تمضي الحياة في مدينة سول، عاصمة كوريا الجنوبية، بحيوية هائلة، وبوتيرة تضاهي تلك التي تتحرك بها أكثر المدن نشاطا وازدحاما في العالم، إذ أن طاقتها الإبداعية النابضة تحفز الابتكارات في مجالات الموسيقى والتكنولوجيا والأزياء.
لا تشكل عبارة “بالي بالي” (أي بسرعة، بسرعة) مجرد تعبير مفضل في سول، ولكنها تمثل أسلوبا للحياة.
فالعاصمة الكورية الجنوبية تتحرك بإيقاع يضاهي ذاك الذي تمضي على وتيرته أكثر المدن نشاطا في العالم، مُعززةً بذلك ثقافة العمل الشاق والخدمة الجادة، وذلك حتى يتسنى “إتمام العمل على أكمل وجه وبسرعة”، كما يقول سكانها.
تقول روتشيكا ساهاي، التي قدمت إلى سول من مدينة سيدني الاسترالية قبل نحو عامين، إن العاصمة الكورية الجنوبية تشكل “أكثر مدينة ذات طابع محموم ومفعم بالحيوية عشت فيها على الإطلاق. لقد أقمت في مدينة نيويورك وفي طوكيو، ولكن سول تبزهما بسهولة”.
فرغم أن العمل في سول يمتد إلى ما بعد العاشرة مساءً، فإن ذلك نادرا ما يؤثر بالسلب على الحيوية التي يتسم بها سكان المدينة البالغ عددهم نحو عشرة ملايين نسمة. وحتى بعيدا عن شوارع المدينة ذات الطابع العصري، تنبض الأسواق القائمة تحت الأرض بطابع فوضوي وبعبق العالم القديم.
بجانب ذلك، فإن انشغال السكان لا يمنعهم من أن يكونوا ودودين ومنفتحين وراغبين في المساعدة. تقول ساهاي: “أهل سول يقولون إنهم ‘إيطاليو الشرق’ ويفخرون بذلك. إنهم يُظهرون مشاعرهم علنا وعلى نحو اعتيادي. يتصايحون ويتناقشون بصوت مرتفع، وهم ودودون للغاية، ولا يخشون من إظهار عواطفهم”.
كما تموج العاصمة الكورية الجنوبية بطاقة إبداعية تضطرم بالحياة، وتدفع وتحفز الابتكار في مجالات الموسيقى والتكنولوجيا والأزياء، وتسهم في أن تصبح المدينة حاضنة لأحد أقوى الاقتصاديات في العالم.
تقول تايلور إيفانز، وهي طالبة أمريكية شاركت مؤخرا في برنامج للتبادل الطلابي مع جامعة كوكمين بسول، إن الكوريين الجنوبيين يسعون لأن يكونوا دائما أصحاب الابتكار الجديد المقبل.
تضيف إيفانز: “تأخذ الشركات الصغيرة على عاتقها مواجهة هذا التحدي لاجتذاب العملاء، وتخلق بالتبعية أسواقا ومنافذ؛ غير تقليدية وتتسم بطابع مُبتكِرٌ للغاية”.
وترى إيفانز أن كل يوم في سول يحمل في طياته “مغامرة جديدة”.
فالشركات الصغيرة هناك دائما ما تعمد إلى تجريب الأفكار الجديدة؛ من مقهى يمكن لرواده مشاهدة البرامج التليفزيونية المحبوبة، وهي تُعرض على أحد جدرانه، إلى محل لتصفيف الشعر تزيد مساحته على مساحة غرفة فسيحة مخصصة لهواة احتساء الشاي، وصولا إلى حانة تضع قوائم الوجبات والمشروبات التي تقدمها على القوارير الصغيرة المستخدمة في لعبة البولينغ.
أين تبغي الإقامة؟
تقول ساهاي إن هناك نوعين من المغتربين في سول؛ نوع يسعى لكي يحظى بمستوى الراحة المتوافر في وطنه الأصلي، وآخر يفضل أن يعيش ذات الحياة التي يعيشها أهل المدينة أنفسهم.
ويمثل حي “إيتوا”، الواقع إلى الجنوب من وسط سول، بقعة مفضلة لذاك النوع الأول، بما يزخر به من متاجر للبقالة، تحوي منتجات من مختلف أنحاء العالم، ومطاعم توجد بين جنباتها ألوانا من الطعام من الشرق والغرب.
وتعيش ساهاي في منطقة سيونغ بوك – دونغ إلى الشمال الشرقي من قلب العاصمة الكورية الجنوبية.
ويغص هذا الحي، الذي يعج بدوره بالمغتربين، بمعالم ثقافية أكثر، مثل المعارض الفنية والمحال الصغيرة لبيع الملابس والحلى، فضلا عما يُعرف بـ “منازل هانوك”، وهي مبانٍ سكنية شُيدت على النمط المعماري الكوري التقليدي.
وإلى الغرب من وسط المدينة، تقع منطقة “يُنوي-دونغ”، القريبة من المدرسة الدولية في سول، ولذا فهي تشكل بقعة مثالية لإقامة المغتربين الذين يعيشون مع أسرهم. أما الأسر الناطقة بالفرنسية فتقيم قريبا من منطقة “بون با” الواقعة إلى الجنوب، وذلك حتى تكون قريبة من المدرسة الفرنسية.
وقد فضلت تايلور إيفانز منطقة “هابجونغ” قرب نهر “هان” إلى الغرب من وسط مدينة سول. وتقع هذه المنطقة قرب حي “هانغي”، الذي يرتاده الكثيرون والزاخر بالمعالم الثقافية، والذي أُطلق عليه هذا الاسم نسبة لجامعة “هونغيك” القريبة منه. ولكن “هابجونغ” لا تتسم بالصخب والازدحام اللذين يعج بهما “هانغي”.
وتصف إيفانز منطقة “هابجونغ” بالـ “الجميلة والمتفردة والزاخرة بمقاهٍ فريدة من نوعها، ومتاجر لن تجد لها نظيرا في أي مكان آخر في سول”.
ما الذي تريده للإقامة في مكان ما؟
يعيش أغلب سكان سول في شقق كائنة بمبانٍ شاهقة الارتفاع تغص بها المدينة. وتتسم هذه الشقق بأنها في متناول الراغبين في السكن مقارنة بالمنازل المنفصلة.
كما أنها توفر للقاطنين فيها فرصة الوصول – وبسهولة – إلى مقدمي الخدمات التي قد يحتاج المرء إليها في أي وقت على مدار الأسبوع ليلا ونهارا، مثل الأطباء، وأطباء الأسنان، ومتاجر البقالة، ومراكز التجميل.
على الجانب الآخر، يميل سكان أحياء أخرى يقطنها مغتربون كذلك، مثل “إيتوا” و”سيونغ بوك – دونغ” و”يُنوي-دونغ” و”بون با”، إلى الإقامة في منازل وليس في شقق سكنية.
المعالم التي يمكنك زيارتها
بوسع المسافر من مطار إنشيون الدولي في العاصمة الكورية الجنوبية التوجه بسرعة ودون عناء مالي كبير إلى العواصم الآسيوية الأخرى.
فمن هذا المطار، لا تستغرق الرحلة جوا إلى بكين أكثر من ساعتين، بينما تزيد قليلا لتصل مدتها إلى ساعتين ونصف الساعة إذا ما كانت متجهة إلى طوكيو، فيما يمكن الوصول إلى هونغ كونغ خلال ثلاث ساعات ونصف الساعة. ولا تزيد تكلفة هذه الرحلات عن 350 ألف وون كوري جنوبي.
أكثر من ذلك، يشكل المطار معلما جذابا في حد ذاته. يقول ماهوغني بِكفورد، وهو أمريكي عمل في مهن مختلفة بالعاصمة الكورية الجنوبية: “يمثل مطار إنشيون مكانا ذا شأن بحق. لقد كدسوا كل ألوان الجذب فيه بغرض الترفيه عن المسافرين أو تمكينهم من إزجاء الوقت خلال انتظارهم لرحلاتهم.”
ويضيف: “فهناك في المطار مسبح، ومنتجع كبير للعلاج بالمياه المعدنية، وملعب للغولف، وحلبة للتزلج، بل ومتحف كذلك!”.
إلى جانب ذلك، تيسر شبكة الأنفاق الواسعة والمتشابكة على زوار سول الطواف بأنحاء المدينة في رحلات نهارية. فعلى سبيل المثال، يمكن لمن يريد الوصول إلى “مدينة سوون”، وهي مدينة تاريخية مُسوّرة، من بين أقدم المناطق في البلاد، أن يستقل قطار الأنفاق في رحلة لا تتجاوز مدتها ساعة واحدة.
ومن بين المعالم الأخرى كذلك، قلعة هواسونغ المُشيّدة عام 1794، والتي تجسد التاريخ العسكري للحقبة التي بُنيت فيها، كما توفر لزوارها الفرصة لرؤية مشهد طبيعي خلاب، إذ يجري وسطها رافد مائي يحمل اسم “سيوانتشين”، جنبا إلى جنب مع المروج الخضراء الوادعة الموجودة هناك.
وإذا مضينا إلى ما هو أبعد، فسنصل إلى بوسان، ثاني أكبر مدن كوريا الجنوبية، تلك البقعة التي تحظى بتلك الطاقة المتقدة التي تضطرم بها أي مدينة كبيرة كما تنعم في الوقت نفسه، بفوائد وجود ستة شواطئ وممشى خشبي ذي طابع احتفالي بين جنباتها.
ويمكن الوصول إلى بوسان – الواقعة على بعد 325 كيلومترا جنوب شرقي سول – على متن قطار، تستغرق رحلته إليها ساعتين ونصف الساعة إذا ما انطلق من العاصمة، بينما تستغرق الرحلة بالسيارة نحو أربع ساعات.
كم ستتكلف الرحلة؟
رغم أن سول مكلفة أكثر من العديد من نظيراتها من العواصم الآسيوية الأخرى، فإن هذه التكلفة تبدو معقولة لزوار مدينة بهذا الحجم، خاصة فيما يتعلق بتكلفة الانتقال من مكان لآخر.
فتعريفة الانتقال بالحافلات وقطارات الأنفاق لا تتجاوز 1.350 ووناً، ويمكن التنقل من القطار للحافلة أو العكس بنفس البطاقة. كما أن تعريفة سيارات الأجرة تتسم بالمعقولية بدورها، إذ لا تتعدى 11 ألفا و560 ووناً لكل ثمانية كيلومترات.
أما عن تكاليف السكن فهي تقل بنسبة 50 في المئة عن نظيرتها في مدينتي نيويورك ولندن، حسبما ذكر موقع “إكسباتيستان دوت كوم” لتقدير تكاليف المعيشة، إذ يمكن للمرء استئجار مكان تصل مساحته إلى 85 مترا مربعا مقابل ما لا يزيد عن مليونين و300 ألف وون.
وبحسب ساهاي، فإن تجنب المرء شراء معجنات من نوع “بوب تارتس” أو حبوب إفطار من نوع “تشيريوس” من متاجر البقالة التي توفر منتجات من مختلف أنحاء العالم، سيؤدي كذلك إلى ترشيد نفقاته.
وتضيف بالقول: “إذا ما تبضعت من المتاجر والأسواق ذات الطابع المحلي (ستجد) الأسعار في متناولك على نحو كبير للغاية. وستحظى بمتعة أكبر بكثير!”.
أما إيفانز فتقول إن “القهوة هي الشيء الوحيد الذي ستجده باهظ التكلفة هناك (في سول). لا أريد حتى أن أحصي كم أنفقت من المال في كوريا (الجنوبية) لاحتساء القهوة!”.
المصدر : https://wp.me/p70vFa-8gF