مجلة مال واعمال

«دافوس».. بين غياب القيادة وفوضى الاقتصاد

-

7

تنعقد الدورة الحالية من أعمال المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس تحت شعار»نتفانى في تطوير الوضع العالمي»، وسط حالة من الاضطراب الأقرب إلى الفوضى بسبب غياب القيادة عن الاقتصاد العالمي بعد أن أدارت الولايات المتحدة الأمريكية ظهرها لهذه المهمة. ولعل هذا الشعور هو الذي يجعل حضور الرئيس الصيني شي جنغ بينغ الحدث الأبرز في هذه الدورة.
وإذا كان دعاة العولمة لا يزالون يراهنون على إمكانية ضخ دم جديد فيها وإحياء ما مات من العلاقات التجارية العالمية في ظل التطور الذي شهدته حركة التجارة بفضل تطور قوانين العولمة، إلا أن النهج الذي اعتمده الرئيس المنتخب للولايات المتحدة دوناد ترامب، يهدد بقتل ما بقي من معالمها الحية.

ابتدأ الرئيس الصيني شي جين بينغ اليوم الاول بخطاب حذر فيه دول العالم من العودة إلى سياسات الحماية التجارية قائلاً إنه لن يكون هناك أي فائز في حرب تجارية.
وقال شي أمام المنتدى الاقتصادي العالمي في منتجع دافوس بسويسرا «لن يخرج أحد فائزاً من حرب تجارية.»

وشبه الرئيس الصيني الحماية التجارية «بأن يحبس المرء نفسه في غرفة مظلمة» لكي يحمي نفسه من الخطر ولكن يحرم الغرفة في الوقت نفسه من «النور والهواء».
وحث دول العالم على ألا تحمي مصالحها الخاصة على حساب مصالح الآخرين.وعرض الرئيس الصيني رؤيته للعولمة على نخب اقتصادية تواجه ريبة متزايدة من الشعوب الغربية وعداء متصاعدا للانفتاح على التبادل الحر.

وهو أول رئيس صيني يعتلي منبر هذا الملتقى السنوي ليخاطب حوالى ثلاثة آلاف من قادة العالم الاقتصاديين والسياسيين المجتمعين منذ مساء الاثنين في منتجع التزلج الذي تحول إلى موقع محصن حتى انتهاء المنتدى الجمعة المقبل.
ومن أبرز التحديات الجديدة: فوز دونالد ترامب بالرئاسة الأمريكية وانتقاله الجمعة إلى البيت الأبيض، بعد حملة انتخابية ركزها على التنديد بالتبادل الحر الذي يعتبر المشاركون في منتدى دافوس من أشد مؤيديه.
ويجمع المنتدى الاقتصادي العالمي منذ نحو خمسين عاماً مسؤولي شركات ورؤساء حكومات وسياسيين وفنانين، أي باختصار نخبة مناصرة عموما للتبادل الحر بجميع أشكاله.
ويناقش المشاركون في دافوس توجهات العالم في قصر المؤتمرات الكبير، ويناقشون الأعمال في اجتماعات بعيدا عن الأضواء، سواء في قاعة اجتماع أو في أحد الفنادق الكبرى، أو إحدى الحفلات الساهرة التي تواكب المنتدى.

الاستماع إلى الناس

وينعقد المنتدى هذه السنة في ظل العداء المتزايد من جانب شريحة كبيرة من الشعوب الغربية حيال العولمة، ولا سيما بين طبقات وسطى تعاني من تراجع أوضاعها، وقد صوتت لصالح ترامب وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وتهدد ببلبلة اللعبة السياسية في فرنسا وألمانيا ودول أخرى.

ومؤسس المنتدى الاقتصادي العالمي كلاوس شفاب مدرك لهذه القطيعة بين النخب والطبقات الوسطى، وهو نظم اللقاء هذه السنة تحت شعار مسؤولية القادة، داعيا إلى البحث عن «الأسباب خلف غضب الناس وعدم ارتياحهم».

ونشر المنتدى الاقتصادي العالمي الذي يعتبر الإقصاء الاجتماعي والتفاوت الاقتصادي الخطرين الرئيسيين اللذين يواجههما العالم عام 2017، دراسة تكشف أن متوسط الدخل السنوي تراجع في الدول المتقدمة على مدى خمس سنوات.

وعلق مدير البنك السويسري العملاق «يو بي إس» سيرجيو إرموتي متحدثا لوكالة فرانس برس «علينا أن نستمع إلى ما يقوله الناس. فوائد العولمة تظهر بوضوح أكبر في الدول الناشئة منها في الدول المتطورة».

وقال رئيس قسم الاقتصاد في شركة «آي إتش إس ماركيت» ناريمان بهرافيش إن «المفارقة» تكمن في أن التوقعات على الصعيد الاقتصادي الكلي تبقى رغم ذلك إيجابية، غير أن «التكنولوجيا والعولمة تتركان عددا كبيرا من الناس على الهامش».

انهيار الثقة

ونددت منظمة «أوكسفام» غير الحكومية بهذه التوجهات، ونشرت دراستها السنوية عن الفوارق التي تصدرها مع انطلاق أعمال منتدى دافوس، لافتة فيها إلى أن أكبر ثمانية أثرياء في العالم يملكون معا ثروة توازي ما يملكه نصف سكان العالم الأكثر فقرا.

وأظهرت دراسة لمكتب «إيدلمان» للعلاقات العامة أن الثقة في الحكومات والشركات ووسائل الإعلام والمنظمات غير الحكومية تراجعت بشكل كبير في الدول ال28 المشمولة في الدراسة، وأوضح رئيس المكتب ريتشارد إيدلمان أنه «انهيار في الثقة».
وذكر الاتحاد النقابي الدولي «يوني غلوبال يونيون» الذي يشارك رئيسه فيليب جينينغز كل سنة في منتدى دافوس أنه «بعد ثلاثين عاما من الأرباح القياسية، كان أمام الأعمال فرصة لتوفير الازدهار للجميع، لكنها فشلت وهي الآن تدفع الثمن السياسي».

الشكوك في العولمة

وأجرت مؤسسة «برايس ووتر هاوس كوبرز» للاستشارات الإدارية والاقتصادية مسحاً شمل حوالي 1400 مسؤول تنفيذي في مختلف أنحاء العالم، حيث أبدى 44% منهم تشككاً في قدرة العولمة على سد الفجوة بين الفقراء والأغنياء.

وقد وضع منظمو المنتدى الاقتصادي العالمي تزايد السخط الشعبي وتصاعد النزعة الشعبوية على قمة جدول الأعمال.
وقال بوب موريتس رئيس مجلس إدارة «برايس ووتر هاوس كوبرز» إن الفشل في الوصول إلى نمو اقتصادي عالمي تستفيد منه كل قطاعات الشعوب، سيؤدي إلى مخاطر كبيرة.
وقال ريتشارد سامانس الخبير الاقتصادي في المنتدى الاقتصادي العالمي إن على الحكومة العمل على تحسين مستوى معيشة الغالبية من السكان «ليكون هذا الهدف هو الأولوية بالنسبة لكبار المستشارين الاقتصاديين ووزراء المالية (في الدول) وليس التركيز التقليدي على بيانات الاقتصاد الكلي والرقابة المالية والسياسة التجارية». وبحسب تقرير أوكسفام فإن دخل أفقر 10% من سكان العالم زاد بأقل من 3 دولارات سنويا خلال الفترة من 1988 إلى 2011، في حين زاد دخل أغنى 10% من السكان بمقدار 182 مثلاً خلال الفترة نفسها.

وإلى جانب ملف تفاوت الدخول وتزايد الفجوة بين الأغنياء والفقراء، يحتل ملف الغموض الذي يحيط بالسياسات التجارية والاقتصادية الأمريكية مع تولي الرئيس المنتخب دونالد ترامب رئاسة الولايات المتحدة يوم الجمعة المقبل. كذلك الخروج البريطاني من الاتحاد الأوروبي في الاستفتاء العام الذي أجري يوم 23 يونيو /حزيران الماضي. والصعود الواضح للحركات الشعبوية التي تشهدها الدول الأوروبية الأخرى.
فقد صوت نحو ثلث الناخبين النمساويين لصالح حزب الحرية اليميني المتطرف، كما أن حزب «البديل من أجل ألمانيا» المعادي للمهاجرين نجح في دخول برلمانات 10 ولايات من بين 13 ولاية ألمانية.
ويقول كلاوس شواب الخبير الاقتصادي الألماني ومؤسس المنتدى الاقتصادي العالمي«لا يمكننا إيجاد مجرد حلول شعبوية لمشكلات العالم».
نحن نعيش في عالم بالغ التعقيد، حيث تتداخل فيه كل القضايا. وأضاف شواب (78 عاماً) رئيس مجلس إدارة المنتدى في تصريحات للصحفيين في مدينة جنيف السويسرية «لا توجد إجابات بسيطة للتحديات التي نواجهها».

تفاؤل رغم «ترامب»

ورغم أن انتخاب دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة شكل تحولاً جذرياً في العالم فإن بعض الرؤساء التنفيذيين يتوقعون سياسات داعمة لأنشطة الشركات مثل خفض ضريبة الشركات وتخفيف القواعد التنظيمية وأبدوا مزيدا من التفاؤل.
ورفع صندوق النقد الدولي امس توقعاته للنمو الاقتصادي في الولايات المتحدة في 2017 و2018 بناء على خطط ترامب التي تتضمن خفض الضرائب وزيادة الإنفاق لكن الصندوق قال إن ذلك سيقابله ضعف في النمو بعدة أسواق ناشئة رئيسية.
وفي تحديث لتوقعاته عن الاقتصاد العالمي أبقى صندوق النقد على إجمالي توقعاته للنمو العالمي دون تغيير عن أكتوبر/ تشرين الأول عند 3.4 بالمئة لعام 2017 و3.6 بالمئة لعام 2018 ارتفاعا من 3.1 بالمئة 2016 وهو أضعف عام للنمو منذ الأزمة المالية في 2008 و2009.

الحفاظ على الثروة السمكية

ستتخطى كمية المواد البلاستيكية المنتشرة في المحيطات الشديدة التلوث أعداد الأسماك فيها، في حال لم تتخذ تدابير طارئة لمعالجة هذا الوضع، على ما حذرت 40 شركة صناعية هي من كبرى الشركات في العالم، في دافوس.
وبمبادرة من الملاحة البريطانية إيلين ماكآرثر، أطلقت هذه الشركات نداء بمناسبة افتتاح المنتدى الاقتصادي العالمي.
وجاء في بيان يستعرض نتائج التحقيق حول انتشار المواد البلاستيكية: «إذا استمرت الحال على هذا المنوال، ستتخطى المواد البلاستيكية المنتشرة في المحيطات الأسماك (من حيث الوزن)».
وقد أظهرت دراسة أن 20 % من الإنتاج العالمي للبلاستيك قابل لإعادة الاستخدام، في حين أنه من الممكن إعادة تدوير 50% منه.
لكن «من دون رؤية جديدة شاملة، لن يعاد قط تدوير النسبة المتبقية من الغلافات البلاستيكية (30 %)».

وقالت ماكآرثر : إن «المبادرة الجديدة بشأن البلاستيك لقيت دعما كبيرا. ونحن نلحظ وعياً شديداً إزاء هذه المسألة في أوساط الصناعة».

شاكيرا تدعو إلى إعداد قيادات للمستقبل

دعت نجمة الغناء شاكيرا، زعماء العالم وقيادات الأعمال في مراسم افتتاح المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس أمس إلى دعم جهود إطعام وتعليم ورعاية الأطفال المعدمين.
وقالت المغنية الكولومبية اللبنانية الأصل «أطفال اليوم سيحركون أعمال الغد. قدرتهم على الإسهام في تشكيل مجتمعات الغد ستحل مشاكل الغد».
ومنحت شاكيرا جائزة في دافوس عن أنشطتها الإنسانية، فقد أنشأت مؤسسة بيز ديسكالزوس التي تعمل من أجل توفير تعليم جيد للأطفال المعدمين في كولومبيا.
وقالت المغنية: «في هذه القاعة هناك بعض من أقوى الشخصيات في العالم، وأنا مقتنعة تماماً أنكم تعلمون ما يعنيه تحقيق تقدم».
وأضافت «نحتاج إلى الاستعانة بالعقليات واستراتيجيات التجارة والإمكانات والموارد البشرية والمواهب المتوافرة في شركاتكم من أجل القيام بأعمال خير للمجتمع وحل المشاكل الاجتماعية». (رويترز)

أجندة المنتدى الاقتصادية

تحت عنوان «القيادة المسؤولة والمستجيبة» يطرح الموضوع الرئيسي للمناقشة في الاجتماع السنوي للمنتدى هذا العام، كما أن الرئيس الأمريكي الجديد سيؤدي اليمين الدستورية خلال اليوم الذي ينتهي فيه هذا الحدث.
وفي الوقت الذي يُتوقّع فيه أن تكون سياسات الإدارة الأمريكية الجديدة للرئيس المنتخب دونالد ترمب موضوعاً رئيسياً بين القادة، إلا أن موضوعات لا تقل أهمية تتعلق بإنتاج النفط وأسعاره، والطاقة، والتطورات السريعة المتلاحقة في تقنية الاتصالات والمعلومات، وحالة الاقتصاد العالمي، والسياسات النقدية، ونزول العملة الصينية، اليوان، كعملة رئيسية جديدة في التبادل المالي الدولي، والتجارة الإلكترونية، والعشرات من الموضوعات المالية والاقتصادية والتجارية المتشابكة ستطرح على وُرش النقاش.
ومن جهتها ستقدم كريستين لاجارد، المديرة العامة لصندوق النقد الدولي، وأحد المشاركين المنتظمين في دافوس، تقييماً حول حالة الاقتصاد العالمي في اجتماع هذا العام، وستشارك وزيرة المالية الفرنسية السابقة في ثلاث ورش للنقاش على الأقل، تشمل التوقعات الاقتصادية في العالم، وأزمة الطبقة الوسطى، والحديث عن «بريكسيت»، والعولمة، والاقتصاد في أوروبا.
وسيتحدث بنوا كوريه، عن سياسة المصرف المركزي الأوروبي، التي ستأخذ أيضاً مركز الصدارة في عام 2017، عن مراقبة الأسواق، فيما ستتحدث تيريزا ماي، رئيسة الوزراء البريطانية، عن كيفية تنظيم خروج سلس لبريطانيا من الاتحاد الأوروبي، كما سيتحدث إلى جانبها سياسيون بريطانيون آخرون عن «بريكسيت» من بينهم فيليب هاموند، وزير المالية، وصادق خان، عمدة لندن، وقبل عام واحد، رسمت دافوس بريطانيا في ضوء مختلف جداً، بعد سنة واحدة، حدث «بريكسيت».
وليست بريطانيا وحدها لها رأي حول «بريكسيت» في هذا الحدث السنوي، حيث إن جيروين دييسيلبلوم رئيس المجموعة الأوروبية، -مثله مثل عديد من القادة الأوروبيين الآخرين- سيتحدث عن الموضوع، لكن أهمية حديث، دييسيلبلوم، تكمن في كونه من أكثر المتشددين مع بريطانيا في مفاوضات الخروج، لاسيما وقد سبق أن أعلن أنه ليس بمقدور بريطانيا أن تقوم بدور «قاطف الكرز الذي ينتقي ما يريد من الجيد» في مفاوضاتها للخروج من الاتحاد الأوروبي لتحقق منافع لها عند رحيلها من التكتل الأوروبي السياسي والاقتصادي.
ومرة أخرى سيكون جاك ما، خبير التجارة الإلكترونية، في دافوس هذا العام، وقد تحدث في الدورات السابقة كيف أن البيع بالتجزئة على الإنترنت قد غيَّر وجه الاقتصاد الصيني، وسيتحدث مؤسس شركة علي بابا، هذا العام عن المستقبل الاقتصادي للصين، والبيع بواسطة الإلكترون، ومستقبل التجارة عبر الإنترنت، والعولمة ككل، من خلال ورشة عمل بعنوان «نظرة، وفكرة مع جاك ما».
وسيكون بيل جيتس مؤسس «مايكروسوفت»، أحد الأسماء الكبيرة في عالم تقنية المعلومات والاتصالات الذين سينزلون في دافوس هذا الشهر، وسيتكلم الرئيس المشارك لمؤسسة «بيل وميليندا جيتس»، عن «التحالف من أجل التأهب للأوبئة»، ومناقشة كيف تقوم هذه المبادرة بمحاربة الأمراض والأوبئة، وستكون، ساتيا ناديلا، الرئيسة التنفيذية الحالية لمايكروسوفت أيضا ضمن الحضور مع جيتس، للحديث عما يُسمى ب«الذكاء الاصطناعي».
وسينعم جوزيف ستيجليتز الخبير الاقتصادي الحائز جائزة نوبل على دافوس مرة أخرى، ليقدم أحدث أفكاره الاقتصادية عن العالم الراهن، وكيفية التعامل مع مجموعة كبيرة من أوجه عدم اليقين الاقتصادي عام 2017، ومن خلال الاجتماع، سيشارك ستيجليتز في أربع ورش للنقاش تُغطي الفساد، والاقتصاد، و«الانقسام الأوروبي» والحالة الراهنة للعالم.
وسيكون للاري سامرز وزير الخزانة الأمريكي السابق، أيضاً حظ بين الحضور في دافوس، حيث سيتحدث خلال مشاركته في ورشة عمل باسم «استراتيجية التحديث» عن «مستقبل الهياكل الأساسية للتنمية».