حضرت يوم الثلاثاء الماضي اللقاء الذي تم في مجلس الغرف السعودية بين رئيس الوزراء البولندي دونالد توسك وبين أصحاب الأعمال السعوديين. وتوسك الذي يتصف بالدعابة قد بالغ ربما في تودده للحضور إلى درجة أنه لم يكن يرى أن هناك اختلافا بين البولنديين وبيننا إلا في اللباس واللغة.
وعلى أية حال فإن هذه الكلمات الطيبة تندرج ضمن توجه البولنديين لتقوية العلاقة مع المملكة وفي مقدمتها العلاقات الاقتصادية. وهذا واضح من تركيبة الوفد المرافق لفخامة رئيس الوزراء والذي كان يضم وزير الدفاع ، وزير الطاقة والتعدين ووزير المالية. الأمر الذي يعكس أن البترول والدفاع كانا من أهم الموضوعات التي جاء من أجلها الوفد البولندي إلى الرياض. ان رئيس الوزراء البولندي يعتبر من الشخصيات الأوروبية المرموقة. فمنذ فوزه في الانتخابات عام 2007 وبولندا تلعب دوراً متزايداً كحلقة وصل بين شرق أوروبا وغربها. وهذا أمر قد عاد بالفائدة على هذا البلد الذي طالما عانى الأمرّين من جيرانه. ولهذا فإن دونالد توسك عندما قدم إلينا فإنه قد جاء ليعزز تلك الإنجازات التي تحققت في عهده. وتعزيز العلاقة التجارية والاقتصادية بين المملكة وبولندا أمر يصب في مصلحة البلدين دون شك، خصوصاً ونحن أكبر مصدر للبترول في العالم. فهذا النمر الاقتصادي الأوروبي يحتاج إلى الطاقة مثلما يحتاج إلى الهواء حتى يتمكن من تدوير دولاب اقتصاده.
ورغم أن بولندا تعتمد على فحمها بنوعيه كمصدر رئيس للطاقة فإنه من الواضح انه لا الفحم الحجري الذي يؤمن 65% من احتياجات بولندا للطاقة ولا الفحم النباتي الذي يعتبر ثاني المواد الخام الاساسية بقادرين سد جوع الاقتصاد البولندي للوقود. فالناتج المحلي الاجمالي البولندي الذي نما في العام الماضي بنسبة 4,3%، وذلك على النقيض من بقية اقتصادات الاتحاد الاوروبي سالبة النمو، يحتاج دون شك من أجل دفع عجلة تسارعه إلى مزيد من مصادر الطاقة. وضمن هذا الاتجاه فإن بولندا لا يمكنها أن تطمئن إلى احتياطها من الغاز الصخري، خصوصاً بعد أن خفضت التقديرات ذلك الاحتياط من 5,3 تريليونات متر مكعب إلى ما بين 346 إلى 768 مليار متر مكعب.
من ناحية أخرى فإن بولندا التي تعتمد بشكل كبير على الغاز الذي تشتريه من شركة “جاز بروم” الروسية لسد ما ينقصها من مصادر الطاقة لا ترغب أن تبقى رهينة الإمدادات من بلد واحد. خصوصاً وأن الغاز الروسي مرتفع التكلفة. فحسب بعض التقديرات فإن بولندا ستدفع هذا العام لشركة “جاز بروم” 450 دولارا عن كل ألف متر مكعب من الغاز. وهذا السعر تعتبره بولندا مرتفعا جداً. فجارتها المانيا مثلاً تشتري الغاز الروسي بسعر يقل بنسبة 17% تقريباً. ولهذا فإن بولندا تسعى إلى عقد اتفاقية جديدة مع الشركة الروسية بخصوص سعر وارداتها منها.
وعلى هذا الأساس فإني أتمنى أن يكون التوجه البولندي لشراء بترولنا توجها استراتيجيا بعيد المدى وليس توجها تكتيكيا من أجل انتزاع أكبر قدر من التنازلات من شركة “جاز بروم” الروسية.
*نقلا عن صحيفة الرياض
المصدر : https://wp.me/p70vFa-1D1