مجلة مال واعمال

حل مشكلة المصداقية في أوروبا

-

121020142

جان بيساني – فيري*

 بينما هناك جدل في منطقة اليورو عن كيفية الهرب من فخ الركود والتي تجد نفسها فيه فإن هناك سؤالا قد أصبح أكثر أهمية وهو: هل تستطيع الحكومات أن تلتزم بمصداقية بترشيد الإنفاق العام في المستقبل مع محاولة تجنب التخفيضات الفورية؟ لحسن الحظ إن الإجابة هي نعم بشروط فهناك وسائل من أجل التحقق من أن التكيف المالي الآن سوف يتبعه التدعيم لاحقا.
إن النمو والتضخم في منطقة اليورو ما يزالان ضعيفين للغاية. إن آخر تقييمات البنك المركزي الأوروبي هي قاتمة حيث لم يخف رئيس البنك المركزي الأوروبي ماريو دراجي حقيقة أنه ما تزال هناك مخاطر على الجانب السلبي. إن النمو في الناتج المحلي الإجمالي الاسمي – أي النمو الحقيقي زائد التضخم – لن يزيد على 1.5 % هذا العام ومن الممكن ان يقترب في نهاية المطاف الى نسبة 1 %.
بالرغم من ان السياسة النقدية داعمة، إلا أنها تقترب من الوصول لنهايتها ومبادرة البنك المركزي الأوروبي لتحفيز الائتمان عن طريق إقراض البنوك التجاريه بشروط رخيصة للغاية لم تكن فعالة على النحو المأمول. إن السندات الحكومية لعشر سنوات أ أ أ تحقق حاليا عائدا بنسبة 1 % مما يوحي بأن الأسواق لا تتوقع انتعاشا قويا.
إن مثل هذا الوضع يتطلب وجود سياسة مالية من أجل معالجته ولقد أشار دراجي الى هذه النقطة بالتحديد في كلمته في الاجتماع السنوي لمصرفيي البنوك المركزية في جاكسون هول بيومنج في آب (أغسطس) الماضي كما اقترح عدة اقتصاديين أنه قد حان الوقت لمنطقة اليورو من أجل تصميم توسعة مالية مؤقتة.
لقد اقترح فرانشيسكو جيافازي وجوديو تابيليني من جامعة بوكوني في مقال نشر مؤخرا تخفيض ضريبي دائم تليه تخفيضات تدريجية في الإنفاق علما أنه مع توفر إصلاحات دائمة تستهدف النمو لأسواق المنتجات والعمال كذلك فإن مثل هذا البرنامج قد يؤدي الى فوائد دائمة بالنسبة للعرض (من خلال الضرائب الأقل) وتعزيز الطلب بشكل مؤقت مما سيساعد في إعادة إحياء نمو منطقة اليورو.
إن التدرج في تخفيضات الإنفاق قد تكون له فوائد أخرى بخلاف فوائده على الاقتصاد الكلي. إن إصلاحات القطاع العام الفعالة تحتاج لوقت فالحكومات التي تخفض من الإنفاق العام بسرعة نادرا ما تفعل ذلك على أساس خيارات مستنيرة. إن مراجعة المصروفات على أساس تقييمات منهجية للسياسة هي المقاربة الأفضل من أجل التفريق بين الإنفاق الجيد والإنفاق السيئ وهكذا تعزيز قيمة الأموال.
إن هناك اعتراضين على هذه المقاربة. أولا، إن هناك من يجادل أن مثل هذا العمل قد ينتهك متطلبات الاتفاقية المالية للاتحاد الأوروبي وهذا ليس صحيحا بالضرورة فمن بين 18 دولة أعضاء في الاتحاد الأوروبي هناك عشر دول لم يعد لديها عجز زائد عن الحد وحتى تلك الدول التي ما تزال تحت التدقيق المركز مثل فرنسا واسبانيا فهناك بنود استثنائية تمكن الاتحاد الأوروبي من منح استثناء من التعديل السنوي المطلوب في حالة وجود “فترة مطولة من النمو السنوي المنخفض جدا للناتج المحلي الإجمالي”.
إن هذه الدول لا تستطيع إطلاق إجراءات تحفيز ولكن الاتحاد الأوروبي يمكن أن يدعها تقوم بتعديل رتم التدعيم بشرط أن تلتزم بالتخفيضات الشاملة في المستقبل.
إذن تمتلك منطقة اليورو مساحة للمناورة المالية وإن كانت محدودة. إن مستويات الدين والعجز المتبقي تعكس الحاجة للحذر الشديد ولكن إذا افترضنا وجود إرادة مشتركة للعمل فسوف تكون هناك مساحة للمناورة ضمن القواعد والأحكام الأوروبية.
إن الاعتراض الثاني هو أن الحكومات سوف تفشل في الوفاء بوعودها وردا على جيافازي وتابيليني ذكر روبرتو بيروتي (أيضا من بوكوني) أن الاستراتيجية التدريجية لن تتمتع بالمصداقية فتخفيضات الإنفاق سوف تنطوي على قرارات سياسية صعبة والحكومات لا تستطيع الالتزام بها بشكل مؤكد وعليه طبقا لبيروتي “التخفيضات الضريبية الآن وتخفيضات الإنفاق لاحقا” تنطوي على مخاطر معنوية ضخمة.
إن بيروتي محق في ذلك فكارلو كوتاريلي المعين من قبل الحكومة الإيطالية للإشراف على مراجعتها للمصروفات لاحظ مؤخرا أنه حتى قبل تطبيق التخفيضات في الإنفاق فلقد كان يتم استخدامها في تمويل إنفاق جديد. إن الاقتصاد السياسي لإصلاحات الإنفاق العام صعب وخطط الاقتصاد الكلي التي يتم تصميمها بعناية يمكن أن تخسر لصالح سياسات تتعلق بالإنفاق لخدمة الأغراض الانتخابية.
لكن هناك حل لهذه المشكلة: إن بإمكان الحكومات والبرلمانات تأخير العمل بدون تأجيل القرار. لا يوجد شيء يمنع من اتخاذ قرار الآن بأن الرواتب التقاعدية سوف تنخفض خلال ثلاث سنوات أو أن مبلغ دعم صناعي معين سوف يختفي في 1 كانون الثاني (يناير) 2017. لو أرادت البرلمانات أن تقيد أيديها فإن بإمكانها عمل ذلك عن طريق تمرير قانون.
إن القرارات الفعلية والتي يتم تأخير تأثيراتها يمكن اعتبارها كدفعة على الحساب للتحقق على سبيل المثال من أنه قد تم بالفعل تمرير نصف تخفيضات الإنفاق المبرمجة للسنوات المقبلة وفي واقع الأمر فإنه من الممكن دوما تغيير القرارات، فالبرلمان يمكن ببساطة أن يسن قانونا آخر ولكن هذا ينطبق كذلك على تخفيضات الإنفاق والتي تم تطبيقها بالفعل فكل شيء يمكن عكسه في الدول الديمقراطية.
إن أوروبا لديها أدوات من أجل التحقق من أن الالتزامات تحتفظ بقيمتها على المدى الطويل. إن جهازها الرقابي يستخدم في معظمه من أجل مراقبة عجز الموازنة في الوقت الحقيقي ولكن هذا الجهاز يمكن أن يساعد كذلك في تقييم العواقب المستقبلية للقرارات المتعلقة بالسياسات. إن ما يطلق عليه تكلفة إجراءات السياسات (تحديد مقدار التوفير بالضبط كنتيجة للإصلاح) تتطلب مهارات تقنية وحرية الوصول الى معلومات مكثفة. إن المفوضية الأوروبية مؤهلة على وجه الخصوص لعمل تلك المهمة وهي الى جانب المنظمات المالية الرقابية الوطنية المستقلة يمكن أن يطلب منها مراجعة مشاريع القوانين بالتفصيل وتقييم تأثيراتها المستقبلية فيما يتعلق بالموازانات مما يعني التحقق من عدم قيام الحكومات بتجميل توقعاتها عند تقديم وعود بأن إصلاحاتها سوف تحقق المزيد من التوفير في المستقبل.
وعليه فإن استراتيجية “خفض الضرائب الآن وخفض الإنفاق لاحقا”، ممكنة وبالرغم من أن مثل هذه الاستراتيجية يمكن أن تكون صعبة التنفيذ والتطبيق فإنها يمكن أن تكون ذات مصداقية وتبقى متوافقة مع المسؤولية المالية لو حظيت بدعم من آليات التزام قوية على المستوى الوطني والمستوى الأوروبي.

*أستاذ في كلية الحوكمة في برلين ويعمل حاليا كمفوض عام للحكومة الفرنسية لشؤون التخطيط الاقتصادي.
المصدر الغد بالتعاون مع بروجيكت سنديكت.