في معظم الأوقات لا يتم تحديد قرار مجلس الاحتياطي الفيدرالي (المركزي الأميركي) بناء على إصدار بيانات منفردة، حيث يعتمد على مجموعة واسعة من الأرقام والبيانات ذات نماذج متعددة الأبعاد لإقرار رفع الفائدة من عدمه.
وعلى هذه الخلفية، بعد بيانات اقتصادية قوية فاقت التوقعات خلال شهري يونيو (حزيران)، ويوليو (تموز) الماضيين جاءت بيانات أغسطس (آب) الماضي متواضعة، على عكس المتوقع ليتباطأ نمو الوظائف الأميركية بوتيرة أكبر من المتوقعة إضافة إلى تباطؤ نمو الأجور، الأمر الذي من شأنه أن يستبعد قرار رفع الفائدة هذا الشهر.
وزاد تواضع بيانات أغسطس من التحديات التي ستواجه مسؤولي مجلس الاحتياطي الاتحادي، مما سيزيد خطورة احتواء حالة عدم الاستقرار المالي في المستقبل القريب، فمن المتوقع أن يميل المركزي الأميركي إلى اتخاذ خطوات حذرة خلال الاجتماعين الأخيرين في العام الحالي في منتصف سبتمبر (أيلول) الحالي، واجتماع ديسمبر (كانون الأول) القادم.
وقالت وزارة العمل الأميركية أمس الجمعة، إن عدد الوظائف في القطاعات غير الزراعية زاد بواقع عدد 151 ألف وظيفة الشهر الماضي، عقب ارتفاعه بمقدار 275 ألف وظيفة (بعد التعديل بالرفع في يوليو الماضي)، مع انخفاض معدل التوظيف في قطاعي الصناعات التحويلية والبناء، في حين استقر البطالة دون تغير عند 4.9 في المائة مع دخول مزيد من الأفراد لسوق العمل.
كما انخفض عدد الوظائف في القطاع الخاص إلى 177 ألف وظيفة في أغسطس، مقارنة بنحو 194 ألف وظيفة في يوليو، لكن يبقى معدل أفضل مما توقعه الاقتصاديون بنحو 175 ألف وظيفة، وكان خبراء اقتصاديون استطلعت «رويترز» آراءهم توقعوا ارتفاع عدد الوظائف بواقع 180 ألف وظيفة الشهر الماضي ونزول معدل البطالة بنحو 0.1 نقطة مئوية إلى 4.8 في المائة.
وتظل الزيادة في عدد الوظائف الشهر الماضي، كافية إلى حد ما لدفع المركزي لرفع سعر الفائدة في ديسمبر (كانون الأول) المقبل، حيث يساهم نمو الأجور أيضا في تحديد توقيت الزيادة التالية، فقد ارتفع متوسط الأجر في الساعة ثلاثة سنتات أي بنحو 0.1 في المائة في الشهر المنصرم، مقابل ارتفاعه بنحو 0.3 في المائة في الشهر الأسبق، بينما انخفض متوسط عدد ساعات العمل الأسبوعية إلى 34.3 ساعة من 34.4 ساعة في أغسطس ويوليو على التوالي.
وأظهر التقرير أن معدل المشاركة في القوة العاملة أو نسبة الأميركيين في سن العمل ممن يشغلون وظائف أو على الأقل يبحثون على فرص عمل، استقر دون تغير يذكر عند 62.8 في المائة الشهر الماضي، وتراجعت الوظائف في قطاع الصناعات التحويلية بواقع 14 ألف وظيفة بعد ارتفاعها على مدى شهرين متتاليين، وانخفض عدد الوظائف في قطاع البناء بواقع 6 ألاف وظيفة، وفي قطاع التعدين بواقع 4 ألاف وظيفة، بينما ارتفع العدد في الوظائف الحكومية بنحو 25 ألف وظيفة في أغسطس مواصلا ارتفاعه للشهر الرابع، وانخفض عدد الأشخاص المتقدمين للحصول على إعانات البطالة إلى 259 ألف شخص، للأسبوع الـ68 على التوالي، وهي أطول فترة منذ عام 1973.
ومع وجود علامات قوة في الاقتصاد الأميركي، فإن معظم الاقتصاديين يتوقعون أن الفيدرالي الأميركي سيرفع الفائدة قبل نهاية العام، وتركت جانيت يلين رئيس مجلس الاحتياطي الاتحادي الباب مفتوحا أمام إمكانية رفع الفائدة الأسبوع الماضي خلال الاجتماع السنوي للبنك المركزي في جاكسون هول بولاية وايومينغ الأميركية، وأضافت آنذاك: «في ضوء الأداء القوي المستمر لسوق العمل، ونظرتنا للنشاط الاقتصادي والتضخم أعتقد أن الزيادة في سعر الفائدة قد تعزز على مدار الأشهر الأخيرة».
وقالت يلين «بالطبع، قراراتنا تعتمد دائما على الدرجة التي لا تزال البيانات الواردة تؤكد فيها نظرة لجنة السوق المفتوحة».
في الوقت ذاته يؤكد اقتصاديون استطلعت آراءهم «الشرق الأوسط» أن خلق 20 ألف وظيفة سيكون كافيا للاحتياطي الفيدرالي لرفع أسعار الفائدة في المستقبل القريب.
وتراجعت فرص ارتفاع الفائدة في سبتمبر الحالي من 34 في المائة إلى 20 في المائة بعد ضعف بيانات التوظيف، وفقا لإدوارد فيكو محلل السوق الأميركي في مجموعة صن تراست المصرفية الأميركية، في تصريح لـ«الشرق الأوسط».
وقال فيكو إن تقرير العمالة في أغسطس أظهر مكاسب قوية في التوظيف واستقرار معدل البطالة، ولكن التفاصيل الأضعف تبقى في انخفاض متوسط ساعات العمل الأسبوعية وكذلك انخفاض متوسط الدخل في الساعة، مضيفا: «أعتقد أن هذا يعكس في الغالب مشاكل التكيف الموسمية وليس نقاط ضعف كامنة، مما يترك الاحتياطي الفيدرالي على المسار الصحيح لرفع سعر الفائدة في ديسمبر (كانون الأول)، فلم يعد سبتمبر مطروحا على طاولة النقاش الآن».
وعلى صعيد آخر، قال بنك أوف أميركا ميريل لينش أمس الجمعة إن المستثمرين سحبوا مليارات الدولارات من السيولة النقدية في الأسبوع الأخير وتحولوا نحو مجموعة من صناديق السندات والأسهم وخصوصا أسهم البنوك وذلك قبل صدور تقرير الوظائف في الولايات المتحدة، وأضاف البنك أن صناديق المعادن النفيسة شهدت خروج أكبر تدفقات أسبوعية منذ بداية العام مع زيادة توقعات رفع أسعار الفائدة الأميركية بنهاية العام.
وبلغت التدفقات على صناديق سندات الأسواق الناشئة مستويات قياسية في الأسبوع المنتهي 31 أغسطس الماضي، بينما سجلت صناديق الأسهم الأوروبية رقما قياسيا جديدا للتدفقات الأسبوعية الخارجة منها وذلك للأسبوع الثلاثين على التوالي.
وأوضح البنك في تقريره أن الزيادة في عدد الوظائف الشهر الماضي ربما تظل كافية لدفع مجلس الاحتياطي الاتحادي إلى رفع الفائدة في ديسمبر (كانون الأول)، وقال بنك أوف أميركا ميريل لينش في مذكرة بحثية أصدرها قبل نشر تقرير الوظائف إن «البنوك تعاود النشاط».
وفي قطاع الدخل الثابت جذبت صناديق سندات الأسواق الناشئة استثمارات للأسبوع التاسع على التوالي رغم أن التدفقات البالغة 700 مليون دولار كانت الأدنى في تلك الفترة، وجذبت صناديق سندات الشركات ذات الدرجة الاستثمارية تدفقات بقيمة 2.3 مليار دولار وذلك للمرة الخامسة والعشرين في 26 أسبوعا بينما سجلت صناديق السندات الحكومية تدفقات خارجة للمرة الثامنة، وقال بنك أوف أميركا ميريل لينش إن صناديق الأسهم في المجمل سجلت صافي تدفقات واردة بقيمة 14.6 مليار دولار منذ بداية العام.
وفي إشارة أخرى لتحسن الاقتصاد الأميركي انخفض العجز التجاري للولايات المتحدة بوتيرة أكبر من المتوقع في يوليو، مع ارتفاع الصادرات لأعلى مستوياتها في 10 شهور بما يقدم دلائل جديدة على أن النمو الاقتصادي تسارع في مطلع الربع الثالث.
وقالت وزارة التجارة الأميركية أمس الجمعة، إن العجز التجاري تقلص بنسبة 11.6 في المائة إلى 39.5 مليار دولار، لينخفض بعد ارتفاعه على مدى ثلاثة شهور متتالية، وجرى تعديل العجز التجاري لشهر يونيو بالرفع قليلا إلى 44.7 مليار دولار.
وتوقع اقتصاديون استطلعت رويترز آراؤهم أن ينخفض العجز التجاري إلى 42.7 مليار دولار في يوليو، بعد وصوله إلى 44.5 مليار دولار في التقديرات الأولية للشهر السابق، وبعد التعديل في ضوء التضخم انخفض العجز إلى 58.3 مليار دولار من 64.5 مليار دولار في يونيو.
وينضم تقرير العجز التجاري إلى تقارير أخرى متفائلة عن إنفاق المستهلكين والإنتاج الصناعي وبناء المساكن والتي أشارت إلى أن الاقتصاد استعاد الزخم بعد أن زاد الناتج واحدا في المائة في النصف الأول.