مجلة مال واعمال

دول المنطقة المستوردة للنفط ومنها الأردن تحتاج إلى دعم دولي يصل إلى 100 مليار دولار

-

مال واعمال..

كشف تقرير مستجدات افاق الاقتصاد العالمي « الشرق الاوسط: التحولات التاريخية تحت الضغوط» الصادر مؤخرا عن صندوق النقد الدولي، عن ان دول منطقة الشرق الاوسط وشمال افريقيا المستوردة للنفط ومنها الاردن سوف تحتاج الى دعم رسمي دولي، وسيكون الدعم المالي الرسمي ضروريا لمساعدة البلدان المنطقة على مواصلة مسارها نحو التحول الاقتصادي ففي 2012 و2013، من المتوقع ان يبلغ اجمالي احتياجات التمويل الخارجي والمالي حوالي 90 مليار دولار و100 مليار دولار على الترتيب في البلدان المستوردة للنفط في منطقة الشرق الاوسط وشمال افريقيا.

ونوه التقرير، انه من المحتمل ألا توفر اسواق رأس المال سوى جزء من هذه الاموال، وبالتالي فان الحصول على التمويل الرسمي في حينه سيكون امرا في غاية الاهمية.

2012 سيكون عاما اصعب

من المحتمل ان يؤدي التحول السياسي الذي طال امده، وانخفاض النمو العالمي، وارتفاع اسعار النفط الى انتعاش اقتصادي بطيء يستغرق وقتا اطول من المعتاد، مع استقرار البطالة في احسن الاحوال عند مستويات مرتفعة، وسوف يكون من الصعب الحفاظ على استقرار الاقتصاد الكلي في هذه الظروف، وخاصة نتيجة تخفيض الاحتياطيات الوقائية خلال 2011. ومن الضروري اتخاذ اجراءات حازمة للحفاظ على استقرار الاقتصاد الكلي وحماية الفئات الاكثر تأثرا بالهبوط الاقتصادي. ورغم ان الكثير من الاصلاحات الضرورية ستستغرق وقتا لتنفيذها، يمكن ويجب اتخاذ الخطوات الاولى على الفور.

ويجب على الحكومات السيطرة على الانفاق (من خلال استهداف افضل للدعم على سبيل المثال) وتعزيز فعالية شبكات الامان الاجتماعي لحماية الفقراء والفئات الضعيفة. ويتعين على البنوك المركزية الاهتمام بالحفاظ على الاستقرار الخارجي، وهو ما قد يتطلب مزيد من المرونة في سعر الصرف في بعض الحالات للحد من التعرض للمخاطر الخارجية.

الكساد الاقتصادي وارتفاع البطالة وتآكل الاحتياطيات الوقائية

ادت التحولات السياسية في عدد من البلدان الى حالة من عدم اليقين اثرت على الاستثمار والسياحة والنشاط الاقتصادي الكلي خلال 2012، والى جانب ذلك كان على البلدان المستوردة للنفط في منطقة الشرق الاوسط وشمال افريقيا ان تتعامل مع ارتفاع اسعار السلع الاولية وانخفاض النمو العالمي والتداعيات السلبية من منطقة اليورو وداخل منطقة الشرق الاوسط وشمال افريقيا. ونتيجة لذلك، وباستثناء المغرب، توقف دخل الفرد عن النمو او انكمش في هذه البلدان خلال 2011، وازداد عدد الشباب العاطلين اليوم عما كان عليه قبل سنة.

وقد واجهت الحكومات ارتفاع الاسعار العالمية للسلع الاولية عن طريق زيادة الانفاق – بما في ذلك على الاجور ودعم الغذاء والوقود.

ونتيجة لذلك، ارتفع عجز المالية العامة (الى حوالي 8% من اجمالي الناتج المحلي في المتوسط) وبدأ الاقتراض الحكومي المحلي في مزاحمة القروض الممنوحة للقطاع الخاص. وضعفت ايضا الاوضاع الخارجية، نتيجة السحب من الاحتياطيات الدولية – وهو ما كان اكثر حدة في مصر – وتدهور الجدارة الائتمانية والمؤشرات الاخرى للاسواق المالية.

 الانتقال من الاستقرار إلى التحول

ان الاستقرار حاجة ملحة لكن في الوقت نفسه يجب على البلدان تحقيق تقدم ملموس بشأن تحويل نظمها الاقتصادية وتحديثها، والتعجيل بخلق فرص العمل امر حيوي وتعد معدلات البطالة في منطقة الشرق الاوسط وشمال افريقيا من بين اعلى المعدلات في العالم، وسوف يستمر النمو السكاني على مدى العقد المقبل، ولا يكفي اتباع منهج تدريجي لمواجهة التحدي المتمثل في تحقيق نمو مرتفع وشامل يؤدي الى خلق مستمر لفرص العمل.

وهناك اولوية ملحة تتمثل في وضع وتنفيذ برامج وطنية جريئة بالاصلاح والتحديث يمكن ان تحظى بتوافق عام في الآراء وتدخل ضمن اطار متوسط الاجل يحكم السياسة الاقتصادية الكلية على اساس قابل للاستمرار.

وسيحدد كل بلد مسار ا لتحول الملائم له والسرعة التي يستطيع التنفيذ بها لكن على كل البلدان النظر في بعض النقاط المشتركة، اولا، ستتطلب الاصلاحات توفير قدر اكبر من المساواة في الحصول على الفرص الاقتصادية وتعزيز الشفافية وتحسين فرص الحصول على الائتمان من خلال تعزيز البنى التحتية للاسواق المالية وبوجه عام تعزيز بيئة الاعمال عن طريق تقليص الروتين الحكومي وتبسيط القواعد والاجراءات. ثانيا، ينبغي ان تحل شبكات الامان الاجتماعي محل انظمة الدعم المعمم المهدر للموارد والتي تفيد الاغنياء غالبا، ويمكن استخدام الموارد المالية التي يحررها هذا التحول في الاستثمار في البنية التحتية، والتعليم، والصحة ثالثا، تحتاج الاصلاحات الى معالجة المشكلات في نظم التعليم واسواق العمل، وتعزيز تكوين المهارات لاعداد الخريجين لمسارات وظيفية ناجحة في القطاع الخاص.

ورغم ان المسؤولية الاولى عن هذا التحول الاقتصادي تقع على عاتق البلدان نفسها، فان المجتمع الدولي يتحمل ايضا مسؤولية دعم هذه البلدان من خلال كافة الوسائل المتاحة.

وسوف يكون تعزيز الوصول الى الاسواق بُعدا اساسيا في حزمة الدعم المستمر، كما انه يشجع على انشاء قطاع خاص تنافسي وحيوي يوفر فرص العمل.

مخاطر التطورات

 السلبية لا تزال قائمة

بالنسبة للعديد من بلدان المنطقة المستوردة للنفط، تكمن مخاطر التطورات السلبية الرئيسية في الاجل القريب في احتمال حدوث زيادة كبيرة في اسعار النفط ناشئة عن صدمة عرض اقليمية.

وهذه الصدمة، الى جانب تصاعد ازمة منطقة اليورو، ستؤثر تأثيرا كبيرا على الناتج والارصدة الخارجية في البلدان المستوردة للنفط، وقد يكون لمخاطر التداعيات الاقليمية الناشئة عن روابط التجارة والهجرة عبر الحدود مع سوريا تأثيرا على بعض البلدان المجاورة.

اما احتمالات تجاوز التوقعات فتتضمن تجاوز النمو للتوقعات لدى الشركاء التجاريين، وتلاشي علاوة مخاطر اسعار النفط، والتحول السياسي واستعادة السلام بسلاسة تفوق التوقعات، وهو الامر الذي من شأنه تعزيز النشاط الاقتصادي والتدفقات الخارجية.

آفاق النمو إيجابية

من المتوقع في 2012 ان يبلغ نمو اجمالي الناتج المحلي في المتوسط 5% تقريبا وان يكون موزعا بالتساوي بين بلدان مجلس التعاون الخليجي وبلدان المنطقة الاخرى المصدرة للنفط، وذلك لان اسعار النفط من المتوقع ان تصل الى نحو 115 دولار امريكي للبرميل في المتوسط، والى جانب ذلك، فان انتعاش انتاج النفط في ليبيا قد يتجاوز انخفاض الانتاج والصادرات في ايران نتيجة العقوبات، بينما يستمر التوسع في الطاقة الانتاجية في العراق. ومن المحتمل ان ينحسر النمو السريع الذي شهده قطاع الهيدروكربونات مؤخرا في قطر، الى ان يتم وقف التوسع في الطاقة الانتاجية بينما من المتوقع ان تقوم السعودية بوصفها المنتج المرجح بزيادة انتاج النفط بمقدار اقل مما كان مطلوبا منها في 2011 للحفاظ على التوازن بين عروض الطاقة العالمية والطلب عليها.

ومن المتوقع ارتفاع نمو اجمالي الناتج المحلي غير النفطي في معظم البلدان، وفي المحتمل من المتوقع ارتفاع نمو اجمالي الناتج المحلي غير النفطي ليصل الى 4.5% تقريبا في 2012، وهو ما يعزي اساسا الى تصاعد نشاط البناء مع زيادة الانفاق الحكومي.

 ونتيجة لذلك فان اجمالي الناتج المحلي غير النفطي الذي يقوم على كثافة العمالة بدرجة اكبر مقارنة باجمالي الناتج المحلي النفطي، سيمثل مرة اخرى ثلاثة ارباع نمو اجمالي الناتج المحلي الكلي تقريبا بحلول عام 2012.

وتتلاشى اسباب الضغوط السعودية السابقة في ليبيا، لكن لا يتوقع في 2012 ان ينخفض التضخم في البلدان الاخرى المصدرة للنفط ذات التضخم المرتفع، وفي اماكن اخرى، لا سيما في بلدان مجلس التعاون الخليجي، من المتوقع الى حد كبير ان يظل التضخم مكبوحا، ورغم ان تراجع الانفاق الحكومي ونمو اجمالي الناتج المحلي غير النفطي من شأنه تخفيض معظم حالات عجز المالية العامة غير النفطي، تستمر المخاوف بشأن استمرارية المالية الاامة، وترتفع اسعار تعادل رصيد المالية العامة بوجه عام – وهي الاسعار التي تتوازن عندها حسابات المالية العامة عند مستوى معين من الانفاق وانتاج النفط – مدفوعة جزئيا بارتفاع رواتب العاملين في القطاع العام.

وحتى مع ارتفاع اسعار النفط، لا تزال استمرارية المالية العامة قضية ملحة في البلدان التي تحقق عجزا بالفعل، والتي يتوقع ان يشهد الكثير منها ارتفاعا في العجز في 2012 ففي الاجل المتوسط يسلتزم ضمان العدالة بين الاجيال انفاقا حكوميا اكثر صراحة واعلى جودة، لا سيما في البلدان التي قامت، عن طريق زيادة الانتاج بتقديم موعد تدفق ايرادات النفط على حساب الايرادات المستقبلية.

وقد تزامن هذا التطور مع زيادة اجور العاملين في الخدمة المدنية والنفقات الجارية الاخرى والتي تجاوزت الزيادة في النفقات الراسمالية، ومن الصعب تحويل اتجاه الزيادة في النفقات الجارية، مما يزيد امكانية تعرض المالية العامة لمخاطر انخفاض اسعار النفط. وبدلا من توليد تدفقات دخل بديلة ومتنوعة للاجيال المقبلة، يمكن انيؤدي ارتفاع رواتب العاملين في الخدمة المدنية الى زيادة اجور القبول ومزاحمة العمالة في القطاع الخاص.

وهناك حاجة لاتخاذ تدابير اضافية من اجل تشجيع المواطنين على العمل في القطاع الخاص وتنويع النشاط الاقتصادي بعيدا عن الحومة وقطاع النفط، رغم ان الجانب الاكبر من النمو يأتي بالفعل من اجمالي الناتج المحلي غير النفطي.

المخاطر متوازنة تقريباً

سوف يؤدي التباطؤ العالمي الناجم عن ازمة منطقة اليورو الى انخفاض احجام صادرات بلدان المنطقة المصدرة للنفط بنسبة معتدلة، مما يؤدي اساسا الى انخفاض اسعار النفط، وهو ما يجعل البلدان التي تحقق عجزا في المالية العامة معرضة للمخاطر اكثر من غيرها.

وقد تؤدي التوترات مع ايران الى ارتفاع اسعار النفط، وهو ما سيكون له اثر مالي ايجابي على بلدان المنطقة الاخرى المصدرة للنفط، شريطة ألا تتأثر صادراتها بشكل مباشر باغلاق محتمل لمضيق هرمز، ولا تزال امدادات النفط من العراق وليبيا واليمن غير مؤكدة، وقد لا تتحقق توقعات الانتاج من خارج اوبك، ورغم استمرار التوازن الدقيق بين العرض العالمي للنفط والطلب العالمي عليه، لا تزال السعودية في وضع جيد يمكنها من الاستجابة لمعظم الانقطاعات في الاسواق العالمية للطاقة.