بعد تصويت البريطانيين لمصلحة الخروج من الاتحاد الأوروبي، سيكون على دول الاتحاد الـ27 البحث عن موارد مالية إضافية لتغطية العجز المرتقب في موازنات السنوات المقبلة، أو تقليص الدعم المقدّم للدول الأوروبية الأقل تقدماً، وخفض المساعدات الموجهة للدول النامية خارج أوروبا، لتجنب التداعيات المالية لقرار الانسحاب، خصوصاً أن بريطانيا تعتبر ثاني أكبر اقتصاد أوروبي بعد ألمانيا، والخامس عالمياً ورابع مساهم في الموازنة بعد إيطاليا.
وقُدرت موازنة الاتحاد الأوروبي للعام الحالي بنحو 154 بليون يورو، بزيادة 9 بلايين مقارنة بالعام الماضي. وتسعى بروكسيل، وهي مقر الاتحاد، إلى رفع الموازنة الأوروبية إلى 167 بليون يورو قبل نهاية العقد الجاري، من خلال زيادة مساهمات الدول الأعضاء، خصوصاً ألمانيا، التي ساهمت عام 2014 بنحو 26 بليون يورو، تلتها فرنسا بنحو 20 بليوناً، ثم إيطاليا بـ15 بليوناً، في حين ساهمت بريطانيا بنحو 12 بليون يورو. وفي المقابل، حازت دول أوروبا الشرقية سابقاً على الحصة الأكبر من الدعم الأوروبي الداخلي بسبب تأخرها الاقتصادي وحاجتها إلى التمويل الاجتماعي والصناعي.
وتتمتع بريطانيا بوضع مميز منذ انضمامها إلى الاتحاد عام 1973، إلى جانب الدنمارك وإرلندا، يجعلها تحصل على عائد يوجه إلى الجهات الأقل تطوراً داخل المملكة، وتساهم فيه دول مثل فرنسا وألمانيا ومجموعة «بنلوكس»، على اعتبار أنها غير مشمولة باتفاقات عدة منها «شينغن» والعملة الموحدة.
وتشير تفاصيل الموازنة الأوروبية إلى أن المملكة المتحدة دفعت العام الماضي دعماً صافياً إلى الاتحاد تجاوزت قيمته السنوية 5 بلايين يورو في إطار التضامن الأوروبي، وساهمت ألمانيا بـ15 بليوناً وفرنسا بـ7.2 بليون. ومنحت الدول الثلاث أكثر من 27 بليون يورو من التمويلات الصافية، وهو الفارق بين إجمالي المساهمات في الموازنة وإجمالي الموارد المحصلة للتنمية التي تستفيد منها الجهات الفقيرة والفئات المعوزة وبرامج التعليم والصحة، والبيئة والشباب والمسنين والرياضة ومشاريع أخرى. ويعني ذلك أن الدول الأكثر دخلاً مثل الدول الاسكندينافية، تحصل على دعم أقل من دول المعسكر الشرقي سابقاً وجنوب أوروبا.
وخصص الاتحاد العام الماضي نحو 66.7 بليون يورو لبرامج التنمية الذكية والاندماج الأوروبي، 17 بليوناً منها لمشاريع تطوير قدرات الشباب وبرامج محاربة البطالة، كما أنفق 49 بليون يورو على الاقتصاد الاجتماعي والمناطق، ونحو 59 بليوناً على التنمية المستدامة والموارد الطبيعية، وبليوني يورو على أمن المواطنين. وبلغت نفقات الإدارة والموظفين في بروكسيل نحو 8.6 بليون يورو، تقاسمها تقنوقراط ينتمون إلى 28 دولة، بينما بدأت عملية إزاحة حاملي الجنسية البريطانية من المسؤوليات الأوروبية في أول رد على نتائج الاستفتاء.
ومنح الاتحاد الأوروبي مساعدات إلى بقية دول العالم بلغت 8.4 بليون يورو (نحو 10 بلايين دولار)، منها بليونان لدول الجوار القريبة وعددها 16 دولة حول البحر الأبيض المتوسط تمتد من الجبل الأسود (مونتينيغرو) ودول البلقان إلى تركيا ولبنان والأردن وإسرائيل وفلسطين ومصر وتونس والجزائر والمغرب، الذي يحصل في المتوسط على دعم قيمته 300 مليون يورو سنوياً. وقدم الاتحاد 2.5 بليون يورو لدعم آليات التعاون والتنمية، و928 مليوناً مساعدات إنسانية إلى فقراء العالم، و320 مليوناً لحفظ السلم والأمن، و181 مليوناً لحماية حقوق الإنسان وتطوير الديموقراطية في العالم.
ويربط الاتحاد الأوروبي بين مساعداته المالية وبين تنفيذ شروط سياسية وثقافية تكون أحياناً مُجحفة في حق الدول المتلقية، وتقل أو تزيد في الشفافية والحوكمة والبيروقراطية بحسب نوع الحكم السياسي. ويتوقع محللون تزايد شروط الدعم الأوروبي الخارجي مستقبلاً، بسبب الضائقة المالية التي ستنتج من خروج المملكة المتحدة وخسارة بروكسيل نحو 14 بليون يورو سنوياً.
وغالباً ما انتقدت جهات أوروبية وخارجية اعتماد الكيل بمكيالين في أكثر من قضية وموضوع ونزاع، ما جعل الاتحاد يتحول إلى مؤسسة سياسية وليس جمعية اقتصادية وتجارية وتنموية تساهم في الأمن الأوروبي، كما خطط لها المؤسسون السابقون في روما قبل 60 سنة. وبعكس التوقعات، فإن الخلافات واردة بين عدد من الدول الأوروبية بعد خروج بريطانيا من الاتحاد، وتنامي الشعور بالابتعاد عن الأهداف المسطّرة في معالجة بطالة الشباب المتذمر من الأزمة الاقتصادية، حيث تصل البطالة إلى 11 في المئة في المتوسط، وتتجاوز 25 في المئة في البحر الأبيض المتوسط، وتعتبر السبب الأول لتنامي التطرف والهجرة.