مجلة مال واعمال

تحقيق-تصاعد البطالة مع تداعي الاقتصاد الإيراني

-

يجلس رجل أعمال إيراني ثري في بهو أحد أفخر فنادق دبي يهز رأسه متأسيا على حال الاقتصاد الإيراني.

ويقول الرجل الذي يدير شركة لتصنيع الأجهزة الكهربائية “الأعمال تنضب والصناعة تنهار ولا يوجد استثمار … أرى هذا بأم عيني.” وقد كان في طريق عودته من أوروبا إلى إيران وهي رحلة يقوم بها أكثر من مرة كل عام.

ويعاني الايرانيون تحت وطأة عقوبات اقتصادية فرضتها الدول الغربية منذ بداية العام بسبب مواصلة طهران برنامجها النووي الذي تقول واشنطن إنه يهدف إلى انتاج أسلحة.

ويقول اقتصاديون إن معدل التضخم الرسمي البالغ 25 بالمئة ربما يصل إلى مثلي ذلك واقعيا ويضيفون أن مئات الآلاف فقدوا وظائفهم نتيجة الحظر التجاري الذي قلص إمكانية التصدير وزاد من صعوبة حصول عدد كبير من الشركات الإيرانية على مواد خام حيوية.

وحتى حين تصلها المواد الخام فإن انخفاض قيمة الريال الذي انحدر إلى النصف في الاثنى عشر شهرا الأخيرة يزيد الأعباء مما يضطر أرباب العمل لخفض الأجور.

وقال مهرداد عمادي وهو مستشار اقتصادي للاتحاد الأوروبي يقيم في بريطانيا “نكاد نرى بطالة جماعية في المدن وصفوفا للاعانات الاجتماعية. تقل البدائل المتاحة لهؤلاء وسينتهي الحال بكثيرين إلى الاصطفاف لطلب إعانات غذائية.”

وتكشف سلسلة من المحادثات الهاتفية أجرتها رويترز مع مواطنين إيرانيين مدى تفشي البطالة. وطلب هؤلاء ألا يجري الكشف عن هوياتهم أو أسماء ارباب عملهم بسبب حساسية المسالة.

وفقدت منى (31 عاما) وظيفتها في إدارة الموارد البشرية في شركة مقاولات خاصة تعمل في قطاعات النفط والغاز والتشييد قبل ستة أشهر ومازالت بدون عمل منذ ذلك الحين.

وبدأت الشركة خفض عدد العاملين بها البالغ ستة آلاف قبل ثلاثة أعوام لكن الاوضاع تدهورت العام الماضي ولم يصرف عدد كبير من العاملين أجورهم منذ شهور.

وقالت منى إنها فقدت وظيفتها بعدما بعثت وعدد من زملائها برسالة للمديرين احتجاجا على عدم صرف الأجور.

وأضافت خلال محادثة هاتفية من طهران “في بادئ الامر لم يقلقني سوى كيفية تمضية الوقت ولكن سريعا ما اتضحت حقيقة الوضع الاقتصادي الرهيب.”

وفي سعيها لايجاد فرصة عمل أنفقت من مدخراتها وباعت حليا ذهبية لسداد فواتير ونالت منها مشاعر اليأس وعانت من نوبات اكتئاب متزايدة.

وقالت “فقدت الأمل في المستقبل. حين تفقد الأمل فلا شيء يهم.”

ولقي المهندس الميكانيكي علي (42 عاما) نفس المصير قبل ثلاثة أشهر بعدما استغنت عنه شركة صغيرة لانتاج المعدات الصناعية واجهت صعوبات متزايدة في استيراد مواد مهمة من أوروبا.

وقال خلال محادثة هاتفية “ماذا يمكننا أن نفعل؟ يمكن أن نحصل على هذه المواد من الصين ولكنها ليست بالجودة الكافية.”

وتوظف الشركة حاليا 400 شخص انخفاضا من أكثر من ألف قبل عامين ويخشى علي من أنها ستضطر لإغلاق أبوابها قريبا مثل شركات كثيرة أخرى.

وقال “توقف عدد كبير من المشروعات الصناعية في إيران. لا توجد شركات تستثمر. تعتقد الشركات أن حربا قد تنشب ومن ثم تفقد كل شيء.”

ومع استمرار تهديد إسرائيل بعمل عسكري بسبب برنامج إيران النووي قالت بريطانيا الأسبوع الماضي إن دول الاتحاد الأوروبي تعد مجموعة جديدة من العقوبات لتكثيف الضغط على إيران. وتقول إيران إن برنامجها النووي للأغراض السلمية.

وقال صندوق النقد الدولي في ابريل نيسان إن الاقتصاد الإيراني نما اثنين بالمئة العام الماضي وتوقع أن ينمو بنسبة 0.4 بالمئة العام الجاري لكن الاداء ربما يكون أسوأ كثيرا.

وكانت إيران رابع أكبر دولة مصدرة للنفط في عام 2011 لكن بحسب الخزانة الأمريكية ومحللين فإن صادرات الخام هوت لنحو مليون برميل يوميا من 2.4 مليون في العام الماضي. وينفي مسؤولون إيرانيون هذه الأرقام.

ويقدر مركز الاحصاءات الايراني معدل البطالة عند 12.9 بالمئة في أول ثلاثة اشهر من السنة الفارسية التي بدأت في مارس آذار وذلك بانخفاض أكثر من نقطة مئوية عنه في فترة الأشهر الثلاثة السابقة.

ويجد محللون استحالة في تصديق هذه الإحصاءات.

وقال عمادي “الارقام أبعد ما تكون عن الواقع” وهو يعتقد أن معدل البطالة الرئيسي يتجاوز 20 بالمئة.

ويقدر اقتصاديون يقيمون في إيران وأعضاء في البرلمان أن ما بين 500 و800 ألف إيراني فقدوا وظائفهم في العام الماضي.

وضرب عمادي مثلا بصناعة السيارات أكبر قطاعات الصناعات التحويلية كسبب رئيسي لتراجع معدل التوظيف بعدما نشرت وسائل الإعلام الإيرانية أن انتاج السيارات ومكوناتها انخفض بنسبة 30 بالمئة على مدى الأشهر الستة الماضية.

واحتلت إيران المركز الثالث عشر بين الدول المنتجة للسيارات في العالم في 2011 وأنتجت 1.6 مليون سيارة لكن زيادة الأسعار بسبب ارتفاع تكلفة المكونات دفعت الطلب للهبوط.

وأوقفت بيجو ستروين الفرنسية شحن أجزاء السيارات لتجميعها في إيران في وقت سابق من العام. وقالت الشركة إن عقوبات تمنع إبرام صفقات في اطار النظام المصرفي في البلاد أوجدت صعوبة في الحصول على تمويل للمبيعات. ونفت الشركة الرضوخ لضغوط أمريكية تجاه إيران.

وتفاقم التدهور الاقتصادي مع استبدال الحكومة دعما سخيا للسلع الأساسية والوقود بمساعدات نقدية على مدار الثمانية عشر شهرا الأخيرة. ويرجع التحرك الحكومي في جزء منه للحاجة لكبح الانفاق بسبب العقوبات الأجنبية.

ومع ارتفاع أسعار الكهرباء والغاز الطبيعي لأكثر من ثلاثة أمثالها في المرحلة الأولي من خطة سحب الدعم عانت العديد من الشركات والأسر كي تتكيف مع الوضع ويتهم منتقدون الحكومة ولاسيما الرئيس محمود أحمدي نجاد بسوء المعالجة الاقتصادية في وقت عصيب.

ويبدو الشعار الذي رفعته الحكومة العام الحالي “الانتاج الوطني: مساندة العمل والاستثمار في إيران” كما لو كان اعترافا مغلفا بالصعوبات التي تواجه البلاد لاستيراد بعض السلع الرئيسية.

ويشجع المسؤولون الإيرانيون المواطنين على شراء السلع محلية الصنع للتغلب على العقوبات لكن لا مؤشرات تذكر على أي استثمارات ضخمة.

ولا يقتصر التراجع على قطاع الصناعة فقد فقدت نسرين وظيفتها كمحاضرة في الجامعة قبل 18 شهرا ولم تجد وظيفة في مجالي التعليم أو الابحاث إلى الآن. وتوفر احتياجاتها اليومية بصعوبة من خلال وظائف بحثية مؤقتة وتقول إنها لحسن الحظ تمتلك شقتها.

وقالت في رسالة بعثت بها بالبريد الالكتروني لرويترز في دبي “لو لم تساندني أسرتي لأصابني البؤس. من المهين أن أذهب لبعض الاماكن بحثا عن عمل ولكني مضطرة.”

وتعرف نسرين 20 أستاذا جامعيا في طهران وحدها فصلوا أو دفعوا للتقاعد. وقالت إن تمويل المشروعات البحثية ينضب وأنه أصبح يتوقف الآن على توافر اتصالات بأصحاب النفوذ.

ومثل كثير من الاكاديميين الإيرانيين تعتزم نسرين الرحيل من البلاد إن استطاعت وهو اتجاه قاد لهجرة العقول في السنوات الأخيرة فغادر البلاد من لديه المال والاتصالات للسفر للخارج.

وبحسب صندوق النقد الدولي تفيد أحدث البيانات المتاحة لعام 2009 أن ايران تفقد 150 ألفا من مواطنيها المتعلمين و ذوي المهارات سنويا.

وفي دبي يؤكد رجل الأعمال الإيراني مدى احتياج البلاد للخبرة الفنية والممارسة المهنية لإدارة اقتصادها ولاسيما الآن في مواجهة تحديات كبيرة.

وقال “الملايين من الايرانين المتعلمين والمتفوقين خارج البلاد. تحتاجهم الحكومة ولكنها لا تثق بأحد.”

وسئل عن سبب استمرار شركته للأجهزة الكهربائية في التصدير لإيران فتمسك بالأمل في أن تستغل البلاد إمكانياتها في نهاية المطاف.

وقال “شعب قوامه 75 مليون نسمة هو سوق هائلة. من يعلم إلى متى ستدوم العقوبات ولكن إيران غنية جدا وينبغي أن نستعد لليوم الذي تتغير فيه الأحوال.”