مال وأعمال تلتقي الرئيس التنفيذي لحوكمة الجامعات العربية
مال وأعمال…
الإستثمار فى التعليم أصبح ضرورة لا محالة فلا يمكن أن تتطور المنظومة التعليمية بدونه ولا نبالغ إذا قلنا أن هذا الإستثمار لابد أن يتوسع على المستوى العربي، بل والعالمي أيضاً .. وعلى مستوى مواجهة تراجع التنمية والتخلّف والفقر واللااستقرار والتطرف والحروب التي تستولد حروباً فمن المؤكد أن الإستثمار في التعليم سيساهم في مكافحة كل تلك الأفات.
واليوم ونحن نسعى إلى منظورة عالمية جديدة تبنى على أساس الإبتكار، لابد لنا من التركيز على التعليم بشقيه الثانوي والعالي كحجر أساس في عصر التكنولوجيا والإبتكار لذا فمن المتوجب علينا “ضمان تعليم ذي جودة للجميع على إعتبار أن التعليم أهم الأهداف، فلا تنمية من دون تعليم”.
ويعد الإستثمار في التعليم من الركائز الأساسية التي تبنى عليها الأمم وتقدمها وإزدهارها ومن هنا فإن الاستثمار في التعليم لايتوقف فقط على التقدم المادي بل يتعداها إلى الإستثمار في الموارد البشرية.
وتعتبر الأردن من الدول المتقدمة والمزدهرة في التعليم وواجهة لطلاب العلم من مختلف أنحاء العالم وأصبحت الشهادات الصادرة عن الجامعات الأردنية مصدر فخر لمن يحملها.
مال وأعمال وكعادتها في تقديم المواضيع الإقتصادية التي تحاكي واقع الشارع العربي تناولت في هذا العدد الإستثمار الأكاديمي في الأردن كون الأردن من الدول المتقدمة في هذا المجال وبإعتبارها واجهة نشطة لطلاب العلم من مختلف الأقطار.
وللحديث أكثر حول هذا الموضوع الحيوي والذي يستثمر في الموارد البشرية كان لنا هذا الحوار مع الدكتور يعقوب ناصر الدين رئيس مجلس أمناء جامعة الشرق الأوسط .
د. يعقوب “للأسف ما زال التعليم الجامعي في الوطن العربي متأخراً”
مال وأعمال….. تعتبر الأردن من الدول المتقدمة أكاديمياً حيث أصبحت واجهة لطلاب العلم من مختلف أرجاء العالم ما الأسباب التي أدت الى هذه المكانة المرموقة للتعليم في الأردن؟
د.يعقوب ناصر الدين ……أود في البداية أن أوجه لك ولمجلة مال وأعمال الغراء الشكر والتقدير، وأن أشيد بهذا المستوى الرفيع من المهنية العالية، وبالرسالة التي تحملها المجلة، وما تعبر عنه من خدمة إعلامية راقية.
في الواقع، ومن أجل الموضوعية، أرغب في التعليق على مضمون السؤال وأعيد صياغته على النحو: هل بلغنا مرحلة متقدمة من التعليم العالي في بلدنا الأردن الحبيب؟ فنحن بحاجة إلى كثير من الصراحة لكي نجيب على هذا السؤال، فإذا كان الجواب مستندا إلى نوع من المقارنة مع دول كثيرة من المجموعة التي يطلق عليه ” الدول النامية ” نستطيع القول نعم، ولكن إذا كنا نتحدث عن معيار مختلف، أي المعيار الدولي الذي يقاس وفق معايير مؤسسات متخصصة لا توجد جامعة عربية واحدة من ضمن المئة الأولى في العالم، فسيكون الجواب ” ذلك ما نسعى إليه ” .
لقد شهد الأردن خلال العقدين الماضيين نهضة حقيقية في قطاع التعليم العالي والبحث العلمي، ليس بسبب هذا العدد الكبير من الجامعات الرسمية والأهلية وحسب، بل لأن واقع التعليم في جميع مراحله كان محل مراجعة مستمرة، ومبادرات ونقاشات وحوارات وطنية واسعة النطاق حول قانوني التعليم العالي والبحث العلمي، والجامعات، بهدف الوصول إلى تشريعات وقوانين وأنظمة ترتقي بالعملية التعليمية والبحثية ومخرجاتها، وبدور الجامعات في تلبية إحتياجات سوق العمل ومتطلبات التنمية الشاملة، وخدمة المجتمع، بحيث تكون مخرجات التعليم في أحسن مستوياتها .
لقد إستقطبت الجامعات العربية طلبة من الدول العربية الشقيقة، ومن دول أخرى, كنتيجة للسمعة الجيدة، ونظراً لما يتمتع به الأردن من أمن واستقرار، فضلا عن مجتمعه المحافظ، وهذه نقطة جاذبة خاصة لأبناء الدول المجاورة، ودول الخليج العربي، فضلاً عن الموقع الجغرافي، وغير ذلك من الأسباب التي تعطي الراحة والطمأنينة للطلبة وأهاليهم.
من هذه الزاوية عقدت جامعة الشرق الأوسط إتفاقيات مع عدد من الجامعات البريطانية، من بينها جامعة وولز، وجامعة غرب أسكتلندا، وجامعة كوفنتري، وجامعة لفبره، وكلها جامعات مرموقة على المستوى الدولي، والهدف من هذه الاتفاقيات هو فتح برامج أكاديمية على مستوى البكالوريوس والماجستير، والدكتوراه في رحاب الجامعة، بحيث تستقطب الطلبة الأردنيين والعرب ليدرسوا في عمان، بدل الذهاب إلى الخارج بكل ما يترتب على ذلك من تكلفة مالية باهظة، فضلا عن صعوبة التسجيل والسفر والإقامة، خاصة في ظل الظروف الراهنة.
مال وأعمال …… بالنسبة للدراسات العليا الى أين وصل التوسع فيها في جامعة الشرق الأوسط خاصة وبقية جامعات القطاع الخاص على العموم ؟
د.يعقوب ناصر الدين….كانت جامعة الشرق الأوسط في الأساس جامعة للدراسات العليا، وحين صدر قرار من وزارة التعليم العالي والبحث العلمي بحرمان الجامعات الخاصة من منح درجة الدكتوراه، سمح لنا بفتح برامج البكالوريوس، وهو متطلب يفرض على الجامعة توسيع حرمها الجامعي ومبانيها، وغير ذلك من متطلبات الاعتماد الأكاديمي، ولن أتحدث عن الأعباء المالية التي ترتبت على ذلك، خاصة وأن الجامعة غير ربحية، فضلا عن أننا سعداء بهذا التوسع، ولكن ما زال السؤال قائماً، ما هي الحكمة في حرمان الجامعات الخاصة من منح درجة الدكتوراه، مع أنها ملتزمة بنفس معايير الاعتماد في الجامعات الرسمية ؟
على كل حال هذه مسألة مفتوحة للنقاش مع الوزارة، ونحن متفائلون بالحوار المفتوح حاليا مع معالي الوزير وطاقمه الذي نكن لهم جميعاً الإحترام والتقدير، ونلتقي معه على تحقيق المصلحة العليا لبلدنا الحبيب .
وطبعا نحن نتبع سياسة واضحة لتحفيز الطلبة على الدراسات العليا، ونقدم منحاً في حالات معينة، ولكن الأهم هو توجيه تلك الدراسات لكي تخدم عمليات التطوير للقطاعات المختلفة، والتشجيع على الإبتكار والتميز، وتسخير البحث العلمي لخدمة التنمية، والنهوض بعناصر الإنتاج، وتحسين الأداء في المؤسسات العامة والخاصة .
وهذا ينطبق كذلك على الطلبة العرب الذين نحرص على أن تكون العناوين التي يختارونها لدراستهم وأبحاثهم ذات فائدة لمجتمعاتهم، فنحن جميعاص ننتمي إلى أمة واحدة، وما نحققه على المستوى القطري يصب في النهضة القومية الشاملة، وفي تعزيز قدرة العالم العربي على مواجهة التحديات بمختلف أشكالها .
مال وأعمال…. كيف ترى مخرجات التعليم العالي في الأردن؟
د.يعقوب ناصر الدين ……مخرجات التعليم العالي ليست معزولة عن مخرجات التعليم الأساسي والثانوي، ولا عن نظرة المجتمع للشهادة الجامعية، وكذلك قطاع التعليم العالي ليس منفصلا عن بقية القطاعات، لذلك أعتقد أن المشكلة تكمن في غياب خطة وطنية متفق عليها تعيد صياغة تلك العلاقة، بحيث تكون مخرجات التعليم جزءاً لا يتجزأ من إستراتيجية الدولة التي تقوم على رؤية مشتركة وأهداف محددة، في إطار عملية الإصلاح التي نسعى إليها.
ولا بد كذلك من إعادة النظر في الكيفية التي تعمل بها الجامعات، وخاصة تطبيق الحوكمة التي تعتبر اليوم واحدة من أهم المعايير الدولية في تصنيف الجامعات ، من منظور مستوى الأداء، وأود هنا أن أشير إلى المبادرة التي تقدمت بها للإتحاد العام للجامعات العربية حين عقد دورته السابعة والأربعين في رحاب جامعة الشرق الأوسط لوضع دليل لحوكمة الجامعات العربية، والذي أقر في الدورة التالية التي إنعقدت في بيروت، وتم تكليفي بمهمة الرئيس التنفيذي لمجلس عربي تم تشكيله من رؤساء تسع جامعات عربية تمثل مختلف المناطق والإتجاهات الأكاديمية، حيث عقد المجلس أولى جلساته خلال العام الماضي، ورسمنا معاً خطة العمل للمرحلة القادمة، وتم توزيع دليل مقترح على الجامعات الأعضاء وعددها حوالي 400 جامعة، ونحن بإنتظار ملاحظاتها، تمهيداً لإقرار الدليل، وما يلي ذلك من ندوات وورش عمل لنشر ثقافة الحوكمة.
أستطيع القول أن هناك قناعة لدى الجميع من ضبط الأداء لأي جامعة هو الركيزة الأولى لتحديد الاتجاه الصحيح نحو تجويد مخرجات التعليم، إلى جانب إعادة النظر في التخصصات ومساقات وأساليب التدريس، وزيادة الإهتمام بالدراسات التطبيقية، وكل ما يجعل مخرجات التعليم مطابقة للإحتياجات التنمية، وهذه مسألة تنطبق علينا في الأردن وعلى جميع الدول العربية بلا إستثناء.
مال وأعمال… ما هي الإستراتيجية المستقبلية التي تسعى الجامعة لتحقيقها ؟
د.يعقوب ناصر الدين….إن ما ذكرته سابقا يشكل جزءا من المنهجيات الحديثة التي تعمل عليها جامعة الشرق الأوسط للارتقاء بالتعليم، فحين نقترح على الجامعات العربية إعتماد الحوكمة لرفع مستوى أدائها، فنحن أولى الناس بتطبيق ما دعونا إليه، وكذلك الحال بالنسبة للإتجاه نحو التخصصات التطبيقية، وفتح برامج التعليم الدولي، وملائمة الدراسات والأبحاث مع حاجات التنمية والتطوير، ومواصلة النقاش بين الجامعات ووزارة التعليم العالي والبحث العلمي لحل الإشكالات القائمة، والنظر إلى الجامعات الرسمية والأهلية على أنها جامعات وطنية تخدم هدفا موحداً، بناء على إستراتيجية يتم على أساسها وضع التشريعات والقوانين والأنظمة، فالمسألة ليست متوقفة على دور تقوم به جامعة أو أكثر، لأن الأرتقاء بالتعليم العالي عملية مشتركة، وتقاسم للأدوار، فالوضع القائم اليوم هو أن لدينا نسخ متكررة، وبأسماء مختلفة لجامعة واحدة، أظن أنه قد حان الوقت لعملية مراجعة لهذا الوضع الذي أصبح يؤثر سلبيا على الجامعات الرسمية والأهلية على حد سواء .
وبالمحصلة ليس هناك أي فارق بين التعليم العام والخاص، فالجامعات كلها تعمل وفق معايير الاعتماد بدءاً من المباني والمرافق والحرم الجامعي، والطاقة الإستيعابية وإنتهاءاً بمناهج ومساقات التدريس والهيئات التدريسية، فالتعليم الخاص أعطى مساحة أوسع لإستيعاب خريجي الثانوية العامة لتلقي التعليم الجامعي، وزاد من فرص العمل لأعضاء هيئات التدريس، ووظف أعداد كبيرة من القوى البشرية من أبناء البلد، ووسع كذلك دائرة خدمة المجتمعات المحلية .
وطبعا هناك عوامل كثيرة ساهمت في تطوير التعليم الخاص، أهمها الإرادة السياسية، والمرونة التي يتمتع بها بلدنا تجاه القطاع الخاص كجزء مكمل للقطاع العام، وهذا ينطبق على كل شيء تقريبا، هذا بالإضافة إلى أن الاستثمار في هذا القطاع لا يمكن أن ينبري له إلا أولئك الذين فضلوا أن يقدموا خدمة جليلة لبلدهم، وبرؤوس أموال كبيرة لو أنها وضعت في مشاريع إنتاجية أخرى لكانت أكثر نفعاً من الناحية المادية، وأقل مسؤولية من الناحية العملية، ولذلك أنا أدعو دائما إلى تغيير النظرة تجاه التعليم الخاص، والنظر إليه على أنه جزء من المكاسب الوطنية .
مال وأعمال… بعد أحداث ما يسمى بالربيع العربي والذي اثر على الشرق الأوسط ككل أين التعليم الجامعي في الأردن من هذا؟
د.يعقوب ناصر الدين……هذا سؤال مهم، فحين نتحدث عن ما يسمى بالربيع العربي، يجب أن نتذكر أن الأردن تمكن من حماية نفسه من ذلك البلاء الذي حل في عدد غير قليل من الدول العربية، فدمر بنيتها التحتية وشتت شعوبها وقضى على مكتسباتها، وجعل مستقبلها مجهولا .
واليوم حين نسأل كيف تمكنا من إستيعاب تلك المرحلة الأليمة من تاريخ هذه المنطقة، لا بد أن نستعرض جميع عناصر القوة التي حفظت أمننا وإستقرارنا، بل ومنحتنا دوراً قوياً في مواجهة ما نتج عن الربيع العربي من قتل ودمار ولجوء، ومنظمات إرهابية أيضاً.
والجواب لدينا في غاية الوضوح، فنحن بلد حظيه الله بقيادة هاشمية هي من الناس وللناس، مشروع للنهوض بالإنسان وفكره ومبادئه ومثله العليا وكرامته وحقوقه الإنسانية والأخلاقية، يعود في أصله إلى الرسالة التي حملها النبي العربي الهاشمي، سيدنا محمد صلوات الله وسلامه عليه، فلم يكن هناك أي تناقض بين الشعب وقيادته منذ أن تأسس هذا البلد على يد الملك عبدالله الأول بن الحسين، وقد ورث جلالة قائدنا الملك عبدالله الثاني بن الحسين إرثا عظيما ونبيلا مما تركه جده الملك طلال ” أبو الدستور ” ووالده باني الأردن الحديث الملك الحسين طيب الله ثراهما، مضيفاً عليه فهمه العميق لطبيعة المرحلة، والتوازنات الإقليمية والدولية، وقيادته لمشروع إصلاحي طموح، هدفه الإنسان الأردني، تعليماً وتثقيفاً وتطويراً وتحصيناً.
وفي يقيني أن حنكة القيادة، وعلاقتها التاريخية بشعبها الذي يبادلها ولاء بولاء، ووفاء بوفاء، كان المنطلق الأهم في معالجة المشكلات الداخلية، والقدرة على التعامل مع التهديدات الخارجية، وأعتقد كذلك أن التعليم بنوعيته ومستواه كان عاملاً رئيساً من عوامل قوة الأردن في تجاوز تلك المرحلة، ومواصلة المسيرة نحو تعزيز الأمن والإستقرار، والمضي قدماً في مسيرتنا التنموية، رغم كل ما نتج عن الأزمات المحيطة بنا، والأزمات الإقتصادية العالمية من أثر سلبي على واقعنا الاقتصادي .
وأنا كباحث متخصص في التخطيط الإستراتيجي وإدارة الأزمات أؤمن بوجود فرص مقابل التهديدات، مثلما توجد عناصر القوة مقابل عناصر الضعف، وبالتالي ليس بالضرورة أن يكون أثر ما يسمى بالربيع العربي سلبياً بصورة مطلقة، هناك إيجابيات من أهمها اختبار قوة الدولة وصمودها في واجهة الأزمات، ومن هذا المنطلق أستطيع القول أن التعليم العالي لم يتأثر بنتائج الربيع العربي بشكل سلبي، فهو مستند إلى قواعد راسخة، ولديه قدرة على استيعاب التطورات مهما كان نوعها.
طبعا الوضع الاقتصادي تأثر إلى حد بعيد، ولكننا تعاملنا بشكل جيد مع مسائل في غاية التعقيد، بما يضمن عدم التراجع إلى الخلف، وهذا ثابت في مؤشرات النمو، ونحن نأخذ بعين الإعتبار أي إنعكاسات على الواقع الإجتماعي، وتأثر فئات إجتماعية بالمشكلة الإقتصادية، ونحن نراعي أوضاع الطلبة، بوجود أزمة ودون وجود أزمة، فذلك واجب أخلاقي نلتزم به، ونطبقه من خلال الخصومات والحوافز، وغير ذلك مما يمليه علينا واجبنا تجاه بلدنا وأبنائنا الطلبة .
*خاص وحصري لمال وأعمال يمنع الإقتباس أو إعادة النشر الا بإذن خطي من إدارة مال وأعمال
المصدر : https://wp.me/p70vFa-gxE