مع ظهور الأنفلونزا الإسبانية أواخر شتاء عام 1918، شهدت أغلب الدول تأخراً واضحاً في اتخاذ التدابير اللازمة لحماية شعوبها من انتقال العدوى. ففي الولايات المتحدة الأميركية، سجّلت إحدى أولى الإصابات بمركز التدريب بفورت رايلي (Fort Riley) بكنساس مطلع آذار/مارس 1918. وبعد نحو أسبوع واحد انتقلت العدوى بشكل سريع لتصيب 522 جنديا بنفس المكان.
وبسبب تأخر إجراءات العزل والحجر الصحي، سافر الفيروس الناقل للأنفلونزا الإسبانية برفقة حامليه عبر وسائل النقل لينتشر بأرجاء البلاد، كما انتشر على نطاق أوسع بالقارة الأوروبية بفضل حركة تنقل الجنود خلال الحرب العالمية الأولى.
ومع نهاية موجة الوباء الأولى التي وصفت بالخفيفة مقارنة بغيرها، عاش العالم بداية من خريف عام 1918 على وقع موجة الوباء الثانية التي جاءت لتعصف بالبشرية وتتسبب في إزهاق أعداد هائلة من الأرواح خلال فترة وجيزة. فبالولايات المتحدة الأميركية صنّف شهر تشرين الأول/أكتوبر 1918 كأسوأ شهر من حيث عدد الوفيات بتاريخ البلاد فقد أدت الأنفلونزا الإسبانية حينها لوفاة زهاء 200 ألف أميركي دفعة واحدة.
وتزامنا مع عجز الأطباء والمسؤولين عن احتواء المرض، شهد العالم انتشاراً كبيراً لدواء الأسبرين (aspirin) الذي فقدت مؤسسة باير (Bayer) لصناعة الأدوية براءة اختراعه بالسوق الأميركية خلال شهر شباط/فبراير 1917.
إلى ذلك، استغلت العديد من شركات صناعة الأدوية الأميركية الموقف لتباشر بصناعة وتسويق الأسبرين بكميات هائلة. وبحسب العديد من مصادر تلك الفترة، كانت علب الأسبرين خالية من التحذيرات حول خطر الاستخدام المفرط وحالات التسمم كما احتوت على جانب قليل من النصائح حول كيفية الاستخدام. من جهة ثانية، مثّل الأسبرين الدواء الأعجوبة بالنسبة لكثيرين حيث أقبل عليه الناس غالبا بتشجيع من أطبائهم للتخلص من أعراض التعب والإرهاق على الرغم من جهلهم لتأثيره على الجسم.
صورة لأحد اعلانات مؤسسة باير حول الاسبرين
صورة لأحد اعلانات مؤسسة باير حول الاسبرين
مع تزايد وتيرة الإصابة بالأنفلونزا الإسبانية خلال موجة الوباء الثانية، وصف العديد من الأطباء الأميركيين الأسبرين لمرضاهم فقدموا لهم جرعات كبيرة من الدواء. وقد اقترحت مجلة الجمعية الطبية الأميركية حينها على المرضى جرعات تراوحت بين 8 و32 غراما من الأسبرين، وهو الأمر الذي استحسنه عدد من جرّاحي الجيش الأميركي ومسؤولي البحرية لتتجه بذلك وزارة الحرب الأميركية لاقتناء كميات كبيرة من الأسبرين لعلاج الجنود.
في الأثناء، تقدر الجرعة العادية بقطعتين من الأسبرين بحوالي 650 ميليغراما. وبسبب تناولهم لجرعات كبيرة من الأسبرين سواء بطلب من الأطباء أو بشكل فردي عرف العديد من الأميركيين نهاية مأساوية.
خلال تلك الفترة، كان تأثير الأسبرين على الجسد غير واضح لكن بيومنا الحاضر أصبحت عواقب الاستخدام المفرط والجرعات الزائدة من الأسبرين معروفة لدى الأغلبية حيث يسبب ذلك فرط التنفس والغثيان واحتقان وتورم الرئتين ويقود للسكتة القلبية.
وقد تزامن ارتفاع أعداد الوفيات خلال شهر تشرين الأول/أكتوبر 1918 بالولايات المتحدة الأميركية مع تزايد وصف الأطباء للأسبرين كدواء للمرضى. وبسبب تشابه أعراض الوفاة تسمما بالأسبرين وأعراض الوفاة بالأنفلونزا الإسبانية لم يتمكن المؤرخون من تحديد عدد واضح لضحايا الأسبرين خلال تلك الفترة سوى أن بعض المصادر قدّرتهم بعشرات الآلاف.
المصدر : https://wp.me/p70vFa-Akn