مجلة مال واعمال

حياة وسيرة رجل الاعمال صالح الراجحي , رحمه الله

-

502513781230

من هو رجل الأعمال صالح الراجحي ؟
الشيخ صالح بن عبد العزيز الراجحي ، رجل أعمال سعودي ، ومن أثرى وأشهر أثرياء السعودية على الإطلاق ومؤسس عدد كبير من الشركات الكبيرة في المملكة العربية السعودية ومالك ومؤسس مصرف الراجحي مع أخيه الأصغر سليمان بن عبد العزيز الراجحي .

ولد عام 1341هـ -1921م وتوفى ظهيرة يوم السبت 1432/03/09 هـ – 2011/02/12 م في مستشفى الحبيب بالرياض أثر أزمة قلبية بعد معاناة طويلة مع المرض .

ولد في محافظة البكيرية في القصيم ، وقد انتقل مع والده إلى الرياض لطلب العلم والرزق حيث درس على يد الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ مفتي المملكة آنذاك ، والشيخ عبد اللطيف بن إبراهيم آل الشيخ ، حيث كان يقرأ عليهم في منزلهم ، وكان محبوباً بين مشايخه وأقرانه. وممن زاملهم الشيخ عبدالله السديس ، والشيخ عبدالله الوابل.

وأتم حفظ كتاب الله في الثالثة عشرة من عمره ولزم مجالس العلماء منهم سماحة العلامة الشيخ محمد بن ابراهيم رحمه الله، و تزوج وعمره 16 سنة .

وبدأ صالح الراجحي بأعمال بسيطة فعمل في الصرافة في الرياض , وقد كافح كما كان يكافح أبناء جيله طلباً للرزق الحلال حتى وفقه الله عام 1366هـ ، بافتتاح أول محل تجاري له في الديرة للصرافة التي نمت وتطورت, وكان من ذلك استمراره في عالم التجارة المصرفية وبنى بنفسه الاسم التجاري لإسم « الراجحي » التي أصبحت صرحاً عظيماً من صروح الاقتصاد في الوطن العربي والعالم ، واستطاع معها أن يؤسس أول مصرفية إسلامية استمرت حتى تحولت إلى « مصرف الراجحي » أول مصرف إسلامي وتوسعت أعمال الشيخ صالح بن عبدالعزيز الراجحي حتى لم يترك مجالاً من المجالات التجارية والعقارية والزراعية إلا وضرب فيها بسهم وكان التوفيق والنجاح حليفه أينما توجه وكانت الأيادي البيضاء التي يضعها في كل مكان سبباً للبركة والسعة في الرزق .

ومن اعمالة الخيرية زكاة التمور في كل سنة من شهر رمضان .

ومن شيوخه الذين تتلمذ عليهم في طلب العلم , هم كالتالي :
1. سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم بن عبد اللطيف آل الشيخ مفتي عام المملكة العربية السعودية ورئيس القضاة – رحمه الله .
2. سماحة الشيخ عبد اللطيف بن إبراهيم بن عبد اللطيف آل الشيخ – رحمه الله .

وللرجل العديد من الأبناء والبنات وفي آخر سنين عمره عانى من الهرم ورقد في مشفى صغير في قصره في الرياض ويدير أمواله مجلس وصاية عينته المحكمة , ويُعرف الرجل في المملكة العربية السعودية بكثرة أعمال الخير وكثرة عمارته للمساجد وحلق القرآن والوقف الخيري الكبير الذي رصده لأعمال البر.

ومن شركاته التجارية التي أسسها هو وأخوانه في المملكة العربية السعودية :

– شركة الأسمنت السعودية – شركة مساهمة تأسست سنة 1955م / مؤسس الشركة ورئيس مجلس إدارتها .
– شركة الجبس الأهلية – شركة مساهمة تأسست سنة 1959م / مؤسس الشركة ورئيس مجلس إدارتها .
– شركة أسمنت اليمامة – شركة مساهمة تأسست سنة 1961م / مؤسس الشركة ورئيس مجلس إدارتها .
– شركة الخزف السعودي – شركة مساهمة تأسست سنة 1977م / مؤسس الشركة ورئيس مجلس إدارتها .
– شركة أسمنت الجنوبية- شركة مساهمة تأسست سنة 1978م / مؤسس الشركة ورئيس مجلس إدارتها .
– شركة نادك للتنمية الزراعية – شركة مساهمة تأسست سنة 1981م / مؤسس الشركة ورئيس مجلس إدارتها .
– شركة حائل للتنمية الزراعية- شركة مساهمة تأسست سنة 1982م / مؤسس الشركة ورئيس مجلس إدارتها .
– شركة الراجحي المصرفية للاستثمار تأسست سنة 1987م / مؤسس الشركة ورئيس مجلس إدارتها .
– مؤسس مؤسسة صالح عبد العزيز الراجحي للصرافة.
– مؤسس شركة صالح عبد العزيز الراجحي وشركاه المحدودة.
– مؤسس شركة الراجحي للصرافة والتجارة.
– مؤسس شركة تبوك للتنمية الزراعية.
– عضو ومؤسس للغرفة التجارية الصناعية بالرياض .
– عضو ومؤسس شركة المباني الخفيفة (سيبوريكس) .
– عضو مجلس إدارة الشركة الوطنية للتشغيل والخدمات الصناعية المحدودة (خدمات) .
– عضو ومؤسس الشركة السعودية للطوب الرملي الجيري.
– عضو شرف الجمعية الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم بمنطقة الرياض .
– عضو ومؤسس في مؤسسة الدعوة الصحفية ، مجلة الدعوة .

بعض القصص عن نجاح عائلة الراجحي في ريادة الأعمال والتجارة

الشيخ صالح الراجحي , بدايـتــة وحـياتـــه :
كان يبيع الأقفال والمفاتيح -الخردة- ليعيل أسرأته ويسدد إيجار بيتهم، فقد كان يتغيب والده عن البيت شهور للعمل أو الحج ولا يجدون مايكفي لمعيشتهم، ذات يوم دخل على امه فوجدها تبكي لأنهم سيطردون من البيت أن لم يدفع الايجار فخرج في اليوم التالي الى السوق فوجد امرأة تبيع الزنابيل -وهو وعاء يحمل فيه الإشياء- ولم يكن يملك نقود فرهن لعبته المفضلة الكعابة مقابل الزنابيل وذهب ليحمل في السوق مقابل ريال وهو في الثالث عشر من عمرة الى أن جمع قيمة الإيجار، ولم يكتفي بهذا العمل فقد كانت الجمال المحملة بالحطب إذا دخلت الديرة يتساقط منها بعض الحطب فيترك لعدم قيمته، فيقوم هو وإخوانه بجمعه في بيت يستأجرونه بربع ريال أو نصف ريال الى أن تجمع لديهم كمية مناسبة فيبعونه .

بـدايـة دخـوله عالـم الأمـوال و الصـرافـــة :
في عامه السادس عشر، كان له اقرباء يشتغلون في الصرافة هما عبدالله بن ناصر الراجحي و سليمان بن عبدالله الراجحي فذهب ليتدرب عندهما، ثم بسط بسطته في الصفاة أمام الجامع الكبير في الرياض وبداء بالعمل في الصرافه (تغيير العملة) فرزقه الله واشرك إخوانه في العمل فاشترى لأخيه عبدالله حماراً يحمل عليه، واشترى لأخية سليمان البسكويت ليبيعه في السوق، فكبرت تجارته فاشترى صندوق يضع فيه العملات بدل البسطه ثم تحول الصندوق الى دكان عام 1366هـ وشاركه أخوه سليمان و محمد أما عبدالله فاشتغل في مواد البناء .

و الآن بفضل الله بعد أن كان يبحث عن إيجار بيت أهله – تزوج من أربع نساء لكل واحده منهن بيت ملك بجوار بعض محاطة بسور خارجي، وفي عام 1417هـ أوقف الشيخ أوقاف قيمتها في ذلك الوقت ملياري ريال .
طوال فترة تجارة الشيخ لم يستعين بمكاتب استشاريه الا بعد حادث السيارة الأليم، فادخل العناية المركز بالمستشفى العسكري فقد كسر فكة وفخذه وجرح رأسة و أصيب ضلعة، وأجريت له جراحة استبدلوا فيها شرايين فخذه.
وبعدها حدثة له اضطربات جسدية وتوقفت شرايينه عن العمل فأرسل الى أمريكا للعلاج ولم يحدث تقدم فرجع الشيخ الى الرياض ولم يستطع مباشرة أعمال، فتشكل “مجلس إدارة أعمال الشيخ صالح بن عبدالعزيز الراجحي” لتولي شؤون و أعمال الشيخ وتسييرها وإدارة اعماله و املاكه، مستعيناً بالمكاتب الاستشارية و الهندسية العالمية و المحلية وكان من ثمرات مشاريع المجلس برج الراجحي و الرياض جاليري.

وقد وافته المنية وتوفى إلى رحمه الله تعالى في : يوم السبت 9 ربيع الأول 1432 هـ الموافق 12 فبراير 2011 م / في مستشفى الحبيب بمدينة الرياض إثر سكتة قلبية عن عمر يناهز 95 عامًا , وتمت الصلاة عليه يوم الأحد في جامع الراجحي في الرياض .

ومن أقـوال الشيخ صالح بن عبدالعزيز الراجحي :
– مال ليس في بلدك ، ليس لك ولا لولدك
– التعليم هو الطريق الصحيح للمرأة، وأبارك انخراطها في العمل، شريطةً الا يكون هناك اختلاط
– والله إني ما أنفقت يوما للزكاة مليونا إلا وعوضني الله سبحانه مليونين
– إن الإسلام هو الطريق الصحيح إلى النجاح في كل أعمالنا، وما يصيب العالم من مشاكل الآن إنما هو لعدم الأخذ بالإسلام كمنهج.

مجموعة الراجحي

لمن لا يعرف عن مجموعة الراجحي فهي لعائلة سعودية أسمها (الراجحي) لمجموعة من الأخوة تعددت مشاريعها في المجالات الصناعية و الزراعية و تربية المواشي و العقارية و لعل أشهرها هو مجموعة بنك الراجحي الإسلامية و التي تسمى بشركة الراجحي المصرفية للاستثمار والذي تتعدى فروعه (500) فرع برأس مال يتعدى (15) مليار ريال سعودي , و يقيم على هذه المجموعة الأخوة (من الصغير إلى الكبير) (محمد – سليمان – عبد الله –صالح) و يملك (سليمان الراجحي) ما نسبته (50%) من هذه المجموعة و هو المدير العام للمجموعة و يليه أخوه الأكبر (صالح الراجحي) بحصة تبلغ (25%) و باقي الأخوة (محمد و عبد الله) ما مجموعه (25%) .

و لذا فأن قصتنا سوف تتحدث في البداية عن نشأة هذه الأسرة و من ثم سوف نخصص الحديث عن كل من (سليمان و صالح) و بعدها نفرد باقي المقال عن الشيخ (سليمان الراجحي) بما أنه الرئيس التنفيذي و مالك أكبر حصة من هذه المجموعة
أحب أن أنوه في البداية بأني بذلت قصارى جهدي لكي تكون المعلومات صحيحة و مرتبة بتسلسل زمني صحيح و الخطاء وارد و في حال كان هناك أي تصحيح فيرجى مراسلتي لتصحيحه حيث أنه و من الصعب الحصول على معلومات عن الناجحين العرب على كثرتهم و لعل هذه المقالة تكون بذرة لمزيد من السير الناجحة و هي كثيرة ولكن يصعب الحصول على معلومات عنها .

تبداء القصة من مدينة البكيريه قرابة العام (1350 هـ – 1930م ) في أحد مناطق القصيم والتي تقع شمال مدينة الرياض بحوالي (350 كيلو) حيث ترك والدهم (عبد العزيز الراجحي) مدينة البكيريه والذي كان يعمل بها مزارعا متوجها إلى مدينة الرياض مع الأخوة الكبار (صالح و عبد الله) و ذلك من أجل طلب العيش و لالتحاقهم في سلك التعليم حيث كان التعليم مجاني وكان يقيم الطلاب في منزل يسمى ببيت الغرباء و يتم إطعامهم عن طريق قصور الأسرة الحاكمة في ذلك الوقت , و بعد أن أسس (والدهم) أساسيات الحياة عبر استئجار منزل للعائلة يبلغ إيجاره (1 ريال سنويا) و بدء في التجارة عبر بيع الملابس المستعملة ,ثم عاد مرة أخرى إلى مدينة البكيريه لإحضار باقي العائلة و التي كان من ضمنها الشيخ (سليمان الراجحي)
انتقلت الأسرة من مدينة البكيريه إلى مدينة بريده عبر الجمال و قاموا بالمبيت لمدة ليلتين تحت ظل الأشجار و ذلك في انتظار (الركوبة) أي وسيلة مواصلات و بينما كان الأخوة الكبار في مدينة الرياض و والدهم بعيدا عنهم إذ بحلول إيجار المنزل مما جعل الأخوين يعملون في الاحتطاب بعد وقت المدرسة و ذلك لتوفير إيجار المنزل حتى يعود والدهما من رحلته و بهذا بدئت هذه الأسرة بالعمل الجاد لسداد مستحقات المعيشة و إيجاد لقمة العيش .

فور ما أن عاد الأب قام بإلحاق باقي أبنائه في صفوف الدراسة و عاد لمزاولة عمله الذي لم يكن يكفي لسد الاحتياجات اليومية لهذه العائلة مما أدى بالأبناء للعمل بعد وقت الدراسة في الاحتطاب و جمع الجلة (روث الجمال و كان يستخدم للتدفئة) أما في أيام عطل الأسبوع فقد كانوا يعملوا حمالين و بائعين متجولين و أي عمل يوفر لهم بضع قروش لتساعدهم على إتمام الأسبوع .

منذ نعومة أظفاره كان الشيخ سليمان الراجحي الأخ الاصغر للشيخ صالح الراجحي , كان يزاول الأعمال و ينتقل من عمل لأخر و بالتالي لم يكن يحب الدراسة حتى أنه ترك مقاعد الدراسة وهو لم يكمل بعد سنته الدراسية الثانية (ثاني ابتدائي) مما جعل المعلم إلى جعله يعمل لديه كمساعد و ذلك لكي يبقى و يتعلم فكان يجعله يقوم بإعداد القهوة و الطبخ لمعلمه و يكون الرقيب على الصف في غياب معلمه و بعد فترة من مزاولة هذا العمل قام المعلم بإهدائه مبلغ و قدره (ريال) و طلب منه أن يقوم بشراء ملابس جديدة له و ذلك رأفة بحاله و عندها قام الشيخ سليمان بشراء ثوب جديد بمبلغ (14) قرش و غترة (غطاء للرأس) بمبلغ (7) قروش و بقي معه قرش (الريال في ذلك الوقت عبارة عن 22 قرش) و كان هذا القرش هو أولى ثرواته التي حصل عليها و قام بتجميعه مع ما يأتيه من قروش أخرى حتى قام بتوفير مبلغ من المال استطاع أن يشتري به أول تنكه كاز (وقود احتراق) و قام ببيع هذه التنكة بالمفرق على الناس مما يؤدي به إلى كسب (قرشين) في كل تنكة يبيعها و هكذا حتى مل من هذا العمل ففكر في الانتقال لعمل أخر كبائع على بسطة يقوم ببيع الحلويات للأطفال و البالونات و تطور المكسب ليصل إلى (3) قروش في اليوم و بعدها عاد للعمل حمال حيث كانت أجرة الحمال (نصف قرش) و ذلك في داخل حرم سور منطقة الرياض و التي كانت لا تتعدى تقريبا (4 كلم2) .

كل هذه النقود كان يوفرها ليعطيها لوالديه ليساعد في معاش البيت و لم يكن يقوم بشراء أي شيء لنفسه حتى أنه لم يكن يتغذى أو يأكل أي شيء خارج المنزل كما الحال مع أقرانه الذين كانوا يقوموا بشراء الوجبة الشعبية و التي كانت عبارة عن خبز مع مرق (شوربة) و الذي كان سعرها (1.5 قرش) و لكنه كان يفضل أن يشتري لأهله صاع طحين أو بقايا الخروف (رأس و كرشة و كراعين) والتي كانت بنفس سعر الخبز و المرق ويحضر ما يشتريه للمنزل لتطبخها والدته و تتشارك به العائلة .

في العام (1460هـ) قام الأخ الأكبر (صالح) بالزواج مما اضطر العائلة إلى شراء أرض مساحتها تقريبا (8 * 6 م) وبنائها بأيديهم و في نفس العام أو قبله بقليل كان يمارس (صالح) أعمال الصرافة و تغيير العملات و في ذلك العام اشتد المرض على عمهم المتواجد في منطقة حائل شمال المملكة مما جعل والدهم يسافر لمساعدة أخيه و نقله إلى المدينة المنورة من أجل العلاج و لكن وافته المنية في الطريق و عندها عاد الوالد إلى الرياض و صحب ابنه سليمان ليساعده في سفرته الثانية إلى حائل من أجل تصفية تركة أولاد أخيه و نقلهم تحت وصايته في مدينة الرياض و في ذلك الوقت كان (سليمان) يقوم بالطبخ لأبيه و إعداد القهوة و يعمل في السوق ببيع ثمرة الصيف (البطيخ) ليؤمن معاش يومه له و لوالده و كان يقوم بتوفير ما يكفي من طعام لليوم بالإضافة إلى ربح إضافي مقداره (1 قرش)

و من قصصه الجميلة في مدينة حائل بأنه رأى و لأول مرة الطائرة الورقية و كانت تباع بقرش واحد فقام بشراء واحدة لنفسه ليس ليلعب بها بل لإعادة هندستها و يقوم بتقليدها و من ثم قام بتصنيع طائرات مشابهة و كان يبيعها بنصف السعر (نصف قرش) و الطريف أنه ذهب لبيع هذه الطائرات في نفس المكان الذي كان يقف فيه الشخص الذي اشترى منه الطائرة .

بعد عودة سليمان و والده من مدينة حائل توسط أحد أبناء عمومته له لكي يعمل كطباخ للعاملين في بناء قصور الفوطة (قصور الأسرة الحاكمة) و كان يحصل على مبلغ شهري تقريبا (30) ريال بالإضافة إلى (15) قرش يوميا بدل طعام ولكنه كان يقوم بتوفير هذا المبلغ و يذهب إلى السوق في أخر النهار و ينتظر بائعي الخبز في نهاية اليوم حتى يقوموا بتخفيض سعر الخبز الباقي (تصريف) بنصف السعر فيأخذ خبزتين بـ (1.5 قرش) و يقوم بأكلها و يبقى عليها حتى عشاء اليوم التالي و لم يمر وقت طويل عليه حتى طلب زيادة في الأجر ليتساوى مع زملائه الذين يعملون معه ولكنهم رفضوا زيادة أجره فكان هذا من حظه و ترك العمل كموظف ليعاود العمل لحسابه الخاص من جديد .

قام بعدها بافتتاح محله الخاص وبدء بالتجارة بالمواد الغذائية برأس مال كان قد جمعه و مقداره (400 ريال) وكان يبيع المواد الأساسية مثل السكر و الشاي و الرز و حلويات الأطفال بالإضافة إلى البالونات بسبب أن مكانه يعد مكانا استراتيجيا يقع في مسار حاشية و خدم قصور الأسرة الحاكمة و التي كانت تستهويهم المنتجات التي يبيعها .
هنا وقفة حيث أني و عندما بدئت بالبحث عن سيرة الراجحي و مما قرئت و سمعت و شاهدت بدئت أحس أن هناك أمور غير منطقية فكيف يكون أيجار المنزل بـ (1 ريال) و تصل أجرة العامل الشهرية إلى (30 ريال) , و عندما سئلت بعض الكبار بالسن أخبروني أنها فترة طفرة و كانت العملة متغيرة القيمة فما كان يسوى في البداية (1 ريال) أصبح يساوي (100) ريال و هكذا و هنا أحببت أن أوضح هذا الشيء في حال أحسستم معي ببعض الإحساس الذي اعتراني .

نعود لقصة الشيخ سليمان مع التجارة و بعد سنة من العمل في هذا الدكان و الذي لربما تعد أطول فترة حتى الآن يعمل بها في مهنة واحدة بعد فترة قامت والدته بالضغط عليه لكي يتزوج و لكنه رفض بالبداية و ذلك بسبب كونه خاطبا لابنة عمه في البكيريه و كان ينوي الزواج بها بعد سنتين (تقريبا في سن السابعة عشرة) و لكن مع إصرار والدته و التي لربما كانت تفكر بما أن ولدها أصبح يملك الكثير من المال فيمكنه إعالة أسرة كما لعلها خافت عليه من الافتتان بالدنيا فهو مازال صغير و أصبح يملك الكثير من الأموال , خلال فترة السنة في عمله تمكن من مضاعفة رأس المال و يزيد حتى أصبح يملك ما مقداره (900) ريال و ذهب بكل ما يملك إلى منطقة القصيم للزواج و بعد أن دفع المهر و تكاليف حفل الزفاف عاد إلى الرياض مع زوجته و لم يكن يملك إلا بضع ريالات من كل ثروته بل وأنه و هو في طريق العودة دخل عليهم عيد الأضحى مما جعل الركاب يقوموا بعمل واجب الأضحية قبل أن يصلوا إلى الرياض و تشاركوا فيها جميعا و كان نصيب سليمان كل ما يملك من مال و هنا عاد إلى نقطة الصفر من جديد .

في هذه الفترة مازال الأخ الأكبر (صالح) يعمل في الصرافة و انتقل من مزاولتها على بسطة إلى فتح دكان صغير له وعند عودة سليمان بعد الزواج قام بالعمل لدى أخيه بأجر شهري مقداره (30) ريال بالإضافة إلى مصاريف طعامه و ما أن انقضى الشهر الأول و استلم سليمان راتبه إلا و قام بإدخاله في تجارة جديدة عبر استيراد منتجات من مناطق و دول قريبة عبر التجار المسافرين وهكذا بدء باستثمار رواتبه الشهرية مع الأرباح و بدئت أرباحه تنموا شيئا فشيئا و بقي على هذا الحال تقريبا 7 سنوات يعمل لدى أخيه و يسافر في مواسم الحج ليقوم بمزاولة أعمال الصرافة للحجاج و يعود للعمل مع أخيه في دكانه في باقي الأيام .

بعد سبع سنوات من العمل الشاق قام بمحادثة أخيه برغبته بافتتاح دكانه الخاص للصرافة أو أن يدخل شريكا مع أخيه و بهذا قام الأخوين بافتتاح فرعهم الثاني بشراكة بالنصف برأس مال مقدره (200 ألف ريال) و بعد فترة بسيطة انتقل سليمان الراجحي للعمل في مدينة جدة ليكون قريبا أكثر من زبائنه (ميناء جدة) و (حجاج و معتمرين مكة) و بعد فترة قرابة العشرين عام عاد للعمل في مدينة الرياض .

بعد فترة من العمل اتفق الإخوان على العمل سوية و العمل كمجموعة بدلا من انفصال كل شخص بنوع معين من التجارة الخاصة به و بهذا تم تكوين المجموعة تحت إدارة سليمان الراجحي و الذي كان يملك حصة (50%) منها و بدئت الشركة في التركيز على نشاطات جديدة و لعل من أهمها الدواجن و التي كانت بسبب قصة حصلت مع الشيخ سليمان عندما زار أحد البلدان التي تقوم بذبح الدواجن على الطريقة الإسلامية و تصديرها إلى السعودية و خلال جولته و من معاينته و جد أن من بين كل (5) دجاجات تصل في طابور الذبح تكون منها (3) دجاجات قد ماتت و بهذا تكون محرمة و لم تذبح و مع ذلك فأنها كانت ترسل لنا على انها مذبوحة على الطريقة الاسلامية مما أغضب الشيخ سليمان و جعله يقرر افتتاح مشروعه الخاص للدواجن و الذي اسماه (دواجن الوطنية) و مع أنه خسر ما يقارب (مليار ريال) في بداية هذا المشروع و ذلك بسبب موت الدجاج بسبب ارتفاع درجة الحرارة و الأمراض إلى أنه حاول بشتى الطرق حتى جعل هذا المشروع من أكبر المشاريع الناجحة .

بعدها انتقل للعمل بالماشية (أغنام) و ذلك عبر توفير أعلاف عضوية غير ضارة و لتوفير لحوم مذبوحة على الطريقة الإسلامية و في نفس الوقت صحية و بعد أن عانى المشروع الفشل كسابقه في البداية إلا أن إصراره على توفير بديل إسلامي صحي كان له سببا من أسباب التوفيق , و بعد ذلك توجه للعمل في مجال الزراعة و كل هذا و هو يضع هدف توفير غذاء صحي و أمن لبلده و مناصرا لما يسمى الأمن الغذائي الوطني و كان يقوم بالزراعة بدون الأسمدة الكيماوية و يستفيد من الأسمدة الطبيعية التي يحصل عليها من المواشي و الدواجن و لا يرضى بأن ترش المزروعات بالمبيدات الحشرية ليكون من أوائل من وفر المنتجات العضوية و الطبيعية و الصحية تحت مسمى (الوطنية) , و يحكى أنه و في أحد المرات انتشرت إحدى الآفات (ديدان) و التي أفتكت بما يقارب نصف المحصول مما جعل كل هيئة العاملين على المشروع يتوسلونه ليقوم برشها بالمبيدات الحشرية و لكنه رفض بسبب أن لا يغش الناس فكيف يقول لهم أن منتجاته عضوية و هو يعلم بأن هذه المبيدات الحشرية حتى ولو رشت لمرة واحدة فأنها تتغلغل بالتربة لقرابة المتر , و بعد أن استسلم فريق العمل و تحميل الشيخ سليمان كامل المسؤولية و بعد فترة بسيطة من ذلك ظهرت حشرة جديدة قامت بالتغذي على هذه الديدان و الفتك بها مما جعل فريق العمل يقوم بتربية هذه الحشرة و الاستعانة بها لتكون مبيدا حشريا طبيعيا و كل هذا من توفيق الله
يصفه البعض بالبخل و الشح و الشديد و مما قرأته أيضا لربما فكرت في نفس الفكرة في البداية و لكن عند معرفتنا بأعماله الخيرية و بأنه قام بحجز 20% من أملاكه وقف لوجه الله تعالى و كذلك الحال قام ببناء وصيته بحيث أنه أوصى بالثلث و الذي يسمح له بأن يوصي به لأي شخص بالشريعة الإسلامية ليكون وقفا و بهذا يملك الوقف ما مقداره (50%) من أملاكه , هذا بالإضافة إلى أنه وصى بأن أي من ورثته أراد أن ينسحب من الشركة فعليه أولا تخيير باقي الورثة بشراء حصته و إلا فأن الحق الأخير يعود للوقف بشراء هذه الحصة و بهذا يبقى ريع هذه الثروة لأعمال الخير , ومن أعماله أيضا مسجد الراجحي و الذي يعد من المساجد الكبيرة في مدينة الرياض و الذي يقع على طريق الدائري الشرقي (طريق المطار) حيث أنه قام بتوفير مسجد كبير بكامل خدماته (حلقات ذكر + مغسلة أموات ) بالإضافة إلى التبرع بأرض كبيرة من أجل حلقات تحفيظ القرآن بجانب المسجد و الذي اشتراها منهم مرة أخرى بعد فترة و ذلك لتوفير مساحات وقوف إضافية لرواد المسجد , كذلك الحال بالنسبة لمجمعاته السكنية و التي تتميز بأسعار إيجار معقولة بالإضافة إلى أنه لم يصاب بحمى زيادة الإيجار و التي أصابت كل التجار في العاميين الماضيين مما جعل المستأجرين في حال تركهم لعقار لدى الراجحي يوصون به لحبيب أو صديق لأنه منزل لقطة .

ولعل من أبرز المشاريع الجديدة الواعدة هو مشروع (ناطحة سحاب الراجحي) و التي من المفترض أن تكون على طريق الملك فهد في مدينة الرياض – لا أعلم مكانها أو في حال بداء العمل عليها أم لا – و من مقولات الشيخ الجميلة (أنام كالدجاج و أصحي كالديك) كناية عن النوم باكرا و الصحو عند ساعات الفجر الأولى و بعد صلاة الفجر بيداء في مزاولة عمله حتى أنه يذهب للمواقع و يقف مع العمل و يتغذى و هو في موقع العمل لربما على ثمار أو بعض الخضار البسيطة و لا يترك موقع عمله أو مكتبه إلا أخر الناس و بهذا يكون قدوة لكل العاملين و جدير بالذكر بأن سليمان الراجحي يقع في المرتبة الثالثة بين أغنى أغنياء السعودية بثروة مقدارها (8.5) مليار ,
و يأتي أخيه صالح بالمرتبة السابعة بثروة مقدارها (4.7) مليار و من ثم أخيه عبد الله في المرتبة التاسعة بثروة مقدارها (3.2) مليار و أخيرا أخيه محمد بالمرتبة الثالثة عشرة بثروة مقدارها (1.6) مليار ريال .

الشيخ صالح الراجحي .. من القرش إلى المليار

لم يكن يستنكف من عمل ما لم يكن حراما، وكان يرى أن هذه الأعمال تكفيه عن الناس.
وما كانت هذه الأعمال الشاقة لتصرفه عن الصلاة على وقتها، وقراءة القرآن ، والصلاة بالناس في بعض الأحايين ، بل ما سمع النداء إلا انصرف عن عمله على بيت الله يؤمه خاضعا خاشعا محبا للعبادة. هذا مقطع من بداية كتاب أكثر من 300 صفحة تؤرخ سيرة حياة الشيخ صالح الراجحي يرويها ثلاثة مؤلفين، هم: الدكتور سليمان الميمان وأيمن الحنيحن والدكتورة سلوى بهكلي .

من هنا البداية..!

قام الصغير صالح بن عبد العزيز الراجحي يمسح التنوم عن عينيه، وقد اقترب موعد صلاة الفجر، فقام لوضوء، وتهيأ للقيام، فسجد على عتبة الافتقار لله رب العالمين في محراب الليل يناجي ربه، سائلا إياه التوفيق، ثم ما لبث أن تجهز لصلاة الصبح في المسجد، وبعد أن أتم الفريضة توجه إلى السوق. كانت سن الغلام الصغير 13 سنة أو 14 سنة في ذاك الوقت.

شاب صغير ينزل إلى ميدان العمل وحيدا إلا من ثقته بربه ، متوكلا عليه ، لائذا به ، وقد اعتذر عن الاستمرار في العمل في البناء مع والده، ولم يكن له شيء من أسباب الدنيا إلا قليلا من قليل! فطرقت الحيرة قلبه وعقله وحانت من عينيه التفاتة إلى ما حوله – وقد أقامت المجاعة في تلك الأيام خيمة صفراء حول القرية – فلم يجد إلا بعض الأشياء الصغيرة في منزل الأسرة، فتردد في أخذها، لكن الحاجة ألجأته إلى أخذها والذهاب بها إلى السوق، فلم يكن يضيره أن يبدأ صغيرا، أو أن ينطلق ضعيفا، فليست العبرة بنقص البداية، لكن العبرة بتمام النهاية.

وكانت البداية في المقيبرة بجوار سوق الملابس ، ووقف الشاب الصغير يبيع بعض الأقفال والمفاتيح ، و(الخردوات) البسيطة من الصباح حتى المساء، فتحصل في نهاية يومه على سبعة قروش أو ستة! ورجع إلى البيت حاملا هذه الغنيمة الشاحبة، مفكرا فيما عساها تفعله هذه القروش القليلة للشاب الصغير وهو يريد سداد إيجار البيت! والوالد قد تباعد عن الدار، وكثيرا ما تغيب الوالد – رحمه الله – عن البيت شهرا أو اثنين للعمل أو الحج، ولم يكن يترك لهم ما يكفي المعيشة، لكنه كان يطمئن إلى حكمة ابنه صالح في رعاية إخوانه وآل بيته.

وكان الصغير صالح في هذه الآونة بارعا في لعبة الكعابة ، وهي لعبة من كعاب الخروف معروفة عند أهل الرياض، يجلس مع صبيان الحي يلاعبهم، ويكسب بمهارته الكثير منها.

وفي يوم من الأيام رجع إلى بيته فوجد أمه تبكي، فارتاع الصغير لذلك، وسألها عن سبب بكائها، فقالت له: يا ولد، إن صاحب البيت يريد طردنا منه؛ لأننا لم ندفع الإيجار، ووالدك مسافر وليس لنا أحد يدفع الإيجار!

فقام الصغير بهمته العالية، وهداه الله رب العالمين إلى أن يتوجه في اليوم التالي إلى السوق، ولكن هذه المرة للشراء، فوجد امرأة جالسة تبيع (الزنابيل)، فأتى إليها فقال: أريد زنبيلا، وليس معي نقود.

فقالت له : أنا لا أعطيك إلا برهن.

فأعطاها الكعابة رهنا ، وذهب إلى ميدان العمل الفسيح ، وليس معه من حطام الدنيا إلا زنبيل يحمله في يده، فكان إذا رأى رجلا ثوبه أبيض، أو يلبس مشلحا، يقول له: يا عم خليني أحمل. يريد أن يجد لنفسه سبيلا إلى العمل، وكأنما كان يوسع في نفسه معنى الجلد والمثابرة، حاملا أعباء الحياة الدنيا؛ حتى لا يستخفه شيء من زخرفها إذا ما اتسعت أمامه متبرجة بزينتها وأضوائها.

فكان يحمل اللحم والبطيخ والخُضراوات للناس بريال ونصف في اليوم، وكان راضيا صابرا متوكلا على الله سبحانه، محتملا في سبيل الرزق الحلال الصعب فما فوقه.

ومن صور الاحتمال لمشاق العمل : أنه في يوم من الأيام كان يحمل كبدا على كتفه لأحد عبيد الشيوخ، وإذا بدم الكبد يسيل على ثوبه الذي لا يملك غيره، فتألمت نفسه، وفاضت عيناه لهذا المصاب الفادح في ثوبه الوحيد . فعطف عليه الرجل ،
وقال له : ماذا تفضل : أعطيك نصف ريال أو أغسل لك ثوبك؟ فقال له صالح : بل أعطني نصف الريال، وأنا أغسل ثوبي. فاختبأ عن العيون، وغمس ثوبه في الماء يغسله، وكانوا في ذاك الزمان إذا لم يجدوا صابونا غسلوا الثياب بالتراب. ولكن زمن الجفاف يؤذيه في عمله؛ لأن الوقت سيضيع عليه، ويذهب اليوم هباء بلا فائدة! وهو من أشد الناس ضنا بوقته، فما كان منه إلا أن أخذ ثوبه المبلل وعلقه، وهرول به ها هنا وها هنا حتى تجففه حرارة الشمس، وأنفاس الهواء، ثم لبسه، وبهذا ضمن حفظ الوقت عليه.

وهكذا هي النفوس العظيمة لا تكسرها المصائب وإن عظمت؛ لأن في أعماقها إيمانا يمدها بالزاد، ويرفدها بالعزم، فكأنما إذا ألمت به المصيبة سقطت معانيها قبل أن تصل إلى قلبه، فإذا أصابته كانت فارغة عن أهوالها، فلم تجد عنده مكانا تستقر فيه، أو ملاذا تأوي إليه؛ لأنها تمس منه ظاهرا ساكنا، لا يضره ما كان منها، وإن تندت عينه بدمعة خفية.

فلما جمع قيمة الإيجار .. شكت فيه أمه وخافت عليه، وسألته عن مصدر المال، فلم يجبها وأرشدها إلى صاحبة الزنبيل، فذهبت أمه إليها، وسألتها عن خبر ابنها صالح، فقالت لها: ولدك هذا ولد صالح، إنه كان من أمره كذا وكذا.
واشترت منه صاحبة الزنبيل الكعابة التي تركها رهنا عندها، فكسب بذلك مرتين؛ مرة من عمله حمالا، ومرة الكعابة التي جمعها.

وما كان صالح يكتفي بهذا العمل – وإن كان شاقا – فقد كانت الجمال المحملة بالحطب إذا دخلت الديرة – أيام كانت الرياض مكونة من الديرة ودخنة – يتطاير منها بعض هذا الحطب، ويتساقط بعد أن تركه أصحابه في الأرض؛ لعدم قيمته، فيقوم صالح وإخوانه بجمع ذلك الحطب في بيت يستأجرونه بربع ريال أو بنصف ريال، وكلما تجمع لديهم قدر مناسب من الحطب باعوه، كما كانوا يجمعون روث الإبل ويبيعونه وقودا. لم يكن يستنكف من عمل ما لم يكن حراما، وكان يرى أن هذه الأعمال تكفيه عن الناس وما توجبه الحاجة إليهم من الخضوع لهم، والتقيد بهم.

في عالم الأموال

وتمر الأيام ويزداد العمل، ويتجمع لديه قدر من المال، ويبدو لصالح أن يصرف جهده إلى الصرافة، وكان العاملون بها قلة معروفة من أهل المملكة، والأعمال يومئذ مقسمة بين التجارة في القماش، أو الصرافة، أو ما دون ذلك من حمل الأمتعة وغيرها.
وكان عمر الفتى صالح إذ ذاك قرابة 16 سنة ، وكان الناس في فقر إلا القليل منهم، فالحياة بسيطة هادئة، والدكاكين ضيقة ، والبيوت من الطين ، فذهب ليتدرب عند قريبين له، هما عبد الله بن ناصر الراجحي ، وسليمان بن عبد الله الراجحي ، وكانا يشتغلان في الصرافة ، فجاء ببساطه ومده في صف الدكاكين في الصفاة أمام الجامع الكبير .

وكان هذا فتحا من الله تبارك وتعالى على التاجر الصغير صالح الراجحي ، فقد أنعم الله عليه، وتعلم أمور الصرافة في زمن وجيز ؛ الأمر الذي مكنه من تأسيس وبناء مؤسسة تجارية عملاقة أدت في النهاية إلى المشاركة في تأسيس مصرف الراجحي .

صالح الراجحي من الكفاح إلى النجاح

الحديث دوماً عن البدايات قد يكون صعباً مثل صعوبة بدايتها فالسراء والضراء والعسر والسر والفرج والشدة جميع تلك أحوال عديدة مرت بأناس وخاضها آخرون. وعندما يكون الوقوف أمام سير المبدعين والناجحين والمكافحين فإنه يستنطق معه العبّر والدروس والعظات.

ولصالح الراجحي – رحمه الله – قصة طويلة بدأت بالأمل والطموح والأماني التي اقترنت بالصدق والأمانة وهذان هما جناحي النجاح لكل من طلبه وأراده , فحياة صالح الراجحي تستحق الوقوف عند محطاتها إلا أن الأبرز في نظري يتمثل في أنه لم ينحني لزخرف الدنيا وزينتها ولم يصبه شيء من العجب والخيلاء على السعة في الرزق والبسطة في المال.

عاش صالح الراجحي في أوج ثرائه ليس بعيداً عن الحياة التي عاشها في بدء حياته وكفاحه – وذلك ليس بخلاً ، فما يصرفه على منافذ الخير والإحسان والصدقة والبذل والمعروف تؤكد كرمه المتناهي ولكنه في مصارف الخير الأكيدة .

عاش صالح الراجحي بسيطاً في ملبسه ومركبه ومسكنه لكنه كبير في تواضعه وتبسطه وحبه للخير. التقيت به – رحمه الله – مرات قليلة ثم التقيت بأقرانه وأصدقائه مرات كثيرة كل من كان حوله أو قريباً منه ناله شيء من خيره ومعروفه وإحسانه .

لم يكن أنانياً أو حسوداً لأحد وأعلم أناساً بأعيانهم وأشخاصهم كانوا مجرد جلساء وحضور لمجلسه ثم غدوا وأصبحوا ذوي مال وثراء ، كان « سعي البيع » لا يحرم منه حاضراً سواء كان صغيراً أو كبيراً غنياً أو فقيراً.

استطاع من خلال فكرة المصرف أن يحقق حلماً راهن عليه الكثيرون في بدايته كي ينجح هذا المصرف في إقامة صرافة وبنك إسلامي خال من الربا فكان هذا المشروع المالي المصرفي العملاق شامخاً أحد أبرز الصروح المالية العالمية .

كان يحدب ويرفق ويحب الخير لكل الناس وإخوانه الذين كانوا بجواره وفي شراكته وأحسن إلى الجميع وكان تعامله مع القريب والبعيد مضرب المثل في التعامل التجاري.

أما دقته في المواعيد وإدارته للعمل فهي تمثل نموذجاً لرجل الأعمال الناجح . إن مدرسة الراجحي أصبحت تمثل أنموذجاً للعمل التجاري السعودي الناجح المبني على الصدق .

ليست حياة صالح الراجحي – رحمه الله – حكراً على نفسه وأولاده ولكنها لوحة وطن صغرى بدأت من الكفاح وانتهت بالنجاح .