تمضي المملكة قدما بخطى واثقة نحو تطوير علاقاتها الاقتصادية مع دول العالم وفق رؤية المملكة 2030، من ضمنها الولايات المتحدة الأميركية التي تتجاور حجم تجارتها البينية والاستثمارية الصناعية المشتركة أكثر من تريليوني ريال بين البلدين الصديقين في تطور لافت ومستقبل مشرق تجسد عمق ومتانة التحالف الاقتصادي التنموي التاريخي بين البلدين والذي بزغ فجره مع اتفاقية التنقيب عن البترول في المملكة والتي أثمرت عن تدفق أولى قطراته عام 1938 لتمنح البلدين قيادة زمام الريادة الاقتصادية العالمية والمساهمة في تشكيل خارطة العالم الاقتصادي ونمائه وتطوره وازدهاره وإضافة قوة لتأسيس منظمة الأمم المتحدة عام 1945 التي تزامنت مع طفرة النفط السعودي الذي رسم مستقبل العالم الحضاري والتنموي والاقتصادي.
ومهدت حقبة الالتقاء السعودي الأميركي التاريخي في أعمال استكشاف النفط تدفق تحالفات إستراتيجية صناعية ذات ثقل كبير جداً بين قادة صناعة النفط والطاقة والغاز والبتروكيماويات والتعدين بين البلدين ضمت من الجانب الأميركي شركات إكسون موبيل، وشل، وداو، وشيفرون، ومن الجانب السعودي شركات أرامكو السعودية و”سابك” رابع أكبر شركة بتروكيماوية في العالم، ومعادن متصدرة صناعة التعدين في العالم، في استثمارات سعودية أميركية مشتركة بين الجانبين يفوق حجم تكلفتها 500 مليار ريال في المملكة والولايات المتحدة وتحالفات مشتركة في اليابان والصين، فضلاً عن التحالفات الأميركية السعودية في مصافي التكرير ومصانع البتروكيماويات بالجبيل الصناعية والتي تقدر حجم استثماراتها بأكثر من 120 مليار ريال وأبرزها تحالف شركة داو مع أرامكو في شركة صدارة للكيميائيات بقيمة 75 مليار ريال، وتحالف شركة شل مع أرامكو في مصفاة أرامكو شل ساسرف بحجم استثمار يقدر بنحو 20 مليار ريال، وتحالف “سابك” مع شركة أكسون موبيل في شركة كيميا وشركة ينبت، فضلاً عن شركات شيفرون باستثمارات تقدر بنحو 30 مليار ريال، وغيرها من الاستثمارات الأميركية السعودية المربحة.
أضخم الاستثمارات السعودية الأميركية
وساهم في تحقيق هذه المنجزات مجلس الأعمال السعودي الأميركي الذي كان يرأسه م. محمد الماضي الرئيس التنفيذي الأسبق لشركة “سابك” الذي نجح وفريق عمله خلال فترتهم السابقة في قيادة الأعمال التجارية والصناعية والاستثمارية بين البلدين والتمهيد لتحالفات ضخمة بين شركات أرامكو و”سابك” والشركات الأميركية من خلال تعزيز فهم أوسع بين الشركات الأميركية والسعودية وتوفير المعلومات حول الفرص التجارية المحددة، حيث تأسس المجلس في الولايات المتحدة في ديسمبر 1993 ولديه مكاتب في واشنطن والرياض، في حين يضم مجلس الإدارة رجال أعمال بارزين من الولايات المتحدة والمملكة ويمثل المجلس مرجعا رئيسا بشأن الفرص التجارية المتاحة لمجتمعات الأعمال السعودية والأميركية ومن أبرز المهام تعزيز العلاقات التجارية بين البلدين وتنميتها وتوسيعها عن طريق تشجيع التجارة والاستثمار؛ حيث تم تحقيق منجزات هائلة في كلا البلدين حيث ساعد المجلس العديد من الشركات السعودية الكبيرة والمتوسطة والصغيرة والشركات حديثة التكوين في استقطاب شركاء لهم بالولايات المتحدة الأميركية والعمل على ضمان استمرار علاقات متينة وناجحة بين هذه الشركات.
ونجح هذا المجلس في إيجاد قاعدة معلومات مكنت الشركات أن تستمد منها بيانات عن الأسواق السعودية والأميركية، وتكوين شبكة اتصالات في كلا البلدين لتبادل المعلومات عن فرص التجارة والاستثمار، إضافة إلى تعميق الروابط بين رجال الأعمال السعوديين والأميركيين بما يخـدم مصالحهـم المشتركـة في مجالي التجارة والاستثمار المشترك في كلا البلدين، فضلاً عن تعميق وتوسيع الحضور السعودي في الولايات المتحدة وتوسيع الحضور الأميركي في المملكة بما يخدم مصالح البلدين وقطاعي الأعمال. كما يحاول المجلس السعي لإيجاد مناخ ملائم للتعاون الاقتصادي بين رجال الأعمال في كلا البلدين، والعمل مع الجهات المختصة في حكومة المملكة والحكومة الفيدرالية الأميركيـة وحكومـات الولايـات الأميركية المختلفة، وكذلك مؤسسات القطاع الخاص في البلدين لتذليل الصعوبات التي قد تعتـرض نشاط رجـال الأعمال في البلدين.
مساعٍ سعودية مضنية لجذب الاستثمارات الأميركية
وتسلط “الرياض” على جهود المجلس للترويج للاستثمار والتسويق للتجارة في الولايات المتحدة الأميركية حيث اتضح أنه يركز في ذلك على تقديم تصور إيجابي عن المملكة كبلد مغرٍ للشركات الأميركية للاهتمام به واعتباره في نشاطهم التجاري، بالإضافة إلى توفير المطبوعات التجارية حيث يصدر المجلس عدداً من المطبوعات منها التقارير السنويـة عن القطاعـات الاقتصاديـة بالمملكـة ونشرة الأعمال التي تصدر كل شهرين ويتم تحديد أفضل السبل التي يمكن لمجلس الأعمال السعودي الأميركي تقديم خدماته من خلالها في المملكة والولايات المتحدة الأميركية ومنها زيادة وعي الشركات الأميركية الصغيرة والمتوسطة الحجم بالفرص المتوفرة في مجال الأعمال بالمملكة والترتيـب والإعداد لحـوارات رجال الأعمال السعوديين والأميركيين المنبثقة من الحوار الإستراتيجي السعودي الأميركي في كلا البلدين بالتناوب.
ويشارك المجلس في أكبر المعارض التجارية التي تقام في مختلف أرجاء الولايات المتحدة الأميركية وذلك بهدف التعريف بالفرص التجارية والاستثمارية في المملكة في مختلف القطاعات والتي تشمل النفط والتكرير والطاقة والتعدين، والاتصالات، والتقنية الطبية، والبناء، والبلاستيك، وغيرها في ظل اجتماعات سعودية أميركية استثمارية دؤوبة واجتماعات دورية بين الجانبين لتعزيز أواصر العلاقات المشتركة والاستثمارات في حين تعود الذكريات إلى فكرة إنشاء المجلس ومراحل تكوينه حيث بدأت فكرة إنشاء اللجنة السعودية الأميركية المشتركة للتعاون الاقتصادي عام 1978م والتي تعمل منذ أنشائها على تنشيط الحوار بين رجال الأعمال في المملكة والولايات المتحدة الأميركية حيث كانت تتم دعوة رجال الأعمال في البلدين للحوار فيما يسمى (حوار رجال الأعمال) والذي يتم في أوقات متزامنة مع اجتماعات اللجنة، ويرأس ذلك الحوار اثنان من كبار رجال الأعمال من الجانبين. وتم تسجيل المجلس رسمياً وإشهاره بصفة قانونية في الولايات المتحدة الأميركية تحت اسم (شركة مجلس الأعمال السعودي الأميركي) في 30 ديسمبر 1993م.
ومهد مجلس الأعمال السعودي الأميركي لأضخم الاستثمارات وتحالف شركتي أرامكو وشل في خمس مصافٍ نفطية وبتروكيماوية في المملكة والولايات المتحدة واليابان عبر الملكية المشتركة في مصافي موتيفا في أميركا وساسرف بالجبيل الصناعية، وشوا شل في اليابان، بحجم استثمار يقدر بنحو 100 مليار ريال، وأرامكو وداو في أضخم مجمع للبتروكيميائيات عبر شركة صدارة بحجم استثمار 75 مليار ريال في الجبيل الصناعية، وأرامكو وإكسون موبيل في مصافي نفطية وبتروكيماوية وتسويق بترول في المملكة في مجمع سامرف، ولمومرف في ينبع الصناعية، وفي الصين في مجمع فوجيان، وسينوبك سينمي، باستثمار 50 مليار ريال.
فيما تتزعم شركة “سابك” أضخم المشروعات البتروكيماوية السعودية الأميركية المشتركة في التحالف العملاق مع شركة إكسون موبيل في شراكة تاريخية في شركة كيميا بالجبيل بحجم استثمارات يفوق 20 مليار ريال، وأنشئت عام 1980 لإنتاج الأوليفينات المتعددة منها الإيثيلين والبروبلين ومنها أصبحت المملكة أول منتج للبولي إيثيلين، ونجاح الشركتين مؤخراً في تدشين مشروع المطاط البالغة حجم استثماراته 12.7 مليار ريال. إضافة الى تحالف الشركتين الضخم في شركة ينبت في ينبع باستثمار 20 مليار ريال.
هيمنة أرامكو وسابك في الأسواق الأميركية
وقد نجحت “سابك” في تعزيز تواجدها في قلب الأسواق الأميركية باستثمارات تقدر بنحو 30 مليار ريال من خلال عدة شركات تملكها هناك بملكية منفردة، فيما تسعى لمضاعفة حجم استثماراتها في أميركا من خلال تحالف مرتقب مع شركة إكسون موبيل في مجمع مشترك للبتروكيماويات.
في حين تسعى أرامكو حالياً لتعزيز تواجدها وهيمنتها في قلب أميركا من خلال رفع إجمالي طاقتها التكريرية في أميركا لنحو مليون برميل يوميا من خلال مصفاة النفط العملاقة موتيفا في بورت آرثر في تكساس والتي تملكتها أرامكو أخيرا والتي تعد الأن أكبر منتج للبنزين والديزل وغيرها من المنتجات النفطية في الولايات المتحدة الأميركية بطاقة 600 ألف برميل يومياً.
علاقة إكسون التاريخية
في وقت تخوض شركة إكسون موبيل الأميركية في المملكة علاقة تاريخية في قطاع صناعة النفط والتكرير والبتروكيماويات بالمملكة حيث بدأت قبل أكثر من 85 عاماً مع تسويقها للمنتجات البترولية، ومشاركتها بعد 20 عاماً في شركة النفط العربية الأميركية “أرامكو” الأصلية. وفي أوائل الثمانينيات من القرن الماضي، ومن خلال مشروعاتها المشتركة مع شركة مصفاة أرامكو السعودية موبيل المحدودة “سامرف” ومع شركة “سابك” في مشروع شركة الجبيل للبتروكيماويات “كيميا” وشركة ينبع السعودية للبتروكيماويات “ينبت” شاركت في عمليات عالمية المستوى لتكرير النفط وتصنيع البتروكيماويات في المملكة حيث لاقت هذه المنشآت نجاحاً بعد أن تم تشييدها للاستفادة من المعروض الكبير من الهيدروكربون للبترول في البلاد لاستخدامه كمادّة أولية.
وتبرز أهمية مصفاة “سامرف” في ينبع في تكرير الزيت الخام داخل المملكة وتمكينها تصدير منتجات بترولية مكررة بخلاف الزيت الخام مما يشكل نقلة نوعية كبيرة في كيفية الاستغلال الأمثل لثروات البلاد النفطية. في وقت ساهم وجود الطاقة البترولية في المنطقة الغربية من المملكة إسهاماً إيجابياً سريعاً في إقامة منطقة صناعية كبرى جديدة إضافة إلى المناطق الصناعية الأخرى في المملكة، مع تحقيق مصدر دخل جديد من خلال عائد تصدير منتجات المصفاة إلى السوق الدولية، وإتاحة فرص جديدة للكفاءات السعودية المدربة للمشاركة في برامج التصنيع مع توفير التدريب وبرامج التطوير الوظيفي للشباب السعودي وتأهيلهم في حين بدأت المصفاة بمعالجة ما يزيد على 263 ألف برميل في اليوم من خام الزيت العربي الخفيف وتطورت الآن لتعالج ما يزيد على 400 ألف برميل يومياً، وتصل الطاقة التخزينية إلى 13.2 مليون برميل، وتعد إكسون موبيل حالياً واحدة من أكبر المستثمرين الأجانب في المملكة، إلى جانب كونها من أكبر جهات القطاع الخاص التي تشتري النفط الخام من أرامكو السعودية، ومن خلال الحصص التي تملكها في مشروعات مشتركة، فقد شاركت في قطاعي تكرير البترول وتصنيع البتروكيماويات في المملكة على مدى أكثر من 35 عاماً.
صناعة المطاط لأول مرة في المملكة
وتسعى المملكة في إطار التزامها بتنويع اقتصادها إلى التركيز على الصناعات ذات القيمة المضافة التي يمكنها أن تستفيد من المواد الخام التي ينتجها قطاع البتروكيماويات المحلي، حيث تتجه المملكة نحو الصناعات التحويلية لتحقيق قيمة مضافة ونمو مستدام من خلال تنفيذ برامج التنقيب الطموحة لتحويل الموارد الطبيعية في المملكة إلى احتياطيات غاز جديدة وإنتاجها باستخدام وتطوير أحدث التقنيات، مما يعجل بزيادة طاقة إنتاج الغاز في المملكة لأكثر من 15 بليون قدم مكعبة قياسية في اليوم ونجاح المملكة بتشييد أكبر شبكة تكرير في الشرق الأوسط بطاقة أكثر من 3.5 ملايين برميل في اليوم. فيما تزخر الصناعة البتروكيماوية السعودية اليوم بحقبة ذهبية أميركية سعودية لتشهد أكبر نمو في تاريخها ونمو إجمالي إنتاج المملكة من المواد البتروكيماوية والمواد الكيماوية والبوليمرات الى أكثر من 100 مليون طن بنسبة نمو قدرها 250٪ في وقت تعكف المملكة مع مصنعي البتروكيماويات بالبلدين لتنويع منتجات المملكة لتشمل 120 منتجاً جديداً تمكن من إقامة صناعات تحويلية جديدة تسهم في دعم الاقتصاد الوطني، ومن هذه المنتجات الصناعية المطاط الصناعي والمستخدم في صناعة الإطارات.
جذب أكبر الشركات الأميركية نفوذاً عالمياً
وهذا ما دفع بمجلس الأعمال السعودي الأميركي لمضاعفة الخطى نحو فتح آفق استثمارية جديدة مع المستثمرين الأميركيين في وقت نجح قطاع البتروكيماويات السعودي في جذب أكبر الشركات الأميركية في العالم نفوذا في هذه الصناعة وامتلاك تقنياتها وأبرزها شركات داو، وشل، وشيفرون فليبس، وإكسون موبيل، وهنتسمان وغيرها في استثمارات سعودية أميركية بتروكيماوية تكريرية تعد الأضخم من نوعها عالمياً على الإطلاق تتمركز بالجبيل وينبع ورأس الخير بحجم استثمارات تقدر بنحو 300 مليار ريال في تحالفات ضخمة مع أرامكو وسابك ومعادن وشفرون فليبس السعودية وسبكيم والتصنيع والعديد من الصناعات التحويلية فضلا عن شركة بكتل التي كانت ولاتزال خلف تخطيط وتصميم وإنشاء مدينتي الجبيل وينبع الصناعيتين.
ويتزعم أكبر وأضخم الاستثمارات الأميركية مشروع شركة صدارة للكيميائيات المشترك لأرامكو السعودية مع شركة داو كيميكال كومباني التي تتأهب لتدشن مصانعها البالغ عددها 26 مصنعا كيميائيا في مجمعها الضخم بالجبيل2 الذي يعد أكبر مجمع للكيميائيات في العالم بمنتجات جديدة لأول مرة تنتج في الشرق الأوسط بطاقات هائلة تبلغ 3 ملايين طن متري سنويا دفعة واحدة من المنتجات الكيميائية والبلاستيكية الخام وبحجم استثمارات ضخمة بتكلفة 75 مليار ريال كأضخم استثمار من نوعه يضخ لمشروع واحد في العالم. ويسعى الشركيان تحقق إيرادات سنوية تبلغ نحو 37.5 مليار ريال (ما يعادل 10 مليارات دولار) خلال بضع سنوات من تشغيلها، مع تحقيق إجمالي ربح مؤكد بمقدار 1.875 مليار ريال (ما يعادل 500 مليون دولار) للشريكين في المجمع.
وكذلك الحال في إنتاج الألمنيوم يدخل الجانب الأميركي بثقل وثقة متناهيتين في مجمع (معادن) للألمنيوم في رأس الخير الذي يعد الأكبر من نوعه في العالم بتكلفة (40.5) مليار ريال، وتمتلك شركة التعدين العربية السعودية معادن نسبة 74,9% من مجمع الألمنيوم وشركة الكوا الأميركية نسبة 25,1% ويعتبر أكبر مشروع متكامل من المنجم إلى الدرفلة لإنتاج الألومنيوم مدعماً باستفادة المشروع من موارد البوكسايت في المملكة لإنتاج وبيع الألومنيوم في السوق المحلي والعالمي وكذلك تسهيل تطوير الصناعات التحويلية المحلية في المملكة. وقد نجحت معادن في الإنتاج التجاري والتسويق لمختلف أسواق العالم مع خطط معادن المنبثقة من سياسة حكومة المملكة الداعية بضرورة الاستفادة من ثروات المملكة الهائلة من مدخرات الألمنيوم والعمل على إقامة تجمعات صناعية تحويلية بالقرب من موقع مجمع معادن للألمنيوم الأمر الذي دفع المستثمرين العالميين للتفكير والتخطيط لانتزاع فرص استثمارية وبناء مصانع تحويلية يتوقع أن يبلغ حجم استثماراتها 100 مليار ريال.