على الرغم من حداثة مفهوم الحوكمة المؤسساتية في النظام الاقتصادي والعالم العربي على وجة الخصوص، إلا أن تبعات الفساد المالي والإداري والانهيارات التي طالت كبرى المصارف والشركات العالمية بدءاً من الولايات المتحدة وبريطانيا وصولاً لشرق آسيا واليابان كانت بمثابة دق ناقوس الخطر الذي دفع العديد من المؤسسات الحكومية والخاصة لإعادة النظر بطريقة إدارة مواردها وتعزيز النظم الإطارية والتشريعية التي تحكم العلاقات بين الأطراف الأساسية التي تؤثر في الأداء وتحقيق الشفافية وتحسين المنتج.
وقال الدكتور أشرف جمال الدين، الرئيس التنفيذي لمعهد حوكمة في مركز دبي المالي، إن المبادئ الأساسية للحوكمة لا تختلف كثيراً في كون الشركة عامة وتابعة للدولة أو خاصة بالأفراد، غير أن الاختلافات تأتي من الناحية التنظيمية وخلال الأدوار التي تلعبها المجالس والطريقة التي تعمل بها والتي تكون إلى حد ما واضحة في الشركات المملوكة للقطاع الخاص، غير أن الأمر مختلف تماماً عندما يكون المالك هو الدولة.
وأضاف أن طريقة اختيار مجالس الإدارة بالقطاع الخاص تأتي من خلال المساهمين الرئيسيين، فهم من ينتخبون المجالس ومن ثم احتسابهم وتفعيل مهام السلطات التنفيذية وفقا لقواعد مدروسة والتي يأتي ضمنها العمل على تحقيق استراتيجية الشركة، وتفعيل الممارسات الجيدة لمجالس الإدارة، ووجود بيئة رقابة، وممارسات فعالة، واعتماد الشفافية والإفصاح وحفظ الحقوق ومصالح المساهمين، والالتزام باعتماد أفضل الممارسات التي تترجم بالتالي في صالح سمعة الأفراد بالمقام الأول التي تمكنهم من المحافظة على مزاولة النشاط، وبالتالي تحقيق المكاسب والأرباح المطلوبة للشركة.
عملية اختيار الأعضاء
أما في القطاع العام فعملية اختيار أعضاء مجالس الإدارة وتحديد المهام والتقييم مختلفة تماماً، فغالباً ما تكون للشركات المملوكة للحكومة أهدف اجتماعية، سياسية، اقتصادية ومالية متعددة، والتي قد تختلف تلك الرغبات فيما بينها، وبالتالي ترجح كفة هدف معين على الآخر، وبالتالي ستختلف الأولويات من وقت لآخر بناء على عوامل متعددة، وما يخيفنا هنا عندما تتعارض تلك المصالح فيما بينها. فعندما تولي الحكومة اهتماماً لتحقيق أهداف مجتمعية، نلحظ تعارضها مع الأهداف المالية. وأحياناً عندما تهتم الحكومة بتحقيق عوائد مالية لأحد المشاريع نلحظ بعض الحساسيات المجتمعية، وهو ما يجعل من الصعوبة التركيز على هدف دون الآخر أو اجتماع كل تلك الأهداف تحت مظلة واحدة.
وأضاف أن غالبية المشاريع الحكومية في العالم العربي لها بعد اجتماعي لا يمكن إغفاله، فالقطاع العام يهدف لتوفير فرص العمل لأكبر شريحة من المواطنين، وتوفير الغذاء والدواء للمحتاجين أو الأقل دخلاء، إضافة لتنظيم السوق من بوادر احتكار الشركات الخاصة لسلعة معينة أو موارد اقتصادية مهمة.
وضوح الأهداف
وأشار إلى أن تعارض بنية الأهداف في القطاع العام قد تظهر جلياً بالشركة خلال أول اجتماع لمجلس الإدارة، فلو لم تكن أهداف الحكومة واضحة من المشروع سينعكس ذلك بشكل جلي على اختيارات وقرارات الأعضاء، وهو ما سيخضع تلك المجالس لأوامر عليا، وتقع بالتالي تحت تأثير السلطة السياسية في قراراتها وتغيب عنها حرية الرأي.
وأضاف أن الحلول تكمن بوجود صورة واضحة لدى الحكومات، وعليهم المبادرة بسؤال أنفسهم، لماذا قررنا خوض هذا المشروع؟ ما هي الأهداف؟ لماذا نرغب بالاستثمار في هذه الشركة؟ ومدى ملاءمتها مع المحيط العام والتجاري؟ وعليه سيتعرف مجالس الإدارة على الأسباب الرئيسية ويعملون لتحقيقها، فوضوح سياسة الملكية والهيكلية القانونية وأهداف الشركات المملوكة للدولة والفصل بين وضع السياسات والقوانين وتعزيز المساءلة من خلال الشفافية والإفصاح وتعزيز دور جهات التدقيق الحكومية كلها عوامل تسهم بشكل كبير بحفظ الأملاك والتوازنات واستمرارية نجاح الأعمال ونموها.
من جهة أخرى، يرى الدكتور أشرف جمال الدين أن الإشكالية الأخرى تكمن بعملية اختيار مجالس الإدارة، والذين عادة ما يتم تعيينهم من خلال السياسيين أو الوزراء، وهو ما يضع مسألة استقلالية الأعضاء على المحك، وبالتالي سيكون تأثرهم بآراء التنفيذيين وتحقيق رغباتهم من الأولويات بالمقام الأول. لكن بغض النظر عن عملية الاختيار والتعيين، على أعضاء مجالس الإدارة التيقن أنهم من سيحاسبون على التقصير في نهاية الأمر، لذلك أنصحهم بإعادة النظر في كل خطوة أو قرار يتخذونه لأنهم المسؤولون الوحيدون في نهاية الأمر، ولن يتحمل النافذون الآخرون أي تبعات أو نتائج تلك القرارات.