مجلة مال واعمال

دور الدولة في إنجاز «السعودة»

-

أظن أن ما كتبته حتى الآن عن مفهوم السعودة كان له أثر طيب لدى القراء. وما يشجعني على الاستمرار في الكتابة عن هذا الموضوع الحيوي؛ ليس ما أملكه من خبرة وعلم في هذا المجال، فأنا مجرد باحث أكاديمي وخبرتي قد لا تتجاوز حيطان الحرم الجامعي الذي أقبع فيه.

شيئان يحثانني على الاستمرار في الحديث عن هذا الموضوع حتى أفرّغ ما في جعبتي من آراء، وآمل ألا يمل قرائي الكرام، لأن الحديث ذو شجون. الأول ينطلق من محبتي الصادقة للحضارة العربية والإسلامية، حيث إنني أقول دائما لكل من يمتدح نتاجاتي الفكرية إنني مدين لهذه الحضارة، لا بل متشبع بها ويهمني شأن أصحابها كثيرا.

الأمر الثاني هو الانفتاح الذي ألاحظه في إعلام بلد الحرمين وهامش الحرية التي أتمتع بها كصاحب عمود أسبوعي في هذه الجريدة التي أغلبية قرائها من أبناء وبنات هذا البلد. هذه بداية طيبة تؤسس لمستقبل زاهر إن قمنا كلنا معا برعايته كي يصل يوما ما إلى ما نتمناه ونصبو إليه من سؤدد ودولة مؤسسات تنعم بالأمن والاستقرار مهما اهتز ما حولها.

العمالة الأجنبية بشكلها الحالي خطر على الكل في المملكة، وفي رأيي أن الواجب الأول لتلافي هذا الخطر يقع على الدولة. والدولة – ولله الحمد – قوية ذات مناعة مالية ومادية، حيث حباها الله بخزائن هائلة متمثلة في واحد من أهم الموارد في عصرنا اليوم ألا وهو النفط والغاز.

ولهذا أتألم عندما أشاهد في صحافة وإعلام بلد الحرمين طوابير من السعوديين العاطلين عن العمل وهم يصطفون لتسلم المنح المالية المخصصة لهم من الدولة. القرار بشمول العاطلين عن العمل بمنح مالية قرار حضاري وحكيم، ولكن أن يحدث هذا في بلد يجند الملايين من الأجانب لإدارة عجلة الاقتصاد والحياة أمر لا أفهمه.

الدولة عليها أن تضع نظريات محددة “لسعودة” الاقتصاد والعمالة والتوظيف. وهذه النظريات يجب ألا تكون من بنات أفكار شخص أو شخصين، بل تشترك المؤسسات – ولا سيما العلمية والأكاديمية في صياغتها. وما إن توضع هذه النظريات حتى يبدأ الجهاز التنفيذي بتطبيقها. والنظريات يجب ألا تكون جامدة، بل تستمد قوتها من التطبيق الفعلي وتجري مراجعتها في ضوء التطبيق. وقبل هذا وذاك أقترح تأسيس صندوق مالي بمليارات الدولارات – يمكن دعمه بسحب الاستثمارات في الخارج – لتقليل الألم الذي قد يقع أثناء تطبيق النظريات. قلت وأؤكد أن “السعودة” لن تكون عملية سلسة وسهلة. سترافقها تفاعلات أو عوارض جانبية قد تحبط طموح أكثر المتحمسين لها. هنا يأتي دور الدولة وصندوقها. على الدولة التدخل بفعالية وبقوة لإزالة أو تخفيف هذه العوامل. وأذكر لكم مثالين:

الأول يخص ما يسمى “تأنيث” بعض المهن – شخصيا أنا لا أستسيغ هذا المصطلح وسأوضح السبب في مقال خاص عن لغة “السعودة”. دور الدولة ليس فقط في تطبيق قرار حكيم يدعو إلى تشغيل المرأة السعودية. دور الدولة يكمن في التطبيق الإيجابي – أي تشغيل المرأة في مهن محددة دون إلحاق الأذى بأرباب الأعمال. إن أدى القرار إلى إغلاق محال أو فروع أو هروب أرباب العمل ورأس المال سيكون تطبيقنا للنظرية سلبيا وسترتد “السعودة” علينا بشكل آخر.

المثال الثاني يخص الهبات التي تمنح للعاطلين عن العمل. هذه يجب ألا تكون دون مقابل وإلى إشعار آخر. يجب أن تكون هناك خطة محكمة لتشغيلهم فعلا.

هنا يأتي دور الصندوق. في الحالة الأولى يقدم الصندوق دعما ماديا محددا لأرباب العمل المتضررين من قرار تشغيل المرأة، وذلك بمنح رب العمل مثلا 50 أو حتى 70 في المائة من راتبها إن قرر تشغيلها ولفترة محددة أيضا. في الحالة الثانية يضيف الصندوق مبلغا ماليا إلى منحة العاطلين كي يجعل تشغيلهم ممكنا من قبل أرباب العمل المعتمدين على عمالة رخيصة. أي رب العمل يدفع في أقل تقدير جزءا موازيا لما يدفعه للعامل الأجنبي والباقي يدفعه الصندوق. والرواتب يجب أن تكون مجزية.