يعدّ الأرز، كسلعةٍ، وغذاءٍ أحد أهمّ المنتجات في العالَم، وأضحى حاليّاً في مقام المواد الغذائية التي لا يستغني عنها النّاس في كلّ مكان. وعند العرب وفي العربيّة، فهي(السلعة) على ستّ صيغ: «أرزٌّ» و«أُرُّز» و«أَرز» و«أُرز»، و«رُز» و«رُنْز»، والأخيرتان لعبد القيس.
وعبدالقيس من القبائل العربيّة الكبيرة التي كانت متوطّنة في البحرين منذ ما قبل الإسلام، وقول الجوهري: هي لعبد القيس، بمعنى في لهجة عبد القيس، سكّان البحرين، يشير إلى ارتباط الأرز بعبد القيس من حيث زراعته في الإقليم لتوفّر المياه وحرارة الجو وهي من العوامل المناسبة لزراعته.
ممّا يشير إلى قِدم أكل الأرز في المنطقة. وقد وردت الإشارة إلى الأرز في الحديث مما يدلّ على معرفة أهل الحجاز كذلك للأرز. كما عُرفت اليمن بزراعة الأرز. منذ بدايات العهد الإسلامي. واشتهرت الهند والسند بزراعة وإنتاج وتصدير الأرز إلى الخارج منذ القِدم، وكذلك جزيرة سيلان.
وعموم جنوب شرقيّ آسيا، والصين، واليابان. وهو يزرع الآن في كثير من بلدان العالَم. وظهرت أنواع كثيرة من الأرز، وتختلف أساساً في خصائص الطهي، وفروق النكهة، والطعم، ولكنها متساوية في قيمتها الغذائية. وهو في منطقتنا طعام رئيس على المائدة في كثيرٍ من المناسبات، وعرفه الناس باسم: «العيش» مما يشير إلى اعتماد معيشة النّاس عليه. وغالباً ما كان العيش يوضع في أكياس من الخِيَش، على عدّة أحجام، وكان الأهالي يطلقون على هذه الأكياس اسم: «اليواني» أو «الجواني»، ومفردها «يونيّة».
شحنات
نركز في هذا العرض حول موضوع دراستنا للموضوع، على الفترة الواقعة بين عامَي 1945 و1950، أي بُعيد نهاية الحرب العالميّة الثانية، وما جرى فيها من سعي منطقة الخليج العربي، آنذاك، للحصول على شحنات كافية من الأرز من مصادر متنوّعة في العالَم، فقد أشار عدد من الوثائق البريطانيّة إلى أنّ منطقة الخليج العربي قد استوردت الأرز بكمّيّات كبيرة من البرازيل، وأوّلها البحرين التي استوردت في يونيو 1948 ألفي طن من الأرز وبلغت قيمتها نحو 120 ألف جنيه إسترليني. وقبلها في مايو من العام نفسه، تسلّمت شركة يوسف خليل المؤيّد عرضاً، ونماذج من الأرز من الأورجواي، على أن يتمّ تصديره إلى البحرين من ميناء العاصمة مونتيڤيديو.
وعلى أن يتم استيراد 200 طنّ من هناك بقيمة عشرة آلاف جنيه إسترليني.. ووصلت البحرين شحنات من الأرز من مموباسا، وزنجبار وهو كذلك من أرز الكونغو، وهو ما أُطلق عليه آنذاك الأرز الأفريقي البرتغالي. وعبر أحد موانئ موزمبيق، وأُطلق عليه حينها الأرز الموزنبيقي. واستوردت شركة عبدالله الدرويش مئتي طنّ من شحنات من الأرز من ميناء روتردام الهولندي عبر ميناء دبي، حيث أنزلت الشركة في ميناء دبي نصف شحنات الأرز، وأعادت تصدير الباقي في أُغسطس 1948.
مصادر الإنتاج
وفي سبتمبر 1948 وصلت إلى ميناء دبي 1000 طنّ من الأرز البرازيلي بقيمة 75 ألف جنيه إسترليني. وتتابعت شحنات الأرز البرازيلي بالوصول إلى موانئ الخليج العربي. وترد الإشارة في الوثائق إلى أنّ منطقة الخليج العربي استوردت الأرز أيضاً من دول أمريكا اللاتينيّة غير البرازيل، مثل الأكوادور التي وصل أرزّها إلى البحرين عبر الولايات المتحدة في 300 كيس منذ نوفمبر 1949. وقامت دبي بإعادة تصدير الأرز إلى البحرين.
كما وصل إلى المنطقة الأرز المصري في 300 كيس، عبر ميناء عدن إلى دبي منذ نوفمبر 1948. هو دليل على تنوّع مصادر الإنتاج. إضافة إلى أنّ إيران كانت من أماكن تصدير الأرز إلى منطقة الخليج العربي. وبلا شكّ فإنّ الأرز الهندي كان له حضور كبير في المنطقة والتي وصلتْها أيضاً شحنات من الأرز البورمي.
وعندما كانت بلاد السند وإقليم البنجاب تتعرّض للفيضانات ينعدم تصدير شحنات الأرز إلى المنطقة كما حدث في أكتوبر 1948. وفي إحدى الرسائل الموقعة بتاريخ 16 نوفمبر 1948 إلى المعتمد البريطاني في الشارقة يرد فيها بأن البلاد بحاجة ماسّة للأرز إذ إنّه قوت الناس، وعليه يعتاشون، ويعتمدون عليه في طعامهم اليومي، وفيها مطالبة باستيراد شحنات من الأرز البرازيلي إلى دبي. ووصلت إلى البحرين 2000 كيس من الأرز الأمريكي بين شهرَي نوفمبر وديسمبر من 1948، بقيمة 30 ألف دولار.
ظروف
وفي رسالة للمقدّم ويليام روبرت هاي المقيم السياسي في الخليج العربي في البحرين إلى السّيدة سي ووترلو ، سكرتيرة شؤون الشرق الأوسط في وزارة الخارجيّة البريطانيّة في لندن، بتاريخ 8 ديسمبر 1948، ترد الإشارة إلى أنّ الأرز هو الغذاء الرئيس لجزء كبير جدّاً من سكّان الخليج العربي ولأجيالٍ عديدة خلتْ. لدرجة أنّ الناس في الخليج العربي لا يمكنهم العيش من دونه، نظراً لكونه الغذاء الأساس في حياتهم.
ويلمح إلى أنّ الشاي لم يكن مشروباً متعارفاً عليه في المملكة المتحدة منذ عدّة قرون إلا أنّه أصبح الآن لجميع المقاصد والأغراض مادّة رئيسة للاستهلاك. وقبل الحرب العالميّة الثانية كان الأرز متوفّراً بكمّيّات كبيرة، وفي الوقت نفسه كان رخيص الثمن، وكان بإمكان كلّ شرائح المجتمع الحصول عليه.
وخلال الحرب تضاءل توافره في المنطقة، وأضحى أكثر غلاء في الأسعار. وانقطع بالتالي استيراده من الهند وبورما. ومع كل الظروف الراهنة التي حدثت بعد انتهاء الحرب إلا أنّ الأرز لا يمكن اعتباره مادّة للرفاهية خاصة آنذاك، وكان هذا يتطلّب البحث عن مصادر أخرى لاستيراده إلى منطقة الخليج العربي.
وتشير الوثيقة تلك إلى ضرورة تزويد الإمارات بألف طنّ كل ستّة شهور، والكويت بثلاثة آلاف طنّ للفترة نفسها، والبحرين بألفي طنّ، وعمان بألف طنّ. مع الإشارة إلى أنّ الكويت والبحرين يمكنهما الحصول على شحنات أكبر بسبب مداخيل النفط التي توفّر دعماً ماديّاً جيّداً للاستيراد.
وفي عام 1949 بدأت الإمارات تستورد الأرز المصري بحوالي 900 طنّ، خلال الستّة شهور الأولى من ذلك العام. وقد تابعتْ السلطات البريطانيّة الترتيبات الإداريّة والماليّة مع الحكومة المصريّة آنذاك لنقل هذه الشحنة من الأرز. وأضحى ميناء دبي مرسى لسفن الشحن القادمة من مصر والبرازيل، ومنه يتمّ توزيع شحنات الأرز إلى بعض موانئ الخليج العربي الأخرى.
وتشير الوثائق إلى هيئة دوليّة تدعى: (International Emergency Food Committee) كانت تتولّى الإشراف على توزيع حصص الأرز، وكانت كثيراً ما تخاطبها الحكومة البريطانيّة في مسألة إمدادات الأرز لمنطقة الخليج. كما يرد في الوثائق اسم هيئة دعتْها: وكالة الأرز في الإسكندريّة بمصر التي كانت تخاطبها بخصوص توريد الأرز المصري على أن يتمّ تصدير الشحنات من ميناء بور سعيد.
كما أشارت الوثائق إلى شركة استيراد الأغذية في دبي (The Dubai Food Company)، والتي كانت تتفاوض بخصوص استيراد الأرز إلى دبي. كما ترد الإشارة إلى أنّ ميناء دبي سبق له أن استقبل شحنات من الأرز المصري عبر ميناء عدن، إلا أنّ التجّار في كلّ من دبي والشارقة ألمحوا إلى أن تلك الشحنة كانت رديئة. ووصلت إلى منطقة الخليج العربي كذلك شحنات من أرز مملكة سيام، وهو الاسم القديم لتايلاند، في عام 1949.
عرض شراء
في رسالة قصيرة أرسلها أحد التّجّار، يدعى حبيب بن حسن في الشارقة إلى المعتمديّة بالإمارة بتاريخ 16 يونيو 1949، نجده يخبر المعنيين فيها بأنّهم تلقّوا من وكالة عدن عرضاً لشراء شحنات من أرز الكونغو، ومن أرز شرق أفريقيا.
وأنّهم مستعدّون لشرائه ودفع قيمته الماليّة، نظراً لحاجة السوق للأرز، على أن يستورد عبر ميناء دبي. وبعد استقلال باكستان بدأت بضائعها دخول السوق الخليجيّة بتصدير شحنات أرز البنجاب وبلوشستان، منذ يوليو 1949. ولم ينتشر الأرز الباكستاني بالمنطقة إلا بعد حصولها على نماذج من ذلك الأرز لاستعماله وطبخه قبل استيراده رسميّاً، وبكمّيّات كبيرة.
1945
شهدت الفترة بين عامَي 1945 و1950 حاجة ماسة في منطقة الخليج العربي للأرز ولبقية الحبوب، ذلك خاصة بعد الأزمة أثناء الحرب العالمية الثانية، وبرزت الحاجة الكبيرة لتأمينها لأجل معيشة الناس وتوفير ما يحتاجون إليه من طعام.
وكون منطقة الخليج العربي آنذاك، كانت تحت الحماية البريطانية، اتسمت وانطلقت جميع التحركات لتأمين الأرز والحبوب، ضمن هذا الإطار وكان يتم التواصل مع العالَم الخارجي عن طريق الحكومة البريطانية لتتواصل بدورها مع أماكن التصدير وتتباحث نيابة عن منطقة الخليج العربي.
إضافة إلى ذلك، فإن أنواعاً من الأرز، أتت إلى المنطقة ليشيع استعمالها بين السكان، مبكراً، فمِن البرازيل وأورجواي والكونغو وشرق أفريقيا ومصر وشرق آسيا، ومن الهند وباكستان وإيران مروراً بالعراق، تم توفير الأرز للسكان وتجاوز الأزمة، حينذاك.