spot_imgspot_imgspot_imgspot_img
الرئيسيةتحت المجهرتوحيد الأسواق المالية الأوروبية: بين الطموحات والتحديات المستقبلية

توحيد الأسواق المالية الأوروبية: بين الطموحات والتحديات المستقبلية

لطالما كان الحديث عن توحيد أسواق المال الأوروبية مجرد فكرة نظرية على مدار أكثر من عقد من الزمان. وعلى الرغم من التقليص المتكرر لطموحات الاتحاد الأوروبي في هذا المجال، إلا أن التحولات الجيوسياسية والاقتصادية الأخيرة قد أوجدت فرصة جديدة لهذا المشروع الطموح، مما يثير تساؤلات حول إمكانية تحقيقه هذه المرة.

في بداية الشهر الجاري، أبدى كريستيان سيوينغ، الرئيس التنفيذي لبنك «دويتشه بنك»، تفاؤلاً ملحوظاً بشأن إمكانية تقدم مشروع «اتحاد أسواق رأس المال» في ظل الظروف الحالية. وأشار سيوينغ في حديث له أمام مؤتمر صناعي إلى أن فرص تحقيق هذا المشروع أصبحت أكثر وضوحًا مما كانت عليه قبل ستة أشهر، رغم الحذر في التعبير عن الحماس الكامل.

لكن هل هو محق في تفاؤله؟ الجواب يتعلق بفهم المحركات الأساسية التي تدفع نحو تكامل الأسواق المالية الأوروبية. يشكل الاتحاد الأوروبي نحو 17% من الناتج الإجمالي المحلي العالمي، ومع ذلك، لا تمثل شركاته الكبرى سوى خمس الشركات المدرجة في مؤشر «إس آند بي 1200»، مما يشير إلى ضيق حجم سوق رأس المال الأوروبي مقارنة بأحجام الأسواق العالمية الأخرى. وإذا تمكنت أوروبا من توجيه أموالها المستقرة، التي تقدر بحوالى عشرة تريليونات يورو، نحو الاستثمارات بشكل أكثر سلاسة، فقد يتسنى لها خلق بيئة خصبة للنمو الاقتصادي، ما يمكن الشركات من التوسع وتعزيز ثروات الأسر.

حتى الآن، كان التوجه الأوروبي يسير في اتجاه معاكِس للطموحات الخاصة بتوحيد الأسواق المالية، حيث تمثل الحكومات الوطنية عائقًا رئيسيًا أمام التقدم في هذا المجال. ومع ذلك، هناك عاملان جديدان يعززان من التفاؤل حيال تحقيق هذا الهدف في المستقبل القريب.

أولاً، على الصعيد الداخلي، يبدو أن المفوضية الأوروبية قد تعلمت من أخطائها السابقة، حيث أصبح تركيزها الآن على اتخاذ خطوات صغيرة وقابلة للتحقيق، بدلاً من الحديث عن «اتحاد أسواق رأس المال» في مجمله. خطة «اتحاد الادخار والاستثمار» التي تم طرحها مؤخرًا، تضع أولويات إجراءات محدودة، لكنها عالية التأثير، وهو ما يتيح تسريع النمو في هذا المجال.

ثانيًا، على الصعيد الجيوسياسي، تُعزز التوترات الحالية بين البيت الأبيض والاتحاد الأوروبي من فكرة ضرورة تقليل الاعتماد الأوروبي على الأسواق المالية الأمريكية. يرى بعض المسؤولين التنفيذيين في المصارف الأوروبية أن أوروبا قد تواجه أزمة اقتصادية إذا استمرت في الاعتماد بشكل مفرط على الأسواق الأمريكية، ما يعزز الحاجة إلى تطوير حلول تمويلية محلية أكثر مرونة.

ومع ذلك، تظل بعض القضايا الجوهرية التي تحتاج إلى حل، مثل توحيد قوانين الإفلاس بين الدول الأعضاء، والتنسيق بشأن الحوافز الضريبية لتشجيع الاستثمار في الأصول الأوروبية. حتى التعديلات البسيطة على القواعد التنظيمية، مثل تلك المتعلقة بالتوريق، يمكن أن يكون لها تأثير بالغ على القطاع المصرفي في القارة. وتشير تقديرات «أبوللو غلوبال مانجمنت» إلى أن تبسيط إجراءات جمع القروض وبيعها، إضافة إلى دعم المستثمرين لشراء هذه القروض، يمكن أن يسهم في خلق قروض إضافية بقيمة تريليون يورو.

في العام الماضي، بلغ إجمالي إصدار سندات التوريق الأوروبية نحو 245 مليار يورو، أي ما يعادل 16% من الإجمالي الأمريكي، وهو رقم يعكس ضعف السوق الأوروبية مقارنة بالسوق الأمريكي. ولذا فإن أي تطور إيجابي في هذا المجال، مثل التحديث المنتظر من المفوضية الأوروبية بشأن التوريق قبل الصيف، سيكون بمثابة اختبار حاسم للطموحات الأوروبية الجديدة في هذا الصدد.

بالنهاية، وعلى الرغم من أن أوروبا قد أهملت العديد من الأفكار الجيدة في الماضي بسبب التباطؤ السياسي، فإن التقدم في توحيد الأسواق المالية قد يساهم في تحقيق مكاسب كبيرة، ليس فقط بالنسبة للمستثمرين، بل أيضًا في تحفيز النمو الاقتصادي الأوروبي. وبالنسبة للأسواق المصرفية الأوروبية، فإن إحراز تقدم ملموس في هذا الاتجاه قد يكون هو العامل الحاسم في تحقيق جولة مكاسب جديدة للأسهم الأوروبية.

مقالات ذات صلة

الأكثر شهرة

error: المحتوى محمي