مجلة مال واعمال

“تعديل البشر” بيولوجيا لمواجهة التغير المناخي

-

 بات لا يوجد أدنى شك بأن الاحتباس الحراري هو أحد اكبر التهديدات التي تواجه البشرية، ولهذا يعكف الباحثون والعلماء الى ايجاد حلول جذرية مبتكرة خصوصا في ظل عدم تمكن حكومات الدول الاتفاق على قرارات خفض انبعاث الطربون والتحول الى الطاقة المتجددة. 
وتتنوع هذه الحلول التي تعد طموحة منها فكرة ضخ الغبار في الغلاف الجوي أو البحث عن كوكب شبيه بالارض والعيش فيه أو بناء مظلة ضخمه لحماية الكوكب. 
واليوم يطل علينا مدير برنامج أخلاقيات علم البيولوجيا في جامعة نيويورك البروفيسور ماثيو ليو بفكرة تعديل البشر بيولوجيا، لمجابهة التغير المناخي بدلا من ايجاد تغيير في سلوكياتنا التي تسبب الاحتباس الحراري. 
ويناقش ليو الأمر بأنه وفريقه بحثوا كل الحلول التي طرحت لمجابهة هذه الظاهرة، غير أنهم وجدوا ان تعديل البشر بيولوجيا لم يطرح من قبل ويقول “الفكرة تقوم على تعديل بعض الصفات البيولوجية لدى البشر بهدف الحد من التأثيرات الضارة التي يسببونها للبيئة”. 
البروفيسور ليو يقول إنه تعديل البشر بيولوجيا ينجم عنه إنتاج بشر أكثر حفاظا على البيئة من خلال تغيير بعض المكونات البيولوجية، مثل تغيير أحجامنا، أو نظامنا الغذائي. 
وفي الوقت الذي لا يطالب فيه ليو بالشروع بشكل جاد في برنامج عالمي موسع لتعديل البشر بيولوجيا، تظل الفكرة في حد ذاتها تجربة مثيرة تقدم لنا منظورا جديدا للتعامل مع الآثار التي يمكن أن يحدثها البشر على كوكب الأرض. فهذه ليست أفكارا إلزامية، لكن يستحسن أن تكون مجرد خيارات أمام البشر.  
وإذا ما نظرنا بعمق في العالم من حولنا نجد ان هذه الفكرة طبقت منذ فترة بشكل أو بآخر فالصين في العام 1979 طبقت سياسة انجاب طفل واحد فقط في الاسرة، لعدة أسباب منها البيئية والاقتصادية وغيرها من الاسباب.
إذن هذه ليست المرة الاولى التي يلجأ فيها العالم الى ممارسات تتعلق بالسيطرة البيولوجية في بعض المجتمعات من أجل الحد من الأثر السلبي لها على البيئة. 
وفي العام 1936، اكتسبت جزيرة تيكوبيا في المحيط الهادئ شهرة عندما أعلن عالم الأنثربولوجي (علم الإنسان) الشهير ريموند فيرث أن سكان الجزيرة اتبعوا نظاما صارما لتحديد النسل للحيلولة دون استنزاف موارد الجزيرة المحدودة. 
ولكن ليو يريد أن يذهب الى ابعد من ذلك سعيا لكي نصبح أكثر صداقة مع البيئة، وأكثر حفاظاً عليها، رغم أن ذلك سيجد رفضا كبيرا بين فئات واسعة من المجتمعات. 
تقليص استهلاكنا للموارد الطبيعية هي إحدى الاستراتيجيات التي يقترحها ليو ويوضح “اذا قللنا من استهلاك اللحوم يمكننا تقليص تأثيرنا على البيئة، لأن الغازات المنبعثة التي تسبب الاحتباس الحراري الناتجة عن تربية الماشية فقط تصل إلى 18 في المئة، يقول علماء البيئة إن تقليل استهلاك اللحوم الحمراء يساعد على خفض انبعاث غاز ثاني أكسيد الكربون بشكل كبير، ولكن كيف يمكننا أن نقلل استهلاك اللحوم ونحن لا نقدر على مقاومة شهيتنا عندما نشم رائحة اللحم المشوي؟”.
ويضيف “ماذا لو أمكننا هندسة البشر بيولوجيا لكي يكرهوا مذاق ورائحة اللحوم، أو جعلهم يتقززون من تناول البرغر بجميع أنواعه؟”، فالهندسة البيولوجية يمكنها أن تحفز كراهية اللحوم الحمراء لدى البشر من خلال تعديل جهاز المناعة ليرفض بروتينات لحوم البقر على سبيل المثال. ويمكن القيام بذلك كما يقترح ليو استخدام ضمادة طبية تماما كمثل ضمادة النيكوتين، تجعلنا نتقيأ إذا تناولنا اللحوم الحمراء. 
وهذا الأمر لن يكون ضربا من الخيال او فكرة لفيلم خيال علمي مثير، فهنالك حشرة القراضة المنتشرة جنوب الولايات المتحدة التي يكفي لدغة منها للبشر لجعلهم يتحولون الى نباتيين، لأن لدغة هذه الحشرة تطور لدى البشر حساسية تجاه اللحوم. 
ولن يقتصر الأمر على ذلك فحسب اذ يمكن للهندسة البيولوجية تقليص أحجام أجسادنا، إذ يرى ليو أن تقليص طول الانسان لغاية 15 سم يعني خفض حجم الانسان بنسبة 25 % أي أن المرء سيحتاج الى كمية ظعام وشراب اقل.
ورغم وجود نظرة اجتماعية مختلفة تجاه قصار القامة إلا أنهم يعيشون عمرا أطول مقارنة بغيرهم، ويجدون مقاعد تناسبهم بشكل أفضل في وسائل المواصلات وفي الطائرات. 
ولن يتوقف الأمر عن هذا الحد فالعلماء يحاولون ايجاد تغييرات كبيرة على البشر لحماية كوكب الارض، ومن هذه الافكار تعديل حاسة البصر لدى البشر لكي تستطيع الرؤية بشكل افضل في الضوء الخافت من اجل تقليل فاتروة الطاقة، ويفكر آخرون في جعل البشر يدخلون في سبات شتوي لكي يتخلصون من فكرة حرق الفحم لتدفئة المنازل. 
وكل هذه الأفكار لن تتحقق في المستقبل القريب لكنها أفكار مثيرة للاهتمام، وقد تشكل بعضها حلا لظاهرة الاحتباس الحراري ويجادل ليو أن كثير من البشر يميلون إلى تغيير أجسادهم مثلا لكي يبدون أكثر جاذبية من خلال عمليات التجميل، ويقول “الفكرة ليست متطرفة على العكس هي فكرة وجدت لحماية البشر من الخطر المحدق نتيجة ممارساتنا الجائرة” ويضيف “الاجيال المقبلة ستكون اكثر استعدادا لقبول فكرة الهندسة البيولوجية لأنها ستلمس بقوة اثار التغير المناخي والتهديد الذي سيشكله على حياتهم”.