مال واعمال – الامارات العربية المتحدة – تحت المجهر
جملة من الاضطرابات حملها وباء كوفيد-19 عن عام لم تتوقف على الاضطراب الاقتصادي فحسب، بل يُنتظر أن يُلحق تغييرات جذرية بعيدة المدى بأسلوب معيشتنا وعملنا.
فقد أبرز الوباء من جديد المخاطر التي يقوم بها البشر من خلال السماح لأطراف صغيرة في صناعة التجهيزات الغذائية بالإبقاء على حيوانات حية في ظروف مروعة داخل أقفاص ضيقة.
ولا أحد يعرف على وجه اليقين كيف انتشر الوباء، لكن تبقى الفرضية الأبرز هي أن كوفيد-19 نشأ في قسم للحيوانات الحية داخل “سوق رطب” في مدينة ووهان الصينية.
ومنذ ذلك الحين أخذ الفيروس في الانتشار بلا هوادة عن طريق أحد أعظم إنجازات البشرية، وهو السفر الجوي العالمي الرخيص والمتكرر.
وكان بيتر نايتس عضو حملة “وايلد إيد” الخيرية قد سبق وحذر من أسواق الحيوانات البرية قبل سنوات، واصفاً إياها بأنها “قطعة صغيرة من الحجيم”.
وبحوزة مؤسسة “وايلد إيد” فيلم صُور في الصين يُظهر أقفاصاً صغيرة تكتظ بالأوز والقطط والثعابين وحيوانات أخرى، وقد تكدست فوق بعضها البعض.
ويقول نايتس “يُظهر الفيلم أصواتاً لحيوانات متنوعة في حالة اضطراب في ظروف مقززة”.
ويضيف “ينبغي علينا أن نوقف التجارة في الأنواع الغريبة من الحيوانات الحية من أجل الطعام. من غير المنطقي أن نسمح لهذا أن يستمر”.
ويشير العلماء إلى أنه يُعتقد أن بدء تفشي وباء الانفلونزا الإسبانية عام 1918 كان بسبب الطيور، بينما بدأ فيروس نقص المناعة البشرية بسبب القردة والإيبولا بسبب الخفافيش.
ويقول نايتس: “هذه الحيوانات تكون مضطربة للغاية داخل الأقفاص الصغيرة، وهذا يخلق ظروفاً مثالية لتكاثر الأمراض”.
وتدعم البروفيسورة ديفي سريدار، أستاذة الصحة العامة في جامعة أدنبرة، فكرة التركيز على سلاسل الإمدادات الغذائية.
وتقول “كل ما تطلبه الأمر لحدوث ذلك كان مجرد انتشار واحد. ففي لحظة ما انتقل واحد من بين مليون فيروس – ينتشر في مملكة الحيوانات- إلى الإنسان، وتمكن من الحفاظ على القدرة على الانتقال بين البشر”.
وترى أنه يجب على الحكومات أن “تراقب ممارستنا بحق الحيوانات وإزالة الغابات والكيفية التي نربي بها الحيوانات في المصانع وما إذا كنا نستخدم المضادات الحيوية”.
وتعتقد البروفيسورة سريدار أيضاً أن هناك دروساً يجب تعلمها من الطريقة التي تعاملت بها السلطات في البلدان المختلفة مع الوباء.
وترى أن الدول التي اتخذت إجراءات صارمة لوقف السفر الدولي كانت أكثر نجاحاً في الحد من الأضرار الصحية والاقتصادية الناجمة عن الفيروس.
وخلال منتصف العام، شجعت دول أوروبا الغربية الناس على السفر لقضاء عطلات في مسعى لإعادة تشغيل قطاع السفر الترفيهي. وفي هذا الإطار تقول البروفيسور سريدار “نحن الآن ندفع ثمن عطلاتنا الصيفية عن طريق إغلاقات شتوية”.
وتقول إن القادة الأفارقة في المقابل كانوا يعلمون أن أنظمتهم الصحية “لا تسمح بذلك”، لذا أوقفت مالي -على سبيل المثال- كل السفر الدولي حتى قبل أن تسجل أول حالة إصابة.
واتخذ أغلب الحكومات تدابير صارمة لإغلاق الاقتصاد وتقليل الاتصال الاجتماعي وبالتالي إنقاذ الأرواح.
لذا فمن المتوقع أن يكون الناتج العالمي لعام 2020 أقل بنسبة 4% عن العام السابق. وكان التراجع الأكبر من نصيب إسبانيا والمملكة المتحدة حيث انخفض ناتجهما بنحو 12%، في حين تراجع ناتج الهند بنحو 8%.
وثمة تباين كبير في الطريقة التي يعتمدها الإحصائيون في تسجيل بيانات مثل هذه الأوقات المضطربة، بالتالي ينبغي التعامل بحذر مع هذه الأرقام.
وتلقت شركات الخطوط الجوية العالمية نحو 170 مليار دولار من المساعدات الحكومية التي حالت دون انتشار الإفلاس بين هذه الشركات. كما تراجعت أعداد المسافرين بنسبة 60 % خلال العام، لتصل إلى ما كانت عليه قبل 17 عاما.
وكشفت الأرقام الوطنية الإجمالية لأسواق الأسهم والاقتصادات عن اختلافات هائلة بين الصناعات.
فعلى سبيل المثال، انتعش كل من منصات الإنترنت وتجار التجزئة المحليين بعدما أوقف الناس رحلاتهم الطويلة للعمل وقللوا من زياراتهم للمتاجر الكبرى.
ففي المملكة المتحدة على سبيل المثال، يعد الحليب الطازج سلعة ضرورية، بالتالي زاد الطلب على المتاجر التي تقوم بالتوصيل للمنازل.
ويقول بول وارد المسؤول في شركة ماك كوين ديريز في شيشير شمال غربي إنجلترا “لم نشهد إقبالاً بهذه الصورة من قبل. إنه أمر يشعرك بالفخر لكونك بائع حليب”.
أما بالنسبة للشركات التي تضررت بشدة من غياب الاجتماعات والمؤتمرات التي تعقد “وجهاً لوجه”، فقد كانت المرونة والقدرة على التكيف، من بين الأمور الحيوية اللازمة من أجل البقاء.
من ضمن هؤلاء، رجا دسواني، وهو خياط بدلات في هونغ كونغ مازال يشعر بالتفاؤل، رغم عام مدمر ظل فيه الناس يعملون من المنزل ويرتدون ملابس غير رسمية.
يقول دسواني إن الزبائن في آسيا بدأوا من جديد بإنفاق الكثير من المال على البدلات الرسمية. وأضاف “بعد انتهاء هذا الفيروس سيرغب الناس في القيام بأعمالهم بطريقة جادة للغاية. لن يرتدوا ملابس غير رسمية بعد الآن”.
وفي الولايات المتحدة، قرر معظم الناخبين أن وجود رجل أعمال في منصب الرئيس للسنوات الأربع الماضية لم يثبت أنه تجربة ناجحة.
وينتقد روبرت رايك، البروفيسور في جامعة كاليفورنيا بيركلي ووزير العمل السابق خلال فترة حكم الرئيس كلينتون، أداء الرئيس ترامب خلال الأعوام الأربعة الماضية، قائلا: “لقد كان مخزيا ومروعا”.
ويقر البروفيسور رايك أن الرئيس ترامب نجح في رفع أسعار الأسهم، لكنه ذلك لم يساعد معظم الناس، عند الأخذ بنظر الاعتبار أن الذين يشكلون نسبة 10 في المئة من الشعب الأمريكي يملكون 92 في المئة من سوق الأسهم.
ويقول إنه على العكس من ذلك “ظلت الأجور راكدة بالنسبة لمعظم الناس … لقد خلق عددا قليلا جدا من الوظائف ذات الأجور العالية في القطاع الصناعي”.
ويلقي البروفيسور رايك باللائمة على فشل ترامب في أن ينظر بجدية إلى تهديد كوفيد-19 “بتأثير مدمر” على الاقتصاد في عام 2020.
وعلى النقيض من ذلك، يدافع توماس فيليبسون من جامعة شيكاغو، والذي كان يرأس مجلس المستشارين الاقتصاديين في فترة حكم ترامب، عن سجل ترامب في هذه الفترة.
ويصر فيليبسون على أن مبلغ الـ 10 مليارت الذي صرفته إدارة ترامب على “عملية السرعة القصوى” (شراكة بين القطاعين العام والخاص أطلقتها حكومة الولايات المتحدة لتسهيل وتسريع تطوير وتصنيع وتوزيع لقاحات كوفيد-19 وعلاجاته ووسائله التشخيصية) قد ساعدت القطاع الخاص بنجاح على تصنيع لقاح لكوفيد-19 أثبت أن السياسة في التعامل مع تفشي الوباء كانت ناجحة.
كما يصر أيضا على أن عددا أكبر من الأمريكيين الذين يتلقون أجورا ضعيفة قد حصلوا على زيادات في الأجور أكثر من الأغنياء خلال حكم ترامب، قائلا ” لدينا تفاوت في الدخول وانخفاض في الثروة” وذلك قد خُفض نتيجة الازدهار الاستثماري الذي شجعته التخفيضات الضريبية التي أجراها ترامب.
ويخلص إلى القول: “إذا كنت محاربا من أجل العدالة الاجتماعية، فستكون سعيدا جدا بمجرد النظر إلى البيانات”.
المصدر : https://wp.me/p70vFa-CHc