لم يستثنِ الدولار الأميركي قطاعاً في لبنان إلا وأرخى بظلاله عليه بسبب شحّه في السوق اللبنانية وتحوّله سلعة يخضع سعر صرفها للعرض والطلب.
وفي وقت يواصل سعر صرف الدولار ارتفاعه مقابل الليرة اللبنانية، يسود القلق شرائح واسعة من الشعب اللبناني بعد تنامي المخاوف من التداعيات السلبية لأسوأ أزمة مالية واقتصادية تشهدها البلاد منذ نهاية الحرب، في ضوء تواصل الحراك الشعبي منذ 17 أكتوبر/تشرين الأول العام الماضي.
ومساء الاثنين، شهد محيط مصرف لبنان احتجاجات من قبل عدد من المتظاهرين الغاضبين من السياسة النقدية والاقتصادية التي ينتهجها حاكم مصرف لبنان ومن ورائه السياسيون في لبنان. وعلت هتافات المتظاهرين قائلة: “مش دافعين”، في إشارة إلى مقاطعة دفع المبالغ المتوجبة للحكومة وقطاعاتها الخدمية، فضلاً عن مطالبتهم مصرف لبنان بعدم دفع “اليوروبوند”.
قطاع السيارات ينضم إلى ضحايا الدولار
وفي خضم تلك الأزمة، تتراكم القطاعات المتضررة في البلاد. ويُعتبر قطاع مبيعات السيارات الجديدة من القطاعات الأساسية في لبنان التي تُساهم بشكل كبير في تحريك عجلة الاقتصاد. إلا أنه كغيره من القطاعات الأخرى لم يسلم من تأثير أزمة شحّ الدولار التي بدأت تطل برأسها في شهر سبتمبر/أيلول الماضي.
ومع أن اللبنانيين لجأوا في الفترة الأخيرة إلى خيارات عدة لحماية مدّخراتهم في البنوك مع تحديد المصارف سقفاً للحصول على الدولار خفّضته تدريجياً بشكل حاد، أكان من خلال شراء مجوهرات ثمينة أو سلع فاخرة أو عقارات وسيارات، إلا أن نسبة مبيعات السيارات الجديدة تسجّل تراجعاً كبيراً في نهاية العام الماضي وحتى شهر فبراير/شباط.
وفي هذا السياق، أكد عضو مجلس “جمعية مستوردي السيارات في لبنان” انطوني أبو خاطر لـ”العربية.نت”: “أن نسبة مبيعات السيارات الجديدة تراجعت بشكل كبير. ففي شهر ديسمبر تم بيع فقط 600 سيارة، ثم ارتفع العدد إلى 1000 في بداية العام الحالي، لكن هذا الرقم منخفض جداً مقارنة بما كنّا نبيعه في السنوات الأخيرة، إذ كنّا نبيع سنوياً أكثر من 3000 سيارة جديدة”.
ولجأت بعض شركات السيارات ومعارض بيع السيارات المُستعملة إلى الاعتماد على وسيلة الشيكات المصرفية كبديل عن الدفع بالتقسيط عبر المصارف، وذلك بهدف تصريف إنتاجها.
إلا أن مبدأ الاستنسابية هو الذي يتحكّم بتعاطيها مع الزبائن وفقاً لحساباتها المصرفية وسياساتها الخاصة، وهو ما أكده أبو خاطر، معتبراً “أن وجود أكثر من سعر للدولار موازٍ للسعر الرسمي هو ما ينشر الفوضى في قطاع مبيعات السيارات”. وعزا التراجع في قطاع مبيعات السيارات إلى توقّف اللبنانيين عن الاقتراض من المصارف بسبب القيود القاسية التي تفرضها على السحوبات وتراجع الثقة بالقطاع المصرفي.
تهديد السلامة المرورية!
وباتت قيود المصارف على التحويلات وتجميدها التسهيلات التي كانت تقدمها للشركات والكلفة الباهظة لتأمين الدولارات، تهدد السلامة المرورية في ظل النقص الذي تشهده سوق قطع غيار السيارات بسبب القيود المصرفية التي تؤثر في الاستيراد، وهو ما أدّى إلى نقص في قطع الغيار.
وأشار أبو خاطر إلى “أننا أمام مشكلة كبيرة بسبب عدم قدرتنا على استيراد قطع غيار السيارات، وهو ما يُهدد السلامة المرورية، ونناشد مصرف لبنان فتح اعتماد لاستيرادها تماماً كما يفعل مع استيراد القمح والمحروقات والدواء”.
وكما قطاع السيارات الجديدة، تعاني المطاعم في لبنان من تأثيرات ندرة الدولار، لاسيما أن قسماً كبيراً من المأكولات التي تُقدّمها يتم استيراد مواد أساسية فيها من الخراج.
إقفال مطاعم وتسريح موظفين
وتعليقاً على الأمر، قال نقيب أصحاب المطاعم في لبنان طوني رامي لـ”العربية.نت”: “إن عدداً كبيراً من المطاعم في لبنان أقفل أبوابه بسبب الأزمة الحالية، كما أنه تم تسريح المئات من الموظفين للأسباب نفسها، وسنعلن اليوم في بيان صادر عن نقابة أصحاب المطاعم عدد هذه المطاعم والتحديات التي سنواجهها إذا لم تتم معالجة الأزمة”.
ولا تزال المطاعم في لبنان تقبل الدفع بالبطاقات الائتمانية وبالعملتين الليرة اللبنانية أو الدولار الأميركي.
نقبل الدفع ببطاقات الائتمان…ولكن!
ونفى نقيب أصحاب المطاعم “ما روّج له خلال الأيام الماضية عن أن المطاعم لم تعد تستقبل إلا الزبائن الذين يدفعون فاتورتهم نقداً أو بالدولار”. وأشار إلى “أن أكثريتهم حتى الآن يقبل الدفع بواسطة بطاقات الائتمان، لكن هذا الوضع لا ندري إلى متى سيستمر في وقت نحن نستورد معظم منتجاتنا من الخارج وفق سعر الدولار الموازي للسعر الرسمي أي أكثر من 1515”.
وأضاف “الاستيراد يُكلّفنا أضعاف سعر الدولار الرسمي ونبيع الزبائن وفق سعر الصرف الرسمي. فإلى متى سنتحمّل الخسائر؟”.
ويواجه لبنان انهياراً اقتصادياً مرشحاً للتفاقم مع ارتفاع مستمر في أسعار المواد الأساسية التي بات استيرادها صعباً بعدما أصبح الحصول على الدولار مهمة شبه مستحيلة.
المصدر : https://wp.me/p70vFa-A2W