رحلتي مع المرض النادر

بقلم:عائدة ابو عليم

“لماذا لون وجهك و يديكي اصبح غامقا؟” سؤال بات يتكرر علي ممن حولي. كان هذا اول مؤشر يخبرني بانه هناك شيء ما خطا يحدث في جسمي.كنت ابرر; ربما من كثرة التعرض للشمس خلال النهار. صحوت مرة من النوم صباحا و عندما حاولت الوقوف على قدمي شعرت بوخزات و تورم اسفل قدمي لم اهتم كثيرا، و قلت “ربما من كثرة الشغل والوقوف في المدرسة فانا مدرسة او من الوقوف بالمطبخ”. وفي مرة نظرت الى كفوف يدي و كانت دهشتي كبيرة و انا ارى لونهما يتغير الى اللون الابيض، الاصفر ثم الازرق الداكن. و تكرر حدوث ذلك في قدمي ايضا. شعرت ان هذا الجسد ليس جسدي! و من هنا بدأت القصة و بدأت مشوار المعاناه الحقيقية.
بعد شهر من تكرارهذه الاعراض مع ما يرافقها من الشعور الارهاق وبالالم في جميع اطرافي ، قررت الذهاب الى الطبيب لاعرف ما الذي يحصل لي فقد كنت بالعادة انسانة نشيطة، احب العمل والرياضة، و فجأه اشعر ان شيء بداخل جسمي يثقلني ، و لا استطيع فعل ابسط النشاطات اليومية!

وحتى عندها اذهب للنوم اصحوا متعبة و مرهقة، و احتاج بعض الوقت حتى استطيع الحركة بسهولة. من حسن حظي ان الطبيب كان بارعا وخبيرا فقد استطاع تشخيص المرض من الزيارة الاولى – وهذا بالعادة لا يحصل مع كل المرضى الاخرين – لكنه لم بخبرني حتى يتأكد من ذلك باجراء فحوصات دم معينه، وبعد شهر عندما راجعت العيادة اخبرني بانه قد تأكد من شكوكه، واخبرني انني مصابه بمرض نادر جدا يسمى تصلب الجلد الجهازي (Scleroderma) في كل مليون شخص تظهر ٥٠٠ حالة، والسبب غير معروف. كانت دهشتي كبيرة، فانا لم احتاج تناول حبة دواء في حياتي كلها، و لاحتى حبة مسكن الم، ولم اشكوا من اي مرض، ولم اذهب لزيارة الطبيب الا عند ولادة ابنائي الثلاثة حفظهم الله.


هنا بدأت رحلتي مع المرض والمعاناة والشعور بالوحدة القاتلة، فانا لم اسمع بهذا المرض من قبل، ولا احد من حولي ايضا، بدات بتناول العلاجات والكورتيزون، والتحاليل الطبية والصور الاشعه والصور الطبقية، والمرض للاسف لا يتراجع بل يتقدم، حتى وصل الى الرئتين وتسبب بتليف الرئة الخلالي واضطر الاطباء اعطائي جلسات علاج كيميائي (١٠ جرعات) للحد من التليف المتسارع، وانا حالتي النفسبة والجسدية تزداد سوءا، لم اعد اقدر على النظر في وجهي في المرآة ، فلم اعد انا انا، تغيرت ملامح وجهي، حتى ان بعض صديقتتي لم تتمكن من التعرف علي، لا احد يصدق مالذي يحصل لي، حتى ان بعض الناس صار يقول لابد اني مصابة بالسرطان. او ان ارواح شريرة تسكن جسدي.

وبدأت المشاكل تكبر في حياتي الاسرية، لانها انقلبت رأسا على عقب. اقضي معظم وقتي في المشفى والفحوصات والتحاليل والادوية، واوشكت ان افقد وظيفتي لانه لا احد يدرك طبيعة مرضي او اعراضه الغريبة. الشعور بالوحدة يزداد، كنت اتمنى ان التقي بأحد يشكوا نفس مرضي، اتحدث معه يفهم معاناتي، لأرى الى اين يذهب بي هذا المرض العجيب؟ كيف اتعامل معه؟ ماذا آكل؟ ماذا اشرب؟ كيف انام؟ ماذا افعل؟ اي نوع من الرياضة يناسبني؟ و ايها خطر علي؟ كيف اعيش حياتي؟

كانت الحرب النفسبة اقسى و امر من آلام المرض نفسه. عشت هذه المعاناة اربع سنوات حتى في عام ال٢٠١٢ جاء الفرج في اتصال هاتفي من اخي في امريكا و زوجته يخبراني بانهما يودان عرضي على اطباء في امريكا على امل ان يكون هناك علاج لهذا المرض الغريب. وبالفعل سافرت بعد ان حصلت على الفيزا وبالفعل قضيت هناك شهر متنقلة بين امهر الاطباء في مستشفى هارفرد / بوسطن ، وبعد الإطلاع على فحوصاتي قال لي البروفيسور في الطب حرفيا؛ “يبدو لي من الفحوصات والادوية التي اخذتيها، ان الطب في الاردن ممتاز جدا! ونحن لن نضيف على ذلك، فهذا المرض ليس له علاج، فقط نحاول ان نبطئ تطوره و نخفف من اعراضه”. كلام الطبيب وقع في أذانيّ كالصاعقه ، و شعرت بخيبة الامل و الاحباط من جديد. لكن اخي و زوجته الرائعين لم يفقدوا الامل مثلي، بل اخذوني الى مركز طبي في شيكاغو يقدم العلاج للمرضى من كل النواحي؛ علاج طبي، استشارات نفسية، نظام غذائي، تمارين رياضية خاصة، العلاج باليوغا، يعلم طرق تفريغ التوتر والضغط، استشارات هضمية… الخ.

ومن هنا بدأت نقطة التحول الحقيقية في حياتي.

تعلمت في هذا المركز كيفية تقبل المرض والتعايش معه، تعلمت التمارين المناسبة لطبيعة مرضي، حمية غذائية خاصة، كيفية التنفس الصحيح، كيفية التعامل مع المشكلات، والتخلص من التوتر والقلق، تعلمت اكتب ما يزعجني، كيفية التعاطي مع العمل والاسرة والمجتمع المحيط. تغيرت نظرتي لمرضي ولحياتي واهدافي. بعد هذه التجربة الرائعة تفتحت عيوني على امور كانت غائبة عن ذهني و تغيرت اولوياتي في الحياه، و زاد تقبلي لمرضي و اصبحنا اصدقاء. وهذا هو الحل بعينه، وهذا هنا العلاج . العلاج يبدأ من داخلي انا، صرت اشعر بأن مرضي منحه وليش محنه.
تقبلت نفسي وبدأت رحلة التغيير وشعرت كاني ولدت من جديد .من بعدها رجعت الى بلدي الاردن و بدات اغير نمط حياتي، تعلمت السباحة وصرت أمارس رياضة المشي يوميا واليوغا، واواظب على تمارين الاسترخاء و التنفس العميق، اتبعت نظام غذائي صحي، احصل على نوم كافي، حددت أولوياتي في الحياه، و هونت على نفسي الرفض للمرض و العجز واستبدلته بالتقبل والتعايش. وللمرة الاولى والحمد لله بدأ المرض بالتراجع السريع، والالام صارت تخف، وبدات اعود لحياتي الطبيعيه والعناية باسرتي. انا الآن في عمر الواحدة والخمسين وعندي نشاط وحيوية افضل من عمري وانا بالثلاثينات، حتى احيانا انسى اني مريضة بفضل الله تعالى.

للصدفه الغريبة انني منذ سنتين فقط -اي بعد مرضي بحوالي اربعة عشرة سنة – وبينما انا في احدى مراجعاتي الدورية لعيادة طبيبي المختص التقيت بمريضة مصابة بنفس مرضي، وهي تقريبا بنفس عمري وتاريخها المرضي بنفس المدة اي مصابة بالمرض من ٢٠٠٨، ولكن كان الفارق كبيرا بين وضعي الصحي والنفسي ووضعها؛ فقد كانت على كرسي متحرك، لا تستطيع اعانة نفسها، معها ابنتها في العشرينات من العمر لتساعدها، يداها ورجلاها متيبسات، تكاد لا تستيطع تحريكهما، حالتها النفسية كئيبه، حزينه، ضعيفة. “يا الهي! كيف وصلت الى هذه المرحلة المتأخرة من المرض” حدثتني نفسي، “كم انا محظوظة ان وجدت من يمد لي يد المساعدة وينتشلني من ضعفي واستسلامي للمرض، من يقف معي ويوعيني ويدعمني ماديا ومعنويا ونفسيا”.
بعد هذا الموقف خطر لي أنه لابد ان اساعد المرضى الاخرين المصابين بامراض نادرة، انشر الوعي بينهم واسرهم، اعلمهم كيفية التعامل مع المرض، تقبله والتعايش معه، التشافي لا يكون فقط بتناول العقاقير والادوية، بل لابد ان يرافقه نظام غذائي، رياضة مناسبة، تعلم الطرق مختلفة لتفريغ التوتر والقلق النفسي، تعلم الصبر وكيفية التعايش مع المرض، مخالطة مرضى اخرين عاشوا تجارب مماثلة حتى لا يشعر بالعزلة والوحدة والخذلان والاحباط، كما شعرت انا في بداية رحلتي مع المرض.
ان درجة الوعي لاسرة المريض و لبيئة العمل للمريض نفسه ممكن ان تقلب الموازين، وتسير بيد المريض اما الى الشفاء و التعافي والعيش حياة طبيعية سعيدة – مثلما حدث معي – واما الى الانتكاس واليأس وتمني الموت.
عايدة ابو عليم – رئيس ومؤسس منظمة التوعية بالامراض النادرة