بقلم : محمد فهد الشوابكه
في ظل التغيرات العالمية المتسارعة، أصبح جذب الاستثمار أحد المحاور الأساسية لتحقيق النمو الاقتصادي والتنمية المستدامة. الاستثمار ليس مجرد تدفق للأموال أو تأسيس المشاريع، بل هو شريان حيوي ينقل المعرفة، ويوفر فرص العمل، ويؤسس قواعد التكنولوجيا والابتكار في المجتمعات. لذا، فإن بناء بيئة استثمارية جاذبة لا يتعلق فقط بإجراءات اقتصادية بل يرتبط بفلسفة شاملة ترسم ملامح المستقبل وتوازن بين احتياجات الاقتصاد والمجتمع.
يتجاوز مفهوم جذب الاستثمار التسهيلات الضريبية أو تقديم الحوافز المالية. يتعلق الأمر بتوفير منظومة متكاملة من التشريعات العصرية التي تحمي المستثمر وتضمن حقوقه، إلى جانب بنية تحتية متطورة تسهّل على المشاريع الوصول إلى الموارد والأسواق. كما أن الأمن والاستقرار السياسي والاجتماعي يشكلان عاملين رئيسيين لا يمكن إغفالهما، حيث يبحث المستثمر عن بيئة مستقرة ومستدامة تتيح له التخطيط بعيد المدى بعيداً عن أي مخاطر غير محسوبة.
من أبرز عوامل النجاح في جذب الاستثمار هو التركيز على القطاعات الواعدة التي تعكس احتياجات العصر، مثل التكنولوجيا النظيفة، والطاقة المتجددة، والتحول الرقمي، والصناعات القائمة على الابتكار. فالاستثمار في هذه المجالات لا يقتصر على تحقيق الأرباح، بل يسهم في بناء اقتصاد معرفي يقلل الاعتماد على الموارد التقليدية ويعزز التنافسية العالمية.
لا يمكن إغفال أهمية رأس المال البشري في معادلة الاستثمار. فوجود كوادر بشرية مؤهلة ومدربة يشجع المستثمرين على اختيار دولة دون أخرى. التعليم والتدريب المستمر يمثلان الركيزة التي تضمن توفير المهارات المطلوبة للأسواق الحديثة، مما يعزز من جاذبية الدولة كمركز للابتكار وريادة الأعمال.
الثقة هي العامل الحاسم في عملية جذب الاستثمار. بناء هذه الثقة يتطلب شفافية مطلقة في الإجراءات الحكومية، ومكافحة فعالة للفساد، وتوفير قنوات تواصل مفتوحة بين القطاعين العام والخاص. الشراكة بين الحكومة والمستثمرين يجب أن تُبنى على التعاون لتحقيق مصالح مشتركة وليس مجرد علاقة أحادية قائمة على تقديم التسهيلات دون النظر إلى تطلعات المستثمرين.
الدول التي نجحت في جذب الاستثمار لم تعتمد فقط على موقعها الجغرافي أو مواردها الطبيعية، بل عملت على خلق قصص نجاح تلهم الآخرين. تقديم قصص نجاح لشركات استثمارية حققت أهدافها بفضل الدعم والتسهيلات الحكومية يبعث برسالة واضحة أن البيئة الاستثمارية قادرة على تحقيق النجاح والاستدامة.
في النهاية، جذب الاستثمار ليس مجرد هدف اقتصادي بل مشروع وطني يحتاج إلى رؤية استراتيجية متكاملة تنظر إلى المستقبل بثقة وطموح. هو وسيلة لتغيير واقع المجتمعات وتحقيق التقدم في جميع المجالات. هو التزام ببناء جسور من التعاون بين الدول والمستثمرين، حيث يكون الاقتصاد مدخلاً للتنمية الشاملة والمستدامة التي تضمن مستقبلاً أفضل للجميع.