شكلت الحلول التكنولوجية التي ابتكرها دين كامين المخترع وخبير التكنولوجيا ورائد الأعمال البالغ من العمر 68 عاماً، العمود الفقري في تشغيل جميع آلات غسيل الكلى و80٪ من مضخات الأنسولين في العالم، ولا يزال الرجل الذي أسس بطولة العالم للروبوتات والذكاء الاصطناعي “فيرست جلوبال”، عازماً على إيجاد الحلول للتحديات الكبيرة التي تواجه البشرية، وشهيته لتغيير العالم متقدة حتى اليوم، ما يظهر جلياً في البطولة التي تستضيف دبي دورتها الثالثة.
تستضيف هذه البطولة العالمية الشبيهة بدورات الألعاب الأولمبية، الطلاب ممن تتراوح أعمارهم بين 14و 18 عاماً، من جميع أنحاء العالم، في منافسة لابتكار روبوتات والمشاركة بها في سلسلة من التجارب والفعاليات التي يمكن أن تعالج، وربما تقدم إجابات لأكبر التحديات التي تواجه الكوكب اليوم، وتركز دورة العام الحالي على موضوع “حماية المحيطات”.
ويقول كامين: “هذه المرة الثانية فقط التي يقام فيها هذا الحدث في مدينة خارج الولايات المتحدة الأمريكية، وقد وعدت دبي باستضافة أفضل نسخة لهذه البطولة وأوفت بهذا الوعد!”، ويضيف: “من السهولة بمكان أن نرى لماذا استطاعت دبي أن تحول هذه الفعالية إلى نجاح باهر. فمن المعروف أن دبي هي الوجهة التي تستضيف الفعاليات التكنولوجية المرموقة وتحتضن جهود تطوير التقنيات الناشئة. وإذ تتمتع الإمارة بموقع استراتيجي وسط العالم، فثمة طموح كبير لتحويل دبي إلى مركز عالمي للابتكار بقيادة الشباب”.
وشهدت النسخة الحالية للبطولة التي تنظم في فستيفال أرينا تحت إشراف مؤسسة دبي المستقبل، زيادة مذهلة بنسبة 42٪ في عدد المشاركين عن الدورة السابقة الذي أقيمت في استاد مدينة مكسيكو سيتي الأولمبي العام الماضي، وشاركت فيها فرق من 135 دولة، إذ يشارك في دورة العام الحالي، 191 فريقاً مكونا من خمسة طلاب، ما يبلغ مجموعه نحو 1500 طالب من جميع أنحاء العالم جاءوا إلى دبي ليكونوا جزءاً من هذا الحراك العالمي الهادف لتنمية الشباب وتعزيز التطور التكنولوجي والاستدامة البيئية.
فتح آفاق المستقبل
بالنسبة إلى كامين، جاء تأسيس “فيرست جلوبال” عام 1989 انطلاقاً من رغبته بمنح الشباب الأمريكي الأدوات والتحفيز اللازمين لفتح آفاق الوظائف المستقبلية المدعومة بتقنيات الذكاء الاصطناعي. وقد كان العامل الأكثر تحفيزاً هو ما أشار إليه كامين بأنه “الأزمة الثقافية”.
ويقول كامين: “يتميز المخترعون بأنهم ينظرون إلى التحديات ذاتها بشكل مختلف عن باقي الأشخاص، فالابتكارات الكبيرة لا تنبع من تقنيات جديدة تماماً، وإنما من إعادة تعريف المشكلة نفسها، لقد كانت المخاوف الرئيسية في الولايات المتحدة قبل 30 عاماً تكمن في ما وصفته وسائل الإعلام بأنها أزمة تعليم، لكن لم تكن هناك أزمة في التعليم، إذ كان هناك العديد من المدرّسين، إن الأزمة التي كانت لدينا هي أزمة ثقافية”.
وتابع: “لقد صبّت وسائل الإعلام تركيزها فجأة على الرياضة، وهكذا أصبح شكل جديد من الترفيه متوفراً بفضل الصور المدهشة وتجارب المشاهدة المميزة، كما أصبح الرياضيون نجوماً عالميين. لقد أصبحت ألعاب مثل البيسبول وكرة القدم الأمريكية هاجس كل الناس في الولايات المتحدة، حتى الكونغرس الأمريكي لا يعقد جلساته خلال نهائيات دوري كرة السلة للمحترفين NBA. هل يمكنك تخيل أن يحدث هذا للعاملين في القطاع التكنولوجي أو المخترعين أو العلماء؟ بالطبع لا”.
وأسهم نجاح شركة “فيرست” خلال أول 28 عاماً على عملها في استقطاب انتباه العالم، واستطاع كامين أن يوسع عمل الشركة على الساحة العالمية من خلال تحدي “فيرست جلوبال” العالمي الذي بدأ في عام 2017. ويلقى التحدي دعماً من مجلس إدارة مكون من رؤساء تنفيذيين من كندا والمكسيك والشرق الأوسط، حيث يقول كامين إنهم جميعاً “يشاركونني نفس الشغف لتطوير قدرات الشباب”. وهكذا أصبح للتحدي تأثير ملموس على أرض الواقع.
وأولى دين كامين اهتمامه لمسألة تحديد الأدوار النموذجية، والمنصات الموثوقة لقطاعات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات، والتي ستكون أساسية في زيادة فرص العمل والنمو الاقتصادي في المستقبل. حيث إن الأدوار التي يضطلع بها الشباب المحترفون في الرياضيات والتكنولوجيا والاختراع لم تجد المنصة الملائمة التي تضمن وصولها إلى جمهور عالمي، بالطريقة نفسها التي حظي بها نجوم كرة القدم، آرون رودجرز وتوم برادي وليبرون جيمس.
وقال كامين: “كان ذلك محطّ تركيزنا، فنحن هنا في منافسة ضخمة حقاً، ونريد أن نمنح الشباب منصة تضمن حصولهم على المسار المهني الملائم على المدى الطويل. وكما تعلمون، غالباً ما يساء فهم هذا الأمر بشكل أساسي، فالكثير من الشباب يطمحون للعب في بطولة اتحاد كرة القدم الأمريكي أو في الدوري الأمريكي للمحترفين، أو غيرها من البطولات الكبرى، أو لتقديم عروضهم الرياضية أو الموسيقية الخاصة أمام آلاف المشاهدين، ولكن فرص تحقيق ذلك ضئيلة للغاية. إذاً، لماذا لا نوفر هذا الحماس والطموح أيضاً في مجالات العلوم والتكنولوجيا والاختراع؟”.
وأضاف: “شهدنا أوقاتاً كانت فيها ثقافة العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات منفّرة للفتيات، نظراً للتصور السائد بأن هذه المجالات ليست جذابة. ومن ناحية أخرى، تم إبعاد الشباب عنها أيضاً بعد ظهورهم بصورة المهووسين أو المفتقرين إلى الطموح”.
وتابع مؤسس البطولة: “يجب أن يتغير كل ذلك، والأمر لا يتلق بأزمة في التعليم فقط، بل ينبغي علينا أن نضع هؤلاء الشباب في موضع يشعرون فيه بأنهم يحظون بالاهتمام، والتغطية الإعلامية الإيجابية التي يحظى بها نجوم الفن والرياضة”.
ويؤكد كامين أن تقديم هذه المنصة للشباب سيحفزهم على لتجاوز إبداعات من سبقوهم، وبأنهم سيعملون على التكنولوجيا الحالية التكنولوجيا وإيجاد سبل جديدة للرؤية والعيش في عالم المستقبل.
وليس من الصعب استكشاف الدوافع التي تحرك كامين الذي يؤكد أن والدته البالغة من العمر 94 عاماً ما زالت تدرّس، ويضيف: “إنها لا تفوت فرصة أن تخبرني بأنها لا تزال تعمل مع الصغار، وهي تفعل ذلك لأن إعطاءهم الأدوات الفنية والتقنية والفكرية للنجاح هو الميراث الوحيد الذي يستحق العناء، والذي سنخلفه من ورائنا على هذا الكوكب.
المصدر : https://wp.me/p70vFa-ytn