على الرغم من الوعود الجذابة التي أطلقها دونالد ترامب قبل ستة أشهر، خلال حملته الانتخابية للفوز بولاية رئاسية ثانية، فإن الواقع الاقتصادي بدأ يبرز تحديات كبيرة أمام تلك الطموحات. فبعد التقارير الأخيرة التي أظهرت تراجع ثقة المستهلكين إلى أدنى مستوياتها منذ 12 عامًا، بدأ الناخبون الأمريكيون يشعرون بالقلق من ارتفاع معدلات التضخم الذي يتوقع أن يتجاوز 6%، ويعود ذلك جزئيًا إلى سياسات التعريفات الجمركية التي فرضها ترامب.
إن هذه التوقعات السلبية ليست مجرد أرقام، بل تعكس تراجع الثقة التي كانت تضعها فئات واسعة من الأمريكيين في سياسات الرئيس الاقتصادية. إلا أن هذه التوقعات قد تكون أيضًا محكومة بالانتماءات السياسية، حيث يظهر أن الديمقراطيين يميلون إلى تشاؤم أكبر حيال الوضع الاقتصادي، وهو ما قد يختلف مع وجهات النظر التي يحملها الآخرون.
التحديات أمام استراتيجية التعريفات الجمركية
يواجه البيت الأبيض تحديًا حقيقيًا في التعامل مع تداعيات سياسات التعريفات الجمركية، التي كانت تمثل أحد الوعود الأساسية لترامب. فبينما يرى الرئيس أن التعريفات توفر له قوة تفاوضية كبيرة، فإن الواقع الاقتصادي يشير إلى أن هذه السياسات قد تؤدي إلى زيادة التضخم، مما يهدد استقرار الاقتصاد الأمريكي.
الحل الواضح قد يكون تخفيف القلق حول التعريفات الجمركية، لكن مع اقتراب “يوم التحرير” الذي يحدده ترامب في 2 أبريل، من غير المحتمل أن تراجع الإدارة عن هذه السياسات في الوقت الحالي، خاصة أن مستشاريه المقربين يؤكدون أن لا تأثير كبير لهذه التعريفات على التضخم.
النفط كأداة لمكافحة التضخم
على صعيد آخر، أصبح النفط جزءًا رئيسيًا من استراتيجية ترامب لمحاربة التضخم. يرى مستشاروه أن رفع إنتاج النفط الأمريكي يمكن أن يساهم في خفض أسعار البنزين، ما قد يعمل على تخفيف الضغط التضخمي، خاصة في ظل ترابط أسعار الوقود مع التضخم في وعي الناخبين. وفي هذا السياق، تتبنى الإدارة الأمريكية خطة تهدف إلى زيادة إنتاج النفط والغاز بمقدار 3 ملايين برميل يوميًا.
لكن هذه الرؤية تواجه تحديات حقيقية على أرض الواقع. ففي الوقت الذي يعتقد فيه ترامب وفريقه أن زيادة الإنتاج ستعزز الهيمنة الجيوسياسية للولايات المتحدة، فإن منتجي النفط الصخري، الذين يشكلون جزءًا كبيرًا من الإنتاج الأمريكي، يرون أن خفض الأسعار سيكون كارثيًا على قطاعهم. وبالفعل، أظهرت دراسة من الاحتياطي الفيدرالي في دالاس أن تهديدات الإدارة بخفض الأسعار قد تؤدي إلى تقليص الاستثمارات في القطاع، ما يضعف قدرتهم على زيادة الإنتاج.
الآثار الجيوسياسية لصناعة النفط
من الناحية الجيوسياسية، تزداد تعقيدات استراتيجية ترامب للنفط. إذ تؤدي الأزمات في الشرق الأوسط، مثل الهجمات الأخيرة على الحوثيين، إلى ارتفاع أسعار النفط، وهو ما يتناقض مع محاولات خفض الأسعار التي يروج لها ترامب. هذا يعكس التوترات المتزايدة بين الأهداف الجيوسياسية والأثر الاقتصادي الناتج عن هذه الاستراتيجيات.
ومع تزايد الضغط من بعض الدول المنتجة للنفط، تتجه الأنظار نحو كندا كوجهة محتملة لزيادة صادرات النفط إلى الولايات المتحدة بأسعار مخفضة. وإذا استجابت كندا لهذه الضغوط، فقد تتمكن من تعزيز علاقاتها الاقتصادية مع الولايات المتحدة، وهو ما قد يساعد ترامب في مواجهة تحديات أسواق النفط. إلا أن الوضع يبقى غامضًا، وفي حال رفضت كندا التعاون، قد تزداد التوترات التجارية بين البلدين.
ختامًا: استراتيجية غير واضحة
يبدو أن استراتيجية ترامب النفطية تتسم بعدد من التحديات المعقدة، من بينها تأثيرات سياسات التعريفات الجمركية والتوترات الجيوسياسية في أسواق النفط. وعلى الرغم من محاولات الإدارة تعزيز موقفها التفاوضي من خلال “الغموض المتعمد”، فإن هذه الاستراتيجية قد لا تكون قادرة على مقاومة الضغوط الاقتصادية المتزايدة إذا استمر التضخم في الارتفاع.
إذا استمرت هذه التوقعات، فقد يضطر ترامب إلى إعادة النظر في سياساته النفطية، وقد يتحول شعاره “احفر يا حبيبي، احفر!” من مجرد تعبير عن الطموح الجيوسياسي إلى صرخة يأس في ظل الظروف الاقتصادية الراهنة.