الصورة غير واضحة لرغبة ام صالح
بين أحضان الطبيعة في أقصى جهات الجنوب البعيد .. تبتسم سيدة الصبر والقمح وهي تقول «سأساهم في تربية جيل يعشق الوطن ويهوى الأرض .. وسأبقى كذلك حتى أموت».
بعيدا عن مغريات الحياة وأحلامها، قررت أم صالح، من سكان البصيرا (20 كيلو متر جنوبي الطفيلة)، أن تعيد بناء مطحنتها لاعالة أسرتها ومساعدة أبنائها للمضي في حياتهم بكرامة وعزة، دون حاجة أحد، حيث تتواجد بين السهول والربوع لرعي أغنامها، وخلف الجبال البعيدة لكي تحصد بالقسمة مع صاحب الزرع.
يمكن أن نسمي (أم صالح) بـ «خرافة» لأنها عاشت في مطحنتها (18 سنة) وهي تتحدى صعوبات الحياة، وتواجهها بكل تصميم وقوة، حيث رسمت بأناملها على جبين التراب .. أن لا مستحيل مع الإرادة.
بدأت أسراب المواجهة تغرد فوق عش أسرة (أم صالح) عندما توفى زوجها قبل (18 عاما)، حين ترك ثمانية أطفال بحاجة إلى طعام وشراب وملبس ومأوى .. لتبدأ هذه الصابرة قصص الكفاح من باب مطحنتها.
هذه المطحنة التي كان يديرها الزوج قبل وفاته، كمصدر رزق وحيد للعائلة تؤمن لهم الكفاف، كما كانت أحوال أبناء اللواء الاقتصادية المتواضعة.
ساهمت هذه المطحنة في خدمة المواطنين بالرغم من صعوبة ذلك، فهي بحاجة إلى جهد ودقة في التعامل معها، حيث ساعدت الكثيرين لتفادي مشقة ذهابهم إلى المطاحن البعيدة.
من هذه المطحنة .. استطاعت أم صالح أن تعلم أبناءها في المدرسة، وتشتري بعض الأغنام من مردودها المالي المتواضع، بيد أن مطحنتها – حسب قولها – تدر عليها الدخل في المواسم .. بعضها جيد وبعضها الآخر غير ذلك.
أسرة أم صالح شاركت الأم الحنون بالشجاعة في نموها وتطورها، ومارست طقوس المغامرة والتحدي إلى جانبها من خلال مشاركتهم لها في بعض أعمالها الضرورية، كصيانة المطحنة وبعض أعمال الزراعة.
تقول أم صالح :»لقد ربيت أبنائي ليكونوا قادرين على مواجهة ظروف الحياة الصعبة التي لا ترحم صغيرا ولا كبيرا .. والحمد لله استطعت أن أراهم الآن رجالا لا يتوانون عن مساعدتي ومساعدة أنفسهم والآخرين».
مرت أيام فصل الشتاء القارص في لواء بصيرا .. غير أنها لم تقف عائقا أمام أم صالح، كانت تجهز الحطب ووقود «مدفأة الحطب» منذ نهاية فصل الصيف لتستقبل به البرد دون مدفأة للغاز أو غيرها من أنواع المدافئ، وأحيانا لا توفق وأسرتها بتوفير الحطب اللازم للمدفأة في بعض الأيام فتلجأ إلى فتح أبواب المطحنة شتاء والعمل في تلك الليالي الباردة لتوفير أسعار الوقود.
انتشرت الأنباء حول أم صالح منذ أن أعادت بناء مطحنتها بين أبناء محافظة الطفيلة في الاردن بشكل كبير، حيث أن البعض منهم أكد أنه غير مستعد أن يقوم بطحن قمحه إلا في مطحنتها، لما تمتاز به من دقة في العمل وحرفية في التعامل مع الآلات المتواجدة في المطحنة.
هي تعاني من العديد من المضاعفات الصحية، مثل الضغط وضيق في التنفس بسبب الطحين المتطاير أثناء عملها داخل المطحنة.
كل تلك العقبات الصحية لم تقف أمام عملها، فقد عادت من المستشفى مسرعة لأن هناك من يريد طحن بعضا من القمح في ذلك اليوم، ما جعلها تسرع في العودة وتترك بقية علاجها في المستشفى لخدمة المواطنين الذين يثقون بها ويقدرون عملها.
هكذا هي أم صالح وهكذا سوف تبقى في ظل إصرارها على الوصول إلى توفير سبل الراحة والطمأنينة لبيتها الهادئ المليء بالمحبة التي كافحت من أجله، وكما قالت أم صالح «سأحاول أن أساهم في تربية جيل يعشق الوطن ويهوى الأرض وسأبقى كذلك حتى أموت».
المصدر : https://wp.me/p70vFa-box