لطالما جذبت الطبيعة الخلابة لمدينة كيب تاون الزائرين، لكن المسافرين إليها من أجل العمل يجدون العديد من المغريات في “أم المدن” كما يسميها أبناؤها في جنوب أفريقيا.
هناك عدة أسباب تكمن وراء انجذاب رجال الأعمال إلى مدينة كيب تاون، من بينها المناخ الذي يماثل مناخ البحر المتوسط، والمناظر الخلابة، بالإضافة إلى ثقافة التوازن المرغوب بين العمل والحياة الخاصة، والموقع المتميز الذي يعني أن بإمكانك ممارسة الغطس، أو الذهاب في رحلة إلى الغابات، بمجرد فراغك من اجتماعات العمل.
فهذه المدينة تتنافس مع جوهانسبرغ على جذب الباحثين عن إقامة مشاريع تجارية وشركات. وقد بلغ عدد المسافرين الذين وصلوا إلى المطار كيب تاون عام 2015، نحو 9.4 مليون شخص، وهناك تقديرات بأن 10 في المئة منهم وصلوا من أجل العمل.
وتعتبر مكانة كيب تاون، كمركز يزخر بالمتعلمين والمفكرين، أحد أسباب هذه الجاذبية، إذ تضم المدينة أربع جامعات معروفة على مستوى العالم، وعددا من معاهد البحث في مجالات تمتد من الفضاء إلى الطب. وهي كذلك موطن لعدد من شركات المحاماة الدولية، والشركات متعددة الجنسيات وصناعة مزدهرة في تنظيم المؤتمرات.
لهذا ينجذب المستثمرون وأصحاب الشركات إلى مجموعة من الأمور من بينها المناظر الطبيعية الجذابة، والبنية التحتية المتقدمة حسب المعايير الدولية، ووفرة أماكن الإقامة (فهناك 20 ألف غرفة في فنادق المدينة)، إضافة إلى مطار حاز على جوائز عالمية، كما يقول كورنيه كوتش، رئيس شركة “مكتب المؤتمرات” في كيب تاون، وكيب الغربية.
وتعتبر تكلفة البدء في مشروع تجاري فيها محتملة. وقد انخفضت العملة المحلية، الراند، مقابل الدولار بنسبة 25 في المئة عام 2015، وهو مستوى قياسي من التراجع يعني أن إنفاقك سيزيد كثيرا.
لكن الأكثر إثارة للإعجاب، هو أن هذه المدينة تتميز بالتسامح، وهي القلب النابض لجنوب أفريقيا، حسبما يقول جون دويدج، مدير خدمات الأعمال في مجموعة “تي أم أف”.
ويضيف: “عملت البلدية والحكومة كل ما يمكن لجذب صناعة السينما، على سبيل المثال، وتسهيل إقامة شركات الإنتاج هنا. وتعد تكلفة الإنتاج السينمائي هنا منخفضة جدا مقارنة بأوروبا، وقد ساعد ضعف الراند على ذلك”.
وقد ساهمت الهجرة من أوروبا ومن مختلف أنحاء أفريقيا في إضفاء جو من الإبداع والتنوع على المدينة. أينما وليت وجهك، ستجد لوحات جدارية و فنانين يستعرضون مهارات معينة في الشوارع. كما أن التنوع الثقافي في كيب الغربية يساعد في عدم شعور الأجانب والوافدين بالغربة.
وبينما انتقلت العديد من الصناعات إلى الصين، ظل سوق الوظائف والمهن المحلية محصنا من الأزمة الاقتصادية التي نتجت عن انتهاء موجة ارتفاع أسعار الأسهم. وتزدهر في المدينة الصناعات الإبداعية، فاستوديوهات الصور المتحركة، مثل “سي مونستر”، تنمو كما هو حال شركات إنتاج الأفلام والترفيه والإعلانات، والأزياء والتصميم الداخلي.
وتبقى قطاعات المال والأعمال في غاية الأهمية، حيث تظهر شركات كبرى جديدة مثل “إنفستيك” و”سانلام”. كما تنتشر بسرعة شركات التقنية الحديثة، ومراكز خدمة الجمهور. ويأتي حوالي ثلث الناتج المحلي من المنتجات الزراعية، وتصدير النبيذ. ومن بين العلامات التجارية المشهورة في هذا المجال شركة “بينوتاج”، وهي علامة تجارية جنوب أفريقية معروفة.
الوصول إلى هناك
مطار كيب تاون صغير ويسهل التنقل منه وإليه، ويخدم أكثر من 20 من الخطوط الجوية العالمية التي تصل إليه كل أسبوع. وتوافر رحلات طيران منتظمة من جوهانسبيرغ يعني أنك يمكن أن تصل إلى هنا من أي مكان في العالم. والرحلات من أوروبا تستغرق ليلة كاملة.
وتستغرق رحلة التاكسي من المطار 20 دقيقة إلى مركز المدينة حيث تنتقل جنوبا عبر الطريق السريع مباشرة إلى جبل “تيبل”، وهو علامة بارزة على ارتفاع 1000 متر تغطيه الغيوم.
وتستخدم سيارات الأجرة أجهزة العداد لحساب الأجرة، وتكلف الرحلة من المطار إلى مركز المدينة ما بين 350-400 راند، أي ما يعادل 22-25 دولارا. عليك التأكد من أنك حجزت التاكسي مسبقا عن طريق الفندق، أو استأجر سيارة. معظم شركات تأجير السيارات العالمية موجودة هنا.
أين تقيم؟
منطقة المال والأعمال المركزية صغيرة نسبيا، ويشغلها بصورة رئيسية مركز كيب تاون الدولي للمؤتمرات.
ويقع فندق ويستن كيب تاون بجانب مركز المؤتمرات، لكن يوجد حوالي 6000 غرفة فندقية متوفرة على مسافة قصيرة من المشي على الأقدام من مركز المدينة التجاري بأسعار متنوعة ومتفاوتة.
إن كنت تفضل الإقامة بعيدا عن وسط المدينة، فهناك منطقة حيوية ومليئة بالمطاعم والحانات في دي واتركانت.
وإن لم تكن من محبي الفنادق، فبإمكانك الإقامة مع عائلات من كيب تاون، ويمكنك الحجز عبر عدة مواقع، مثل “هومستاي”، أو “أير بي إن بي”. ويوجد عدد كبير من بيوت الضيافة أو الفنادق الصغيرة في ليونز هيد، أو قرب شارع لونغ ستريت. ولقضاء وقت الراحة، فإن خليج “كامبس باي” على مسافة قريبة بالتاكسي من مركز المدينة، حيث الشاطيء المشهور على مستوى العالم برماله البيضاء.
الاعتبارات الثقافية
جنوب أفريقيا مكان ذو تاريخ معقد أيضا، مما يجعله مدهشاً وجذاباً ومخيفاً في نفس الوقت بالنسبة للزائرين الجدد. فتركة التمييز العنصري والاستيطان الأجنبي ظاهرة في كل مكان. وما زالت نسبة الفقر عالية، فما زال يعيش نصف سكان جنوب أفريقيا على أقل من 61 دولارا في الشهر، حسب إحصائية عام 2006.
ومازال التمييز العنصري يمثل ذاكرة حديثة مؤلمة لكثير من كبار السن في جنوب أفريقيا، لذا فإن الحساسية مطلوبة إذا رغبت في الحديث عن هذا الموضوع مع السكان المحليين. وهناك نظرة تقديس لنيلسون مانديلا في كثير من أنحاء البلاد، لذا عليك إظهار الإحترام له.
المال
لا تستخدم ماكنات الصراف الآلي إلا الموجودة في المناطق المزدحمة والمضاءة جيداً. فمستوى الجريمة ما زال مرتفعا في كيب تاون. ومن الشائع وجود لصوص قرب أجهزة الصراف الآلي.
ويمكن تجنب السرقة باستخدام صراف آلي في مركز تسوق تتوفر فيه الحراسة الأمنية. بطاقات الفيزا والبطاقات الائتمانية الأخرى تقبل على نطاق واسع في جنوب أفريقيا. أما بطاقة الماستر كارد فهي أقل شيوعا، والاعتماد على بطاقة أميركان إكسبرس يمكن أن يكون مشكلة حقيقية. وظهر المزيد من أجهزة الصراف الآلي حتى في المناطق النائية، لذا فإن حمل نقود لم يعد ضرورة كما كان في السابق.
أماكن الترفيه
لا تضيع على نفسك فرصة الركوب في العربات المعلقة (التلفريك) فوق جبل تيبل، حيث يمكنك الاستمتاع بالمناظر الممتدة للمدينة وهي تعانق المحيط. لكن تأكد من حالة الطقس قبل أن تنطلق إلى هذه الرحلة، فإذا كان الجو ضبابياً، فإن العربات المعلقة تتوقف حيث تحتجب الرؤيا.
وإذا اخترت أن تذهب في رحلة جبلية فإن هناك عدة مسارات تتفاوت في صعوبتها. لكن دائما اذهب بصحبة دليل سياحي وكن حذرا من القردة الجائعة، فهي تقوم بسرقة أي حقائب أو كاميرات.
أما جزيرة “روبن”، فهي الرحلة التي تستغرق يوما واحدا والتي يحرص كل من يزور كيب تاون على القيام بها.
وكانت الجزيرة التي تقع على بعد تسعة أميال من الشاطيء سجنا في السابق. وكان نزيله الأكثر شهرة هو نيلسون مانديلا، الذي اعتقل فيها لمدة 18 عاما من من 27 عاما قضاها في السجن.
ومن أكبر عوامل الجذب المتوفرة في كيب تاون بالنسبة لمن يزورها بغرض العمل هو التوازن بين الحياة والعمل، والفرصة للقيام بمغامرات مثيرة وخارجة عن المألوف.
ويستمتع المسئولون الكبار في الشركات وأصحاب الأعمال بالقيام بأنشطة مثيرة تتراوح بين الغطس داخل أقفاص في بحيرة مليئة بالتماسيح إلى سباقات النعام. وما عليك إلا أن تكون مستعدا للمشاركة في يوم تنظمه الشركة لموظفيها للاستمتاع بهذه المغامرات إذا قدر لك أن تلتحق بعمل هنا.
اعتبارات خاصة
يوجد في جنوب أفريقيا 11 لغة رسمية، لكن لا تتوقع أن يفهم الجميع الإنجليزية.
لكن الإنجليزية بلهجة أفريقية تعد قوية نوعا ما، ويجدها الأجانب صعبة على الفهم، ولذلك عليك الإصغاء بعناية.
الجرائم البسيطة ما زالت نسبتها مرتفعة في كيب تاون. وعلى الرغم أن وسط المدينة أكثر أمنا من مدن أخرى في جنوب أفريقيا، إلا أنها تبقى مكانا ينبغي أن تكون فيه حذرا، وتحرص على الاعتناء بممتلكاتك الثمينة.
مع ذلك، فهي مدينة شابة وتنبض بالحيوية، لذا لا تدع القلق الأمني يهيمن على رحلتك، أو أن يكون عائقا أمام إختلاطك بالناس والحديث إليهم. فالكثير منهم لديه قصص مدهشة عن الطريقة التي تمكنت بها أمة متنوعة من العيش المشترك على اختلاف ألوان الطيف الاجتماعي، والعرقي، والسياسي فيها.
المصدر : https://wp.me/p70vFa-aw3