أكد صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة أن الإنسان هو أصل التنمية وصانعها وغايتها وأساس الاستثمار الصحيح الذي يؤدي للتنمية الشاملة والعادلة والمحققة للمنفعة المتنوعة لجميع فئات المجتمع.
جاء ذلك خلال كلمة سموه التي ألقاها صباح أمس، خلال حفل افتتاح فعاليات منتدى الشارقة للاستثمار الأجنبي المباشر 2016 في نسخته الثانية الذي تقام أعماله في قاعة الجواهر للمناسبات والمؤتمرات وتنظمه كل من هيئة الشارقة للاستثمار والتطوير «شروق» و«فاينانشال تايمز» البريطانية، ومجلة الاستثمار الأجنبي المباشر، ويقدم على مدى يومين رؤى تحليلية اقتصادية شاملة تستشرف مستقبل الاستثمار في دولة الإمارات العربية المتحدة وإمارة الشارقة، وتعطي نظرة معمقة على واقع الاقتصاد الإقليمي والعالمي.
وقال صاحب السمو حاكم الشارقة خلال كلمته «إننا في غمرة العمل اليومي، حيث تأخذنا التفاصيل، وتأسرنا أضواء إنجازاتنا، وننشغل بما حققناه وما ينتظرنا في سياق تنافسنا لنحتل مكانة قد ترضينا وتشبع لهفتنا للتفوق. لا بد من أن نتوقف بين الفينة والأخرى، لنتأمل ما تنتجه التجربة من أسئلة، وأن نحاول تلمس الإجابات التي تضمر في جوهرها ثقافة هذا العمل، فلسفته وغاياته، اتجاهاته ومصيره، وكيف يمكن أن يكون هذا العمل مستداماً وقابلاً للتطور».
وأضاف سموه «السؤال الأبرز في سياق العمل الاقتصادي هو ما الغاية من كافة هذه النشاطات الاقتصادية؟ هل هي تحقيق انتصارات للذات على التحديات فقط؟ أم هي أوسع من ذلك بحيث تطال شكل وجودنا وثقافتنا وفلسفتنا في الحياة، واستقرار المجتمع ورفعة المواطن وازدهاره؟ وهل نتائجها محدودة بجغرافيا معينة؟ أم تتسع لتشمل ساحة الكون في زمن ذابت فيه الحدود، وترابطت فيه الكيانات وتبادلت التأثير فيما بينها سلباً أو إيجاباً؟ هل الغاية من العمل الاقتصادي مراكمة الثروة؟ وما هي الثروة الحقيقية للأمم وكيف تقاس؟».
وأشار سموه إلى أن هذه الأسئلة تتلاقى في نقطة واحدة ألا وهي الإنسان قائلاً: إن الإنسان أصل التنمية وصانعها وغايتها أيضاً فإذا حاد العمل الاقتصادي أو أي نشاط آخر عن هذه الحقيقة. اختّل وضعفت أرضيته وأصبح نخبوياً في نتائجه. قد يفيد البعض مؤقتاً وقد ينمي من ثرواتهم. ولكنه حتماً غير مستدام لأنه غير عادل. لعل الدليل الأكبر على هذه المعادلة هو ما آلت إليه حالة الاقتصاد العالمي، الذي وصل قمته عشية الأزمة المالية العالمية السابقة، ثم بين ليلة وضحاها تقوض على ذاته. وعلى الملايين من البشر الذين لم يكونوا سوى وقوداً لمراكمة الثروة لصالح غيرهم. لتتركهم هذه الأزمة بلا مداخيل أو موارد أو حتى قدرة على شراء المنتجات التي صنعوها بأيديهم».
وبين سموه أهمية وضع الإنسان كمحور في التنمية قائلاً «إن التنمية الشاملة والعادلة التي تضع الإنسان في محور اهتماماتها هي وحدها كفيلة بالقضاء على نزعات التفكك والتطرف التي تعاني منها العديد من المجتمعات في محيطنا الإقليمي والعالمي. فعندما يشعر الفرد أنه مستثنى من سياسات بلده الاقتصادية منها بشكل خاص، يشعر بأن روابط انتمائه لهذا البلد قد تفككت. ويبدأ تالياً بالبحث عن انتماءاتٍ بديلة تدفعه نحو معاداة محيطه وربما تدفعه نحو التطرف. لهذا نعتبر أن عدالة التنمية هي الوسيلة الأنجح للقضاء على جذور التفكك والتطرف. لأنها تعالج الأسباب وليس النتائج فقط».
وأشار سموه إلى شكل الاقتصاد المراد قائلاً «إن شكل الاقتصاد الذي نريد هو ما تقاس نتائجه فقط بما يتركه من آثار إيجابية على الواقع الاجتماعي. من استقرار ومتانةٍ في الروابط واستدامةٍ في المداخيل، اقتصاد يسهم في بناء الفرد وثقافته في إطار انتمائه للمجموعة. وفي إطار التوازن بين أصالة جذور الهوية وبين نضارة فروعها وقدرتها على التجدد. إننا نريد اقتصاداً يرسي دعائم الحضارة ويغذي روافدها من فنون وآداب وقيم وأخلاقيات».
وحول النظرة للاستثمار والمستثمر الأجنبي قال صاحب السمو حاكم الشارقة «إن نظرتنا للاستثمار والمستثمر الأجنبي في إمارة الشارقة. تتجاوز دلالاتها المادية. فهذا الاستثمار جسر للتبادل الثقافي المتكافئ. وجسر للعلوم والمعارف والخبرات. بل هو جسر للمعرفة بكل ما تحمله كلمة المعرفة من تفاصيل ومعانٍ. تماماً كما كانت القوافل التجارية عبر التاريخ تنقل معها، بالإضافة إلى بضائعها الكتب والفلسفة والأخبار عن الاكتشافات والاختراعات».
وأضاف سموه «إن الاستثمار الأجنبي ليس مجرد وسيلةٍ لتحقيق أهداف اقتصادية ذاتية فقط. بل هو شريك في التنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة. وشريك في بناء اقتصاد المعرفة واقتصاد الإنتاج. وفي الانتقال من الاعتماد على النفط كمورد أساسي إلى مرحلة التنوع الاقتصادي وإثراء الدخل الوطني. وكل ما نقدمه لشركائنا من بيئة استثمار آمنة. وبنية تحتية متطورة ومنظومة تشريعية توفر الأمان القانوني للمستثمرين وتحمي استثماراتهم. ليس إلا تعبيراً عن واجبنا كمضيفين لهذا الشريك وعن دورنا لإنجاح هذه الشراكة لتحقق أهدافها وغاياتها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. وأملاً في أن تكون هذه الشراكة خالصةً في نوايا الخير ونموذجاً عن العلاقات الإيجابية التي نريدها بين الأمم».
وكرم صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي خلال حفل الافتتاح رعاة المنتدى وشركاءه الإعلاميين، وهم: الرعاة الذهبيون: بنك الشارقة، وإينوك، وغرفة تجارة وصناعة الشارقة، ومصرف الشارقة الإسلامي، وتلال العقارية، إضافة إلى الرعاة الفضيون: واحة الصجعة الصناعية وغلف تينر، إلى جانب شركاء التغطية الإعلامية: «سي إن بي سي عربية»، ومؤسسة الشارقة للإعلام.
وكان سموه قد تجول في أروقة المعرض المصاحب الذي ضم عدداً من المجسمات للمشروعات الاقتصادية الضخمة التي ستقام في إمارة الشارقة وستثري البيئة الاستثمارية بمقومات وبنى تحتية رائدة وفق أفضل المعايير والمواصفات.
حضر حفل الافتتاح إلى جانب صاحب السمو حاكم الشارقة كل من الشيخ خالد بن عبدالله القاسمي، رئيس دائرة الموانئ البحرية والجمارك والشيخ سلطان بن أحمد القاسمي، رئيس مؤسسة الشارقة للإعلام والشيخة بدور بنت سلطان القاسمي، رئيس هيئة الشارقة للاستثمار والتطوير «شروق»، والشيخ خالد بن عصام القاسمي، رئيس دائرة الطيران المدني والشيخ محمد بن عبدالله آل ثاني، رئيس دائرة الإحصاء والتنمية المجتمعية والشيخ سالم بن عبدالرحمن القاسمي، رئيس مكتب سمو الحاكم والشيخ محمد بن حميد القاسمي، مدير دائرة الإحصاء والتنمية المجتمعية والشيخ فيصل بن سعود القاسمي، مدير هيئة مطار الشارقة الدولي والشيخ ماجد بن فيصل القاسمي، النائب الأول لرئيس مجلس إدارة غرفة تجارة وصناعة الشارقة وعدد من المسؤولين والسادة أعضاء المجلس التنفيذي والاستشاري لإمارة الشارقة ومسؤولي الجهات الحكومية المحلية والدولية وممثلي القطاع الخاص وجانب من أعضاء السلك الدبلوماسي المعتمدين لدى الدولة وسعادة مروان جاسم السركال، المدير التنفيذي لهيئة الشارقة للاستثمار والتطوير «شروق».