بقلم الدكتوره جيهان سماره الزغبي
يشهد العالم في العقود الأخيرة تحوّلاً كبيرًا في النظرة إلى دور المرأة، فلم تعد مشاركتها في الحياة العامة أمرًا ثانويًا أو هامشيًا، بل أصبحت ضرورة ملحّة لتحقيق التقدم والنهوض بالمجتمعات، وقد ساهم هذا التحوّل في تعزيز التوجهات الدولية والوطنية نحو تمكين المرأة في شتى المجالات، وخاصة من خلال منظومة التنمية المستدامة التي تُعد الإطار الأشمل لتحقيق المساواة وتحسين نوعية الحياة لكافة أفراد المجتمع.
في السياق الأردني، ورغم الخطوات التي اتُخذت لدعم المرأة، لا تزال هناك تحديات متجذّرة تحد من فاعليتها في التنمية، سواء كانت ثقافية أو اجتماعية أو اقتصادية؛ فالمجتمع الأردني لا يزال يحمل بين طياته تصورات تقليدية تحُدّ من دور المرأة في مواقع القيادة واتخاذ القرار، إلى جانب وجود فجوة واضحة في فرص التعليم والتدريب والعمل مقارنة بالرجل، ناهيك عن العنف والتمييز الذي تتعرض له المرأة بأشكال مختلفة. هذه المعيقات تجعل من التمكين هدفًا طويل الأمد يتطلب جهداً مؤسسياً وتغييراً في البنية القانونية والاجتماعية.
وقد بدأت ملامح هذا التغيير تظهر من خلال تبني الدولة الأردنية لتعديلات دستورية وتشريعية تُعزز من حضور المرأة وتكفل حمايتها، ومن أبرز هذه الخطوات النص الصريح في الدستور الأردني المعدل عام 2022، الذي ألزم الدولة بتمكين المرأة ودعمها للقيام بدورها في بناء المجتمع، بما يضمن تكافؤ الفرص وحمايتها من التمييز والعنف. كما صادقت الأردن على اتفاقيات دولية عدة، أبرزها اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو)، مما يعكس التزاماً رسمياً بقضية التمكين.
تُعد التنمية المستدامة إطارًا مثاليًا لتحقيق هذا التمكين، نظرًا لطبيعتها الشمولية التي تدمج بين الأبعاد الاقتصادية والسياسية والتعليمية؛ فتمكين المرأة اقتصادياً لا يعني فقط إدخالها إلى سوق العمل، بل يشمل أيضاً ضمان العدالة في الأجور، وتوفير فرص الريادة والتمويل، مما يعزز استقلالها ويزيد من إنتاجيتها. أما في الجانب السياسي، فإن حضور المرأة في مواقع صنع القرار يُعد مؤشرًا على نضج المجتمع وديمقراطيته، ويسهم في خلق سياسات أكثر عدالة وشمولية، وعلى الصعيد التعليمي، فإن الاستثمار في تعليم الفتيات والنساء ينعكس مباشرة على صحة الأسرة، ومستوى المعيشة، ونوعية الأجيال القادمة.
ورغم كل ما تحقق، ما زالت الفجوات قائمة، وتكمن أبرز الإشكاليات في قصور بعض السياسات العامة عن معالجة الجذور الثقافية والاجتماعية التي تعيق تمكين المرأة، إلى جانب غياب برامج فعالة في المناطق المهمشة، وافتقار النساء إلى آليات الدعم والتمويل والمرافقة المؤسسية.
وفي مواجهة هذه التحديات، تظهر الحاجة إلى رؤى عملية تتكامل فيها أدوار الدولة والمجتمع المدني والقطاع الخاص، من خلال تطوير السياسات، وتحسين التعليم والتدريب المهني، وتمكين النساء في الريف والمناطق النائية، وتوسيع مشاركتهن في الحياة العامة. كما أن نشر الوعي بحقوق المرأة وتغيير الأنماط المجتمعية السائدة يُعد خطوة أساسية على هذا الطريق.
من هنا، لا يمكن الحديث عن تنمية مستدامة حقيقية دون تمكين فعلي وشامل للمرأة، فهي ليست فقط نصف المجتمع عدديًا، بل هي قوة فاعلة وقادرة على إحداث الفرق، إذا ما أُتيحت لها الفرصة العادلة. إن تعزيز مكانة المرأة من خلال الأبعاد المتداخلة للتنمية المستدامة يُشكل مدخلاً جوهريًا لبناء مجتمع أكثر عدلاً وتوازنًا، تتساوى فيه الفرص، وتُحترم فيه الحقوق، وتُصان فيه الكرامة الإنسانية دون تمييز.


