لم يعد معظمنا في حاجة إلى أن يذهب إلى البنك سيرا على الأقدام لكي يدفع إحدى فواتيره، أو يذهب لمتجر لشراء ملابس جديدة؛ فكل ذلك يمكن إنجازه عبر الإنترنت.
لكننا لا نزال نذهب إلى عيادة الطبيب، وننتظر كثيرا في دورنا حتى نحظى بمقابلته، على الأقل حتى وقتنا الحالي. فهل يمكن أن نستغني عن زيارة الأطباء في المستقبل؟
هناك عدد متزايد من مقدمي الخدمات الصحية، ومبتكري البرامج الإلكترونية، ورجال الأعمال ممن يركزون على تقديم الخدمة الصحية من خلال الهاتف المحمول، أو ما يعرف اختصار باسم “إم-هيلث” (أو الخدمة الصحية عبر الهاتف)، وذلك لتحسين طرق الرعاية المقدمة للمرضى.
ويعني ذلك ببساطة تمكين الأجهزة التكنولوجية الحديثة، مثل الساعات الذكية، وأجهزة استشعار حالة البدن، أو غيرها من التطبيقات الصحية المتخصصة التي تعمل على الهواتف الذكية، من جمع المعلومات الخاصة بوضعنا الصحي لحظة بلحظة، وهي المعلومات التي يمكن لاحقا إرسالها إلى أحد الأطباء لمراجعتها.
ويَعدُ هذا المجال الجديد بتحقيق نمو هائل في الفترة المقبلة. ووفقا لشركة “ماركيتس آند ماركيتس”، وهي شركة متخصصة في أبحاث السوق ومقرها الهند، سيبلغ حجم صناعة التطبيقات الصحية عبر الهاتف 59 مليار دولار أمريكي بحلول عام 2020. ووقتها، ستحقق هذه الصناعة معدل نمو سنوي مركب يصل إلى 33,4 في المئة بين الحين والآخر.
وتضيف الشركة أنه مع تحقيق هذا القدر من النمو، سيكون هناك ازدهار كبير في سوق الوظائف، وخاصة بالنسبة لمطوري البرامج الإلكترونية، والباحثين الأكاديميين، والمهندسين، وخبراء التعامل مع البيانات ذات الحجم الضخم، والمولعين بالتقنيات الحديثة، والأطباء، والعاملين الميدانيين في مجال تقديم الخدمات الصحية عبر الهاتف.
الوصول إلى الأماكن النائية
لقد أصبح هناك بالفعل ارتفاع حاد في الطلب على العاملين الميدانيين في قطاع الصحة، وخاصة العاملين في مناطق ريفية في أفريقيا، حيث يمكن للأطباء أن يحضروا مرات قليلة فقط في الشهر الواحد لرؤية مرضاهم في تلك المناطق.
وقال ريك بلومفيلد، الأستاذ المساعد في طب الأطفال بجامعة ديوك بالولايات المتحدة: “نحن في حاجة إلى أناس يؤسسون تلك التكنولوجيا، وأناس بمقدورهم أن يقدموا شيئا مفيدا من خلال تلك البيانات التي يجري تجميعها”.
ويعتقد بلومفيلد، وهو أيضا مدير وحدة النظم الصحية لإستراتيجية تقنيات الهاتف بنفس الجامعة، أن دولا في منطقة جنوب الصحراء الكبرى بأفريقيا، وبعض الدول النامية الأخرى، سوف تستفيد أكبر استفادة من هذه التكنولوجيا الجديدة، لأنها من المرجح أن تعتمد بشكل أكبر على تطبيقات الهواتف لتلبية احتياجات سكانها المتعلقة بالرعاية الصحية.
فبينما هناك عدد كبير من السكان يعيشون في أماكن بعيدة جدا عن أماكن الأطباء أو المستشفيات بشكل لا يمكنهم معه الحصول على العلاج، فإن نحو 80 في المئة من سكان القارة الأفريقية لديهم هواتف محمولة، وذلك بحسب مركز “بيو” للأبحاث.
قفزة في سوق الوظائف
ومن المرجح أن تتخذ الوظائف في مجال الرعاية الصحية عبر تطبيقات الهاتف أشكالا عديدة.
وبداية، سيكون هناك طلب على الأطباء الذين بمقدورهم المساعدة في تصميم وتصور تطبيقات جديدة، أو في استخدامات برامج الرعاية الصحية عبر الهواتف، كما قال ريتشارد جيفرسون، مدير برنامج “كود هيلث” في انجلترا، التابع لمؤسسة الخدمة الصحية الوطنية في بريطانيا “إن إتش إس”.
ويحلل برنامج “كود هيلث” كيفية الاستعانة بالأدوات الرقمية الحديثة في قطاع الرعاية الصحية في المملكة المتحدة.
وليست هناك حاجة ماسة لتعلم العاملين في مجال الرعاية الصحية للرموز الخاصة بلغات البرمجة، لكن إذا كان لديهم أي خبرة تتعلق بمجال التكنولوجيا، أو يشعرون براحة في اختبار برامج وأدوات إلكترونية حديثة، فهؤلاء سيحققون تقدما سريعا مقارنة بأقرانهم الذين ليست لديهم مثل هذه المعرفة.
كما سيزيد الطلب أيضا على مطوري البرامج والمهندسين الذين يمكنهم ابتكار برامج ووسائل تقنية جديدة للاستخدام في المجال الطبي، حسبما قال جيفرسون.
وسوف يكون الأمر مفيدا أيضا إذا كان هؤلاء المهنيون لديهم خبرة في مجال الرعاية الصحية، أو كان بمقدورهم على الأقل أن يشعروا بارتياح في الحديث إلى الأطباء والمسؤولين التنفيذيين في المستشفيات.
كما ستكون هناك حاجة أيضا إلى خبراء في التعامل مع البيانات التي تُجمع، وهم أناس يمكنهم أن يحللوا ذلك الكم الهائل من المعلومات الخاصة بالمرضى، وأن يخرجوا منها بنتائج ذات مغزى.
فذلك الكم الهائل من المعلومات سوف يُرسل إلى المستشفيات من خلال العديد من الأجهزة الإلكترونية التي لا تحصى عدا، كما قال كيفين فيجيلانت، نائب رئيس شركة “بوز آلين هاميلتون”، وهي شركة عالمية متخصصة في تقديم الاستشارات الإدارية.
وأضاف فيجيلانت: “جميع هذه البيانات، سواء كانت مقاطع فيديو، أو رسائل نصية، أو أرقام، سوف تحتاج إلى من يحللها. وستكون هناك أيضا حاجة إلى ابتكار صيغ رياضية لتحويل تلك البيانات إلى معلومات مفيدة.”
وفي الدول النامية، ستكون هناك حاجة إلى أناس لتقديم تلك التقنيات الجديدة إلى الأماكن التي يصعب الوصول إليها، ولتثقيف المرضى حول طرق استخدام تلك التطبيقات على الهواتف المحمولة.
كما ستكون هناك حاجة أيضا إلى أكاديميين يستطيعون دراسة تأثير التكنولوجيا على قطاع الرعاية الصحية، وإلى رجال أعمال يرون فرصة حقيقية في الاستثمار في ابتكار وسائل التكنولوجيا الجديدة ونشرها.
نمو كبير
إن ظهور الهواتف الذكية دفع بقوة تقنيات الرعاية الصحية عبر الهواتف إلى الأمام.
إذ يمكن لمرضى القلب حاليا أن يستخدموا ساعة ذكية لقياس معدل ضربات القلب لحظة بلحظة، ويمكن لمرضى السكري أن يتعرفوا على قراءة نسبة الجلوكوز في الدم من خلال استخدام هاتف ذكي، وبالتالي يمكنهم إرسال تلك البيانات إلى أطبائهم في الحال.
وفي الوقت الحالي، تستخدم تقنيات الرعاية الصحية عبر الهواتف بصورة كبيرة في مراقبة ضغط الدم المرتفع، ودرجة السمنة، ونسبة السكر في الدم، وحالات الربو، كما يقول بلومفيلد.
وفي المستقبل، ربما لا تكون تلك الأجهزة قادرة على مراقبة كيفية تعامل شخص ما مع حالته المرضية فقط، وإنما قد تصبح قادرة أيضا على توقع وقت حدوث أمر طبي طارئ، مثل الأزمات القلبية.
ويعتقد بلومفيلد أيضا أن الناس في يوم ما في المستقبل، سوف يبتلعون رقائق إلكترونية صغيرة يمكنها أن تعطي الأطباء فرصة لإلقاء نظرة داخل أجسام هؤلاء الأشخاص دون الحاجة إلى ذهابهم إلى المستشفى بأنفسهم.
وتعد مهنة الطب داعما كبيرا لمجال الرعاية الصحية عبر الهاتف، لأن ذلك المجال الناشئ يجعل الأمر أكثر سهولة على الأطباء في ممارسة عملهم، كما يقول بلومفيلد.
فالأطباء على سبيل المثال يطلبون في الغالب من مرضاهم أن يسجلوا البيانات المتعلقة بضغط الدم لديهم في المنزل. لكن معظم المرضى يفشلون في الاستمرار في تسجيل مثل تلك البيانات، أو أنهم لا يقومون بقياس ضغط الدم بشكل صحيح من الأساس.
كما أن العديد من المرضى قد ينسون أن يأخذوا تلك البيانات معهم إلى الطبيب عند الزيارة، ويتركونها في المنزل.
لكن الآن، ومع وجود مثل هذه الأجهزة التي تتمكن من قياس ضغط الدم وتكون متصلة في الوقت نفسه بعيادة الطبيب، “سيكون من الأسهل تتبع تلك البيانات والأرقام الخاصة بهؤلاء المرضى،” كما قال بلومفيلد.
وهذا الأمر يمكنه أن يعطي بعض الوقت للأطباء للتفرغ لرؤية حالات أكثر عرضة للخطر، وأن يوفر النفقات في قطاع الرعاية الصحية، كما قال فيجيلانت، الذي أضاف أنه كلما كان الناس أكثر صحة، قلت أسعار تلك التقنيات الحديثة.
ووفقا لتقرير صادر عن مؤسسة “أكسينتشر”، فإن الرعاية الصحية عبر الهواتف سوف توفر على قطاع الرعاية الصحية الأمريكي ما يقرب من 100 مليار دولار خلال السنوات الأربع القادمة.