يمثل سوق القيصرية في بيت الخير، إطلالة المنطقة الشرقية، في المهرجان الوطني للتراث والثقافة الجنادرية 31 نقطة جذب للزوار الذين يستمتعون بمتابعة الحرفيين في دكاكين القيصرية، الذي يعد أحد أشهر الأسواق التاريخية الأثرية الباقية على مستوى منطقة الخليج العربي، ويقع وسط مدينة الهفوف، ويعود تاريخ بنائه إلى عام 1238هـ تقريباً، ويضم نحو 422 محلًا، أغلبها دكاكين صغيرة مُستأجرة من قبل التُجَّار والأهالي.
ويمثل السوق المقام في الجنادرية بنفس التصاميم المعمارية والشكل الهندسي للسوق الحقيقي في محافظة الأحساء في المنطقة الشرقية، ليقدم نبذه عن الحركة الاقتصادية والاجتماعية في المنطقة.
وسوق القيصرية بالأحساء، وهو عبارة عن صفوف من المحلات تقع في ممرات مغلقة ومسقوفة، وذكر كتاب «سوق القيصرية» للمهندس عبدالله الشايب، مدير فرع جمعية علوم العمران بالأحساء، وأحد المهتمين بالتراث، أن السوق موجود منذ نحو ستة قرون مع تاريخ وجود الاستيطان حوله، ومن ثمَّ إنشاء مدينة الهفوف، إلا أنه من المؤكد أن هذا السوق كان قائماً في القرن التاسع عشر، حيث ذكره الرحالة في مذكراتهم، وتوجد وثائق تدل على ذلك.
ويتكون السوق من مجموعة دكاكين صغيرة ومتقابلة، وفيه رواق خارجي للمواد الغذائية، كما يباع عند البدو ثياب مخاطة يدويًا، ويضم السوق «الحواويج» والعطارين الذين يبيعون أدوات العطارة، والأدوية الشعبية والتُراثية القديمة، وكان يمثل أهمية كبرى لدى كبار السِّن وأهل الحشمة الذين لا يلبسون ثياباً إلا تلك المخاطة باليد، أمَّا بعضهم الآخر فكان يشتري ثياباً مخيطة بالماكينة التي جلبت إلى الأحساء في الخمسينيات.
أمَّا هيئة الدكاكين في القيصرية فهي عبارة عن محلات وأبواب من ثلاث قطع، قطعتان يجلس عليها صاحب الدكان، وقسم مُتدلِّ إلى الأسفل، والقسم الثالث يرفع إلى أعلى وتوضع خشبة لها في الباب محل في الحائط. وتسمى أبواب القيصرية (كبنك) وتتألف من 3 قطع، قطعتان يجلس عليها صاحب الدكان، ويضع فيها القِّفَّة المصنوعة من جريد النخل، ويضع فيها الأرز، والقهوة، وهذا النوع من الأبواب كانت تتميز به قيصرية الأحساء عن بقية القيصريات المنتشرة في الخليج.
وتشكل القيصرية إرثًا تقليديا للثقافة بوجود الحرف المهنية ومنتجاتها، وتعد بيئة عمرانية تسويقية لضخامة المبنى وتشعباته وطوله المُمتد من الجنوب حتى الشمال، كما يمثل نموذجاً فريداً على مستوى الجزيرة العربية من حيث التصميم المعماري. ويتضح من خلال البناء قِمَّة الدقة في استخدام المواد كأسقف الكندل، والتي كانت تزهو بألوانها من الباسجير ووقايتها ضد العوامل الجوية والعثَّة مما جعلها تُقاوم وتطول.
وتتميز ممرات القيصرية بارتفاعها لتشكل ارتياحاً للمرتادين والاستفادة من ذلك للتهوية والإضاءة الطبيعية. وطابعه المعماري محلِّي مُميَّز سواء في تشكيلة الأسقُف المُلَّونة أو الأبواب المستخدمة ذات الانكسارات (أعلى وأسفل) ليعرض ويعلق عليها البضاعة أو تلك الأبواب إلى تشرع الجانبين واستخدام المسامير المقببة، وتشكل القيصرية نموذجاً فريدًا في تخطيط وتصميم الأسواق على مستوى الجزيرة العربية.
وتختلف وتتنوع البضاعة المعروضة في السوق، حيثُ توجد الصناعات التقليدية كالبشوت والعبايات والصناعات النحاسية إلى المنتجات الحديثة كالمواد الغذائية وبيع الأحذية والعطورات وبيع الملابس وبيع الأقمشة، بيع الساعات ومحلات للصرافة تحت سقف واحد.
ويرى المهندس الشايب أن القيصرية شكَّلت إرثًا اجتماعيًا بتوارث الباعة والحرفيين فيها، كما أعطت نموذجاً للتواصل الاجتماعي عن طريق التقارب في المحلات، ولذلك مثل السوق مكانة كبيرة في نفوس الأحسائيين خاصةً، وأهل الخليج بشكل عام.