منذ اللحظة التي ترك فيها الدراسة بجامعة هارفارد، وجه مارك زوكربيرغ تركيزه على نحو لافت للنظر إلى شيئين: موقع «فيس بوك»، وأن يصبح رئيسا لشركة «فيس بوك».
ومنذ مرحلة مبكرة، كان مقتنعا بالإمكانات الهائلة لشبكة التواصل الاجتماعي التي أقامها في غرفة نومه، حسب ما يشير أصدقاء ومستثمرون ومنتقدون. وقد حفز فريقه على أن يعمل بإيقاع سريع ويخوض غمار مخاطر. وقاوم جهود تهدف إلى تغيير شكل وطريقة عمل موقع «فيس بوك»، حتى وإن كان هذا في البداية يعني التضحية بالعائد.
ولكن الأمر الأكثر أهمية هو أنه رتب لامتلاك شركة «فيس بوك» ليعطي نفسه سلطة استثنائية تكفل له إدارة الشركة. وفي الوقت الذي طرحت فيه «فيس بوك» للاكتتاب العام الأولى بسعر 5 مليارات دولار، يوم الأربعاء، تمكن زوكربيرغ من الاستحواذ على أكثر من ربع الأسهم في الشركة، كما عززت اتفاقاته مع مستثمرين آخرين من نسبة أسهم التصويت التي يملكها لتصل إلى نحو 60 في المائة من إجمالي الأسهم.
ويعتبر هذا قدرا أكبر من الاستحواذ عن ذلك الذي استحوذ عليه بيل غيتس عندما طرحت شركة «مايكروسوفت» للاكتتاب العام في عام 1986 (49 في المائة)، ويفوق بكثير النسبة التي استحوذ عليها مؤسسون مشاركون في «غوغل» في عام 2004 (نسبة 16 في المائة لكل منهم). وفي المعتاد، بحسب خبراء في «سيليكون فالي»، يقتحم صاحب مشاريع جديد السوق وبحوزته حصة أسهم أقل بكثير. إن اتفاق زوكربيرغ يترك مساحة محدودة للمستثمرين للتأثير بدرجة كبيرة على اتجاه الشركة.
ويمثل نجاح زوكربيرغ درسا موضوعيا في ما يتعلق بالمشاريع والصفقات التجارية التي تحقق نجاحا في مجتمع «سيليكون فالي» المكتظ التنافسي، الاستمرار في تحمل المسؤولية وتفادي الناهبين المحتملين وتوسيع حجم الشركة بسرعة كبيرة، بحيث لا يتسنى لأي فرد تحدي الرئيس.
«دائما ما علم قبل أي منا ما يمكن أن يصبح عليه موقع (فيس بوك)»، هذا ما قاله بول ماديرا، المدير التنفيذي في شركة «ميريتيك كابيتال بارتنرز»، الذي استثمر في الشركة في عام 2005. وأضاف: «لقد أفادت رؤية مارك بشأن نقاء المنتج بالفعل من استحواذه على نسبة كبيرة من أسهم الشركة وامتلاكه لها. لم يكن الأمر خاضعا لقرارات اللجنة، بل كان برمته بين يدي مارك».
إن السلطة التي يتمتع بها زوكربيرغ في الشركة قد باتت بالفعل موضع فحص دقيق. «أنت على استعداد لأخذ أموال شخص ما، لكنك لست مستعدا للترحيب بمشاركته»، هذا ما قاله تشارلز إلسون، أستاذ إدارة الشركات في جامعة ديلاوير. وأضاف: «إن ذلك يجعل فكرة ديمقراطية المستثمر بلا معنى».
وأضاف إلسون أن اتفاق زوكربيرغ مماثل لخطوات اتخذها مؤسسو شركات تكنولوجيا أخرى، من بينها «غوغل»، لتشكيل فئات خاصة من الأسهم التي تمنحهم المزيد من صلاحيات التصويت. (ولدى شركة «نيويورك تايمز» وشركات إعلامية أخرى أنظمة مماثلة). ورفضت إدارة موقع «فيس بوك» السماح لمسؤولين تنفيذيين بإجراء مقابلات قبل طرح الشركة للاكتتاب العام الأولي.
وبدأ تركيز زوكربيرغ على الاحتفاظ بالسيطرة مبكرا. وقد ساعد شين باركر، أحد أول وأهم مستشاري زوكربيرغ، إياه في ذلك. وقد تعلم باركر درسا عسيرا حول فقدان السيطرة؛ فقد تم طرده من قبل مدعمي إحدى الشركات التي قام بإنشائها، دفتر عناوين إلكتروني يحمل اسم «بلاكسو». وعمل باركر من أجل ضمان عدم حدوث ذلك مطلقا لزوكربيرغ.
وفي عام 2005، عندما تلقى «فيس بوك» دفعة رأسمال أولية من ممولي مشاريع من «سيليكون فالي»، أكد باركر على أنه يملك مقعدا واحدا فقط في مجلس الإدارة، بينما يستحوذ زوكربيرغ على مقعدين، هذا ما قاله باركر في مقابلة أجريت معه العام الماضي. وحينما غادر الشركة بعدها بفترة قصيرة، أصر باركر على أن زوكربيرغ استحوذ من بعده على مقعده في مجلس الإدارة، مما جعله يستحوذ على 3 مقاعد من بين 5 مقاعد.
يسترجع باركر حديثه لبقية أعضاء مجلس الإدارة قائلا: «الحالة الوحيدة التي يمكنني أن أتقاعد فيها هي استحواذ زوكربيرغ على مقعدي في مجلس الإدارة، لأنه الشخص الوحيد الذي يمكنني أن أوكل له مسؤولية إدارة الشركة».
قبل ظهور موقع «فيس بوك»، عرفت مواقع مثل «فريندستر» و«ماي سبيس» مفهوم شبكات التواصل الاجتماعي. غير أن زوكربيرغ كان على قناعة منذ البداية بأن «فيس بوك» يمكن أن يصبح أوسع نطاقا، وأثرت قناعاته على من هم في مثل عمره وأيضا على كبار السن.
التقى به ماديرا، ممول المشاريع، في عام 2005. وفي هذا الوقت، كان «فيس بوك» متاحا فقط لطلاب الجامعات، وكان المصدر الإعلاني الوحيد الذي ضمنه من أنشطة مثل بيع طلاب دراجات في نهاية فصل دراسي. غير أن زوكربيرغ وصف ما اعتقد أن الموقع سيصبح عليه.
«سيصبح (فيس بوك) أول مكان يقصده الناس عندما يستيقظون في الصباح وآخر مكان يذهبون إليه قبل أن يخلدوا للنوم»، هكذا استرجع ماديرا قول زوكربيرغ. وأضاف: «أعتقدت أنه كان حالما. إذا كان ثمة درس وحيد استفدته في مجال الاستثمار، فهو أنه عندما يتحدث الناس عن أشياء خيالية، لا يجب أن تنعتهم بالجنون»، لقد استثمر ماديرا بأي حال من الأحوال مبلغا، إجمالي قيمته 25 مليون دولار. وشملت جهات دعم زوكربيرغ في البداية العديد من مؤسسي الشركات أصحاب المهارات التقنية، من بينهم بيتر تيل، المؤسس المشارك لشركة «باي بال»؛ وريد هوفمان، الذي ساعد في إنشاء «باي بال» وأسس «لينكد إن»؛ إضافة إلى مارك أندرسن، الذي أنشأ «نت سكيب». ومن خلالهم وآخرين، سعى زوكربيرغ إلى أنجح رؤساء شركات التكنولوجيا: غيتس، وستيف جوبز، ولاري بيدج، وسيرجي برين، المؤسسين المشاركين في «غوغل».
وقال أحد مستشاريه الأوائل، وهو أيضا أحد المستثمرين في الـ«فيس بوك»، الذي طلب عدم الكشف عن هويته قبل طرح أسهم الشركة للاكتتاب العام: «على الرغم من أنه ليست هناك مشكلة يعتقد أنه لا يستطيع حلها، فإنه يحاول دائما بذل أقصى ما يستطيع للعثور على أذكى الناس الذين يستطيعون تقديم النصيحة له، حيث يسأل الجميع تقريبا، قائلا لهم: (من هم أذكى الناس الذين أستطيع أن أتحدث إليهم في هذا الشأن؟)».
وقد جلب زوكربيرغ في عام 2008 شيريل ساندبيرغ، وهي أحد المسؤولين التنفيذيين المخضرمين في شركة «غوغل»، ولديها خبرة في الإعلان على شبكة الإنترنت، لتكون الرئيس التنفيذي للعمليات، حيث أصبحت أحد أبرز الوجوه العامة لـ«فيس بوك»، وإن ظل واضحا دائما من هو المسؤول الحقيقي.
وقد ظل زوكربيرغ دائما مسيطرا بشكل مباشر على طريقة عمل موقع الـ«فيس بوك»، وفقا لما يقوله مساعدوه ومستشاروه، حيث رفض في وقت مبكر أن يربك التغذية الإخبارية للموقع بالإعلانات. وكان يعمل على تحسين وتعديل الموقع باستمرار، مما أدى أحيانا إلى إثارة غضب المستخدمين، مثلما حدث عندما تم جعل بعض المعلومات الخاصة، التي كان متاحة فقط لأصدقاء المستخدمين، متاحة للجميع. وقد دفعت هذه الزلة لجنة التجارة الاتحادية في نهاية المطاف إلى إعلان انخراط موقع الـ«فيس بوك» في ممارسات تجارية مضللة. وقد أصدر زوكربيرغ اعتذارا شخصيا، معترفا بالأخطاء التي ارتكبت.
وقد وصف زوكربيرغ فلسفته بشأن المنتجات التي يتم تقديمها على موقع الـ«فيس بوك» في الأوراق التي قدمتها الشركة إلى لجنة الأوراق المالية والبورصات قائلا: «إنها جيدة على الرغم من عدم كونها مثالية».
ووصف أحد المهندسين السابقين لموقع «فيس بوك» زوكربيرغ بأنه كان يقوم بدور شبيه بالدور الذي كان يقوم به جوبز في شركة «آبل»، حيث كان الجميع يدركون أن الـ«فيس بوك» من ابتكاره، وأنه بالتالي سيكون له القول الفصل بشأن ما سيصبح عليه الموقع.
وأشار المهندس إلى أنه قبل بضع سنوات، على سبيل المثال، قام فريق صغير في الشركة بالعمل بجد لفترة طويلة من أجل بناء خاصية التقويم الاجتماعي. وقد ظلوا يتحدثون عن هذا الأمر على مدى عدة أسابيع، حتى جاء اليوم الذي توقفوا فيه فجأة عن الحديث عنه. وعندما طلب المهندس معرفة ما حدث لهذا المشروع، قالوا له: «لقد رفض زوكربيرغ الفكرة، ووأدها دون أن يفكر في تعديلها».
وقد أشار المهندس، الذي لم يرغب في الكشف عن هويته قبل طرح أسهم الشركة للاكتتاب العام، إلى أن الأمر الآخر الجدير بالملاحظة في هذا الموضوع هو أنه لم يبدو أن هناك أحدا منزعجا مما حدث، مضيفا: «لقد كنا ننظر جميعا إلى الـ(فيس بوك) على أنه تجسيد لأفكار ورؤية وذوق زوكربيرغ. وكان القرار الذي يتخذه، هو القرار الذي يتم تنفيذه بلا مناقشة».
وكان من الأشياء التي تحسب لزوكربيرغ أن الـ«فيس بوك» نما بسرعة، وأصبح في غاية الأهمية، بحيث لم يعد بالإمكان تحدي نفوذ رئيسه التنفيذي. وقال جو غرين، أحد زملاء زوكربيرغ السابقين في السكن الجامعي في جامعة هارفارد، الذي يدير الآن شركة «كوسيز»، التي تمتلك تطبيقا يحظى بشعبية كبيرة على موقع الـ«فيس بوك»: «لقد احتفظ مارك بسيطرة شبه مطلقة على مجلس إدارة شركة «فيس بوك». وكانت الشركة ستباع ملايين المرات لولا وجود مارك، خصوصا أن توظيف كبار السن من ذوي الاحتياجات المالية المباشرة، يجعل هناك حاجة ملحة للحصول على السيولة المالية الكافية. والمرء بحاجة إلى أن تكون ثقته بنفسه عالية، لكي يتمكن من رفض عرض لشراء شركته بمليار دولار».
وقد كان أحد أكثر القرارات الحاسمة، بكل المقاييس، القرار الذي اتخذه زوكربيرغ بتأجيل طرح أسهم الشركة للاكتتاب العام لأطول فترة ممكنة. فهو لم يكن يريد أن تعوقه المتطلبات التنظيمية، أو أن يتبادل المعلومات عن كيفية عمل شركته، بالنظر إلى حجم العائدات الكبيرة التي كانت تعود عليه من ورائها. ويتذكر ديفيد ساكس، الذي كان يعمل في شركة «باي بال» عندما تم طرحها للاكتتاب العام، ما حدث هناك، حيث أصبح الموظفون مهووسين بقيمة أسهمهم في الشركة، بينما أصبح المديرون التنفيذيون قلقين بشأن تحقيق الأهداف المتعلقة بالعائدات الربحية، قائلا: «لقد أصبح المرء يتمنى أن لو كانت الشركة قد ظلت على حالها ولم تطرح للاكتتاب العام».
ويبدو من المستعبد أن يأخذ زوكربيرغ ملياراته ويترك شركة «فيس بوك» بعد طرحها للاكتتاب العام، حيث توضح أوراق الشركة التي تم تقديمها للجنة الأوراق المالية والبورصات أن زوكربيرغ لديه الحق في تعيين خليفة له «في حال كان زوكربيرغ هو من يدير الشركة وقت وفاته».
وقد تم نشر صورة على صفحته على موقع الـ«فيس بوك»، ليلة الأربعاء الماضي، بعد ساعات من إيداع أوراق الشركة لدى لجنة الأوراق المالية والبورصات، يظهر فيها مكتبه، الموضوع فوقه جهاز كومبيوتر محمول مفتوح من منتجات شركة «آبل»، وزجاجة صفراء اللون من زجاجات مشروب «جاتوريد» الرياضي، ولافتة كتب عليها: «حافظ على تركيزك واستمر في الإبحار».
* شارك في كتابة هذا التقرير كل من إيفلين روسلي، وكوينتين هاردي، ونيكول بيرلورس، ونيك وينغفيلد.
المصدر : https://wp.me/p70vFa-oI