار تعتبر اول ممثلة اردنية وقفت على خشبة المسرح رغم اشتهارها بالادوار البدوية والكثير من الناس مازال يلقبها بالسيدة ملعقه نظرا لدورها كدوبلاج في هذا المسلسل الشهير
و قدمت عدة مسلسلات مثل (الغريبة، وجه الزمان، عطر النار، نصف القمر)
والفنان محمود ابو غريب و هو شيخ الفنانين قدم العديد من المسلسلات الرائعه والافلام الجميلة منها (الأخرس والقلادة الخشبية، باب العمود، وفداك يا فلسطين).
و الفنان محمود صايمه وهو ممثل كوميدي قدير احبه الشعب الاردني
في شخصية حمدي في مسلسل العلم نور
وفي مرايا الحب و في مسلسل يوميات مرزوق و مسلسل نقطة و سطر جديد
و الفنان حسين طبيشات (العم غافل)
الذي اشتهر بمسلسل يوميات العم غافل و مسلسل جحا و غافل غاوي مشاكل و سامحونا بنحبكوا و هو فنان جميل شكل ثنائيا ناجحا مع الممثل محمود صايمة
والفنان محمود الزيودي ممثل وكاتب معروف تخصص في الاعمال الدرامية البدوية كتمثيل و كتابة و ابدع في مسلسل عودة الفارس و عيال مشهور و مسلسل التبر و التراب ومسلسل عوده ابو تايه و اولاد سالم و مسلسل زيد و زيدان و مسلسل الشهاب و الرمضاء والنار و مسلسل الضمير و الممثل محمود الزيودي هو اصلا باحث في التراث الأردني و مهتمًا بالفلكلور الأردني ومتشبثا بالجذور و الاصالة و كتب العديد من المسلسلات الاردنية الرائعة
و الفنان تيسير عطية الذي برع في ادائه المميز في الكثير من المسلسلات الأردنية منها: أبو جعفر المنصور، المناهل، شجرة الدر، الخنساء و التائه و مسلسل التائه و مسلسل الأخدود و مسلسل عروة بن الورد
و ادوار الدوبلاج و اجملها المسلسل الكرتوني الرغيف العجيب والمغامرون الابطال و الرحالة الصغير
ويبقي الفنان وليد بركات واحدا من كبار نجوم الأردن والعالم العربي ومن مؤسسي الدراما الأردنية ، عبر مشاركته في المسلسل التاريخي الرائع طلحة بن العبد ، وتحفظ له الذاكرة الاردنية تقديمه لاهم الاعمال التاريخية الفكاهية العربية عبر المسلسل التليفزيوني “الفكاهة في التراث العربي” ، الذي سرد من خلاله شخصية جحا .
الفنان نبيل صوالحة و هو الممثل الذي ابدع في ادواره الكوميدية الهادفه و معظمها اعمال تسلط الضوء على ممارسات خاطئة في المجتمع بهدف اصلاحي و برز في اهلا نبيل و هشام الذي اخذ صدى محلي و عربي واسع و مثل في الكثير من المسلسلات منها الكحتوت و الاخرس والقلادة الخشبية و مسلسل محاكم بلا سجون و ركز على المسرح الذي برع به
والفنان هشام يانس وهو الممثل الذي برع في تقليد اهم الشخصيات السياسية العربية مثل جلالة المغفور له الملك حسين بن طلال و هو كاتب عمل في التأليف الدرامي والتمثيل الاذاعي والمسرحي، وعيّن مخرجاً ومنتجاً في الإذاعة الأردنية، و قدم العديد من الاغاني كأداء لكبار المطربين العرب
من الصعب ان نذكر في مقال واحد كل الفنانين الاردنيين فلا بد ان هناك فنانين عظام لم يسعنا ذكرهم ولكن اعمالهم تتحدث عنهم
فهذا النجاح المدوي للدراما الاردنية للاسف الشديد بدأ من علو ولكنه تراجع حين حاول الانتقال من هذه الاعمال الفنية القديرة و الهادفه و الرائعه التي انطلقت من قلب المجتمع الاردني و عبرت عن اطيافه من بدو و حضر و فلاحين والبدواة والجذور والقيم التراثية الاصيلة التي بعضها ترفيهي فكاهي بسيط و مسلي وبعضها علمي تنويري تعليمي هادف و بعضها اجتماعي يحمل قضايا تنموية فكرية و سلوكية تساعد المجتمع على النهوض و التطور و ترك بعض العادات و الموروثات الغير مفيدة وبنفس الؤقت التشبث بالأرض و العرض و الوطن والقيم الانسانية والاجتماعية والثقافية و الاخلاقية التي تعمر بها الارض
وانتقلت الدراما الى عالم اخر ربما القائمون عليها تصوروا انهم انتقلوا
الى مجتمع ما بعد الحداثة ، فأتوا باعمال فنية لا تشبهنا ولا تعبر عن واقعنا ولا عن افكارنا وطبيعة مجتمعاتنا ، ولا عن رؤيتنا لانفسنا والعالم .و اني مع التطور و مع الحداثه ومع مواكبة العصر و مع التعبير عن واقعنا الحالي ليس فقط التاريخ و البداوة و الجذور بل ايضا تقديم كل ماهو معاصر ولكن
انه لشئ عجيب فعلا ، ان تأتي محاولات الناس في بلادنا العربية نحو التطور والتحديث المستمر و التطلع نحو الحضارة و المستقبل في اطار نظرة أحادية الجانب تنظر بعين واحدة للتحرر من القيود ومن الضوابط التي نشأنا عليها ، في حين ان التحرر هو بالاساس فكر ورأي وعمل و بناء لاينطلق دون وجود ثوابت
ما نراه في الدراما الجديدة غير موجود على ارض الواقع و ان وجد فهو قليل جدا ، ومن ثم لا يمكن اعتباره ظاهره تدفعنا لتكريسها ودفع ثمن تبعاتها ، فلماذا نركز عليه و نجعله ظاهرة ؟
المنظور الثقافي في تحليل العمل الفني ينطلق من اتجاهين اولهما يرى ضرورة في قيام الدراما بتسليط الضوء على المشكله الاجتماعية او الفكرية من قبح اخلاقي او تسلط ديني جاهل او موروث ثقافي قاد الى الجهل او الانفلات السلوكي والقيمي تحت ذرائع الجشع الانساني او التمتع واللهو على حساب القيم الدينية والاخلاقية وغيرها ، للتوعية بمخاطرها والعمل على ايجاد حلول عملية لحلها .
و الاتجاه الثاني يرى بتسليط الضوء على السلوك الاجتماعي السوي والحث عليه ، و تعويد العين و السمع و البصر والقلب على رؤيته و معايشته وتذوق اخلاقياته ، و بهذا تروج للقيم السلوكية الاجتماعية السوية ، و تنشره و ترسخه في العقول والوجدان .
وأنا مع المدرسة الثانية ، لان الاولى ستعلم الناس فنون الانتقام مثلا او القتل اوالسرقة والانفلات السلوكي والاخلاقي و التعاليم الغير انسانية او تفكك الأسرة التي هي عماد المجتمع و اساس قوامه الصحي او التعري المبتذل الفاضح وغيرها ، و تعودهم على هذه المناظر و الاحداث المؤلمة والمشاهد القبيحة و ان تحل المشكله بتعميمها و الترويج لها ، خاصة انه عندما يتم عرضها لا يتم تجريمها في الاحداث تعرض كأمر عادي او مقبول .
أتصور ان الاعمال الدرامية التي سعت للخروج من التزمت الفكري والديني قد ضلت طريقها في توصيل رسالتها الفنية ، فالعمل الفني أدب وذوق وارتقاء بالانسان يسمو بمشاعره ويعمل على تهذيبها واسعادها بالجمال وليس بالقبح ، فليس مقبولا ان نسعى لتغيير المجتمع من الافكار المتشددة التي تخنق المرأة والمجتمع بالانفتاح الذي يقود الى الانفلات بعيدا عن الوسطية التي هي المنقذ للمجتمع و الأسرة فالوسطية هي العمود الذي نستند عليه فنضرب به التطرف البغيض او الانفلات الشبيه بغابة الحيوانات المفترسة
بل العكس تماما يمكنك ان تثبت للمتزمت والمتطرف فكريا ، ان الاخلاق و الادب ليسا حكرا على طبقة او طائفة دينية او اجتماعية معينة ، بل هي مغروسة في فطرتنا الانسانية التي فطرنا الله عليها ، وأي عمل فني يخالف هذه الفطرة لابد وان يجني ثمار الرفض والانتقاد والعداء أيضا .