بقلم : محمد فهد الشوابكه
قد لا نتعدى الحقيقة إذا قلنا إن في هنالك وفرة زائدة في المقالات التي تناولت وتتناول موضوع العولمة والخصخصة، ولم يعد الأمر يقتصر على الاقتصاديين والسياسيين، بل تعدى الأمر ليشمل الاجتماعيين والفلاسفة والفنيين والإعلاميين وغيرهم، لأن قضية العولمة لها من الجوانب والرؤى الكثيرة ما يثير اهتمام كل هؤلاء، حيث إن كل مهتم بالعولمة يركز في تحليله على جانب معين منها، لذلك ظهر ما يشبه التخصص في قضية العولمة.
ففي البعد الاقتصادي، يقول البعض إن ظاهرة العولمة ذات الاتجاه الليبرالي إن هي إلا إحدى الحتميات الاقتصادية، والتقنية الشبيهة بالأحداث الطبيعية التي لا يمكن الوقوف في وجهها، وهناك رأي معاكس يجد أن العولمة هي نتيجة حتمية أوجدتها سياسات معينة، بدافع من إرادة الحكومات، والبرلمانات التي تتطلع لإلغاء الحواجز والحدود أمام حركات انتقال السلع وعناصر الإنتاج (وعلى الأخص منها رأس المال)، والتي انتهت بالتوقيع على شهادة ميلاد منظمة التجارة العالمية ، لتنادي بما يمكن تسميته “المنافسة المعولمة” وضرورة إبعاد الدولة عن التدخل في الحياة الاقتصادية، وضرورة أن تنظم الأسواق نفسها، وتأتي الخصخصة لتكون إحدى آليات الانتقال لنظام السوق.
كما يرى خبراء “عولمة السوق”، وعلى رأسهم خبراء صندوق النقد الدولي والبنك الدولي للإنشاء والتعمير أن المدخل الضروري لدعم وتعزيز الاقتصاديات الوطنية، وبشكل خاص تلك التي تعاني من اختلالات هيكلية كبيرة، هو تقليص الأهمية النسبية للقطاع العام، وتعزيز دور القطاع الخاص، إيماناً منهم بأن القطاع العام يمثل مصدراً متزايداً لهذر الموارد الاقتصادية النادرة بسبب تدني الكفاءة الإنتاجية التي انعكست على شكل خسائر كبيرة في مؤسسات القطاع العام. إضافة لما سبق – يضيف خبراء العولمة – فإن الدعوة للخصخصة يؤيدها ضرورة سيادة روح المنافسة التي تؤدي لتحسين الكفاءة الإنتاجية، من حيث الكم والنوع، باعتبار أن جهاز السوق هو الذي يحدد من يبقى في السوق، ومن عليه أن يغادر. ففي القطاع العام تنعدم روح المنافسة بين المؤسسات العامة بضمان الدعم الحكومي، مما يؤدي للتخصيص السيئ وسوء استعمال الموارد.
من هنا فقد حظيت توجهات وسياسات الخصخصة خلال السنوات السابقة ستناداً لمفاهيم عولمة السوق باهتمام كبير في الغالبية العظمى من الدوائر الاقتصادية العالمية والإقليمية والمحلية. ولم يقتصر الأمر على الدول النامية فقط بل انطلق أساساً في الدول الصناعية المتقدمة، وانضمت أخيراً إلى “مسيرة العولمة” مجموعة دول ما كان يسمى بالكتلة الشرقية بعد أن اهتز فيها نظام رأسمالية الدولة في إطار النظام الاقتصادي العالمي الجديد، الذي تسيره الدول الرأسمالية المتقدمة (أو الدول الرأسمالية المتقدمة)، وتسانده المنظمات والمؤسسات العالمية.
وجاءت الدول النامية لتدرس التجربة وظروف نجاحها، وإمكانية تطبيق بعض طرقها الناجحة التي تلائم أوضاعها الاقتصادية، بحيث تخفف الحكومات عن كاهلها أعباء المشاريع العامة، وبخاصة تلك التي تتصف بمعدلات إنتاجية متدنية (حتى ولو كانت رابحة) والمشاريع الإنتاجية السلعية والخدمية الأخرى الخاسرة، وصولاً لكفاءة توزيعية وفنية مثلى في استخدام مواردها الاقتصادية النادرة.
فمنذ أواسط الثمانينات كانت هناك محاولات جادة لإعادة تعريف دور الدولة في النشاط الاقتصادي، وضرورة تخليها عن بعض النشاطات لصالح القطاع الخاص، فجاءت الخصخصة لتضع آلية للتحول من القطاع العام إلى القطاع الخاص والابقاء على الدور التنظيمي للدولة فقط.