النص الكامل للمقالة:
واجهت الاقتصاد العالمي قبل أربعة أعوام أزمة لا مثيل لها. وإتسمت الهزات الاقتصادية بطابع شامل وبارز السمات ، ومست بهذا القدر او ذاك الجميع بلا استثناء.
وقد تطلبت مثل هذه التحديات الواسعة النطاق من الدول الكبرى اتخاذ مواقف جديدة جذريا. ولأول مرة في التأريخ أظهر زعماء بلدان تمثل حوالي 90 بالمائة من الناتج المحلي الاجمالي العالمي التطلع الفعلي والقدرة على تنسيق السياسة الاقتصادية. والشئ الرئيسي صيانة العالم من الانزلاق الى الطريق المسدود للحروب التجارية وفرض اجراءات الحماية الجمركية الشاملة ، وشرعوا بإحلال النظام في المنظومة المالية – النقدية الدولية.
وبهذا فان مجموعة ” العشرون” – التي كانت حتى عام 2008 تجري لقاءات منتظمة على مستوى وزراء المالية فقط – تحولت الى منتدى عالمي رئيسي لبحث قضايا الاقتصاد والمالية.
وقد أتخذت حين بلغت الأزمة ذروتها – بفضل مجموعة العشرين بالذات- التدابير لزيادة رؤوس أموال جميع مصارف التنمية الرئيسية المتعددة الجوانب ، وكذلك لزيادة القاعدة المالية لصندوق النقد الدولي. وأتاح هذا بدوره الى هذه المؤسسات الامكانية لدعم البلدان المتضررة بأكبر قدر. كما طرح للبحث جدول عمل طويل المدى لأصلاح منظومة التحكم المالي ، وحددت المبادئ الرامية الى حماية حقوق الحاصلين على الخدمات المالية . ويمكن القول بلا مبالغة ان أحد الاحداث البارزة كان تشكيل مجلس الاستقرار المالي – بقرار من زعماء مجموعة العشرين – الذي تحول الى هيئة تنسيق تتولى اعداد ” قواعد السلوك” الاساسية في المجال المالي.
لكن لم تتم مع هذا معالجة جميع القضايا الأساسية البتة . فأن ظواهر اختلال التوازن المتراكمة تتجلى بكل وضوح بشكل ” ثقوب في الميزانية” ، والوضع العصيب للبنوك ، الذي يتجاوز بجلاء الحدود المعقولة لمستوى الديون قياسا الى الناتج المحلي الاجمالي في البلدان المتطورة. زد على ذلك ظهرت في الأشهر الأخيرة الديناميكية السلبية للأسواق وغير ذلك من الظواهر الباعثة على القلق ، مما يرغم المحللين على طرح تنبؤات متشائمة جدا.
ان مثل هذه العمليات تجري على خلفية تغير الصورة العامة للاقتصاد العالمي نفسه. وحسب تنبؤات الخبراء فإن الوتائر المحتملة لنمو الاسواق الصاعدة ستسبق – حتى عام 2017 – مستواها في البلدان المتطورة التقليدية بأكثر من 5ر3 مرة. بينما ستسبقها في الاعوام 15 التالية بأكثر من مرتين. علما بأنه تتغير ليس نقاط النمو العام فقط، بل و” جغرافية” تدفق الموارد من السلع والاموال.
فما هي مواقفنا في الوضع الناشئ؟ في الأعوام الاخيرة عززت روسيا ، بإعتبارها الاقتصاد السادس في العالم من حيث معدل القدرة الشرائية ، منظوماتها المالية وموازنتها. ونحن نشغل المرتبة الثالثة في مجال احتياطيات الذهب. كما ان وتائر نمو الاقتصاد الوطني تعادل نسبة 3ر4 بالمائة – وهي أعلى نسبة بين الاقتصادات الكبرى في اوروبا. واليوم اصبحت المنظومة المصرفية عندنا اكثر ثباتا حيال التذبذبات في السوق المالية العالمية ، بخلاف ما كان عليه الوضع في عام 2008 .
ولا يوجد لدى بلادنا ” ثقل موزان” يتثمل بعبء الديون الشديد الوطأة والخطر. ان ديون السكان في روسيا أقل بكثير من مستواها في البلدان الأخرى. فقد بلغت ديون المواطنين في أول أبريل/نيسان من العام الحالي 6ر10 بالمائة من الناتج المحلي الاجمالي مقابل 60 بالمائة تقريبا في المانيا وفرنسا و87 بالمائة في اسبانيا و92 بالمائة في الولايات المتحدة. اما بصدد ديون الدولة الروسية فأنها باقل مستوى بين بلدان مجموعات” الثماني” و” العشرين” وبريكس. وبلغ مستواها في أول مايو/أيار عام 2012 نسبة 2ر9 بالمائة من الناتج المحلي الاجمالي (على سبيل المثال بلغ هذا المعدل في المانيا نسبة 81 بالمائة من الناتج المحلي الاجمالي وفي فرنسا نسبة 86 بالمائة من الناتج المحلي الاجمالي وفي الولايات المتحدة نسبة 104 بالمائة ). وفي العام الماضي تسنى لنا اعداد ليس فقط ميزانية بدون عجز، بل حققنا أيضا فائضا في الميزانية بنسبة 8ر0 بالمائة من الناتج المحلي الاجمالي. أي أننا كسبنا أكثر مما انفقنا. وبلغ فائض الميزان التجاري عندنا 198 مليار دولار.
من جانب آخر اذا ما حسبنا الموارد المستحصلة بنتيجة التغيرات المواتية في الاسواق في قطاع النفط والغاز فسنرى مؤشرا عاليا للعجز في الميزانية. وهذا العجز في قطاع النفط والغاز إزداد في سنوات الازمة الى أقصى مستوى مسموح به.
ونحن ندرك كل الادراك ان من الواجب الاسراع بإجراء التحولات. وهذا ضروري من اجل التطور بثبات ، وبغية خفض تبعية اقتصادنا الى المواد الخام. ولهذا سنصبو الى إجراء تحسين جذري في المناخ الاستثماري ، وخلق ظروف المنافسة العالمية من اجل عمل البزنيس في روسيا، ومواصلة رفع القيود في البنية الأساسية، ورفع نوعية الرأسمال البشري، وتحديث الاقتصاد عموما. كما ينبغي أن ننفذ بدقة إلتزاماتنا الاجتماعية. ان جميع هذه الاصلاحات تعتبر اجندة هامة بالنسبة لجميع مستويات السلطة في روسيا.
ستعقد القمة القادمة لمجموعة العشرين في ظروف تنامي الغموض. فينبغي على غالبية دول العالم العمل -الى جانب تعديل الوضع المالي الصعب لبعض بلدان الاتحاد الاوروبي- على ايجاد توازن معقول بين ضرورة التوافق في مجال الضرائب والانضباط الصارم في مجال الميزانية ، وتأمين فرص العمل وتنمية الاقتصاد ومعالجة المشاكل الاجتماعية وبضمن ذلك الحفاظ على الاستقرار في منظومات التقاعد.
علاوة على ذلك فإن مشاكل البنوك والنطاق الواسع للمضاربة ، التي تجتاح الاسواق بين الفينة والاخرى تظهر بأن الصرح المالي العالمي ما زال بدون استكمال الاصلاح ، ويوجد فيه الكثير من المخاطر الداخلية والتناقضات. كما انه لم يكتسب بعد ” تربة صلبة تحت قدميه ” و”الارتباط” بالأصول والقيم الواقعية. بل بالعكس ان ديناميكية الأسواق الداخلية صارت في الفترة الأخيرة تختلف أكثر فأكثر عن المؤشرات الاساسية للقطاع الواقعي. وهذا يخلق ممهدات إضافية من اجل تنامي عدم الثقة وعدم الاستقرار عموما – وكما نعرف فأنه تظهر بعدهما قريبا موجات الفزع المالي.
لهذا تبدو جلية للعيان ضرورة اتخاذ خطوات جديدة. وينبغي قبل كل شئ تشديد التحكم بتداول الاوراق المالية في مضمار الانتاج. وكذلك تأمين الاستخدام الدائب للمنظومة الجديدة للتحكم المالي Basel 3 التي تخفض احتمال ظهور شتى اصناف ” الفراغات” و” الفقاعات” في المجال المالي. واعتقد ان من مصلحة الجميع دعم اصدار عملات نقدية احتياطية جديدة وتوسيع مجال استخدامها في التجارة العالمية وفي الاستثمارات العالمية. وفي نهاية المطاف ثمة مسألة حيوية جدا هي تنفيذ مجموعة العشرين للألتزمات في مجال اصلاح المؤسسات المالية الدولية ومنها صندوق النقد الدولي والبنك العالمي. ويشمل ذلك ضمنا الانتقال الى التطبيق العملي للأحاديث الجارية منذ وقت بعيد حول تقوية دور البلدان النامية والدول الاقتصادية “الجديدة” في إدارة هذه المؤسسات. وعموما لدى اعداد واتخاذ القرارات المبدئية والاساسية.
وثمة أمر هام آخر بهذا الخصوص. فنحن نعرف جميعا ان عدم الاستقرار المالي يقود حتما الى زيادة اجراءات الحماية الجمركية في التجارة. واذكر بهذه المناسبة ان التجارة العالمية تقلصت في عام 2009 بنسبة 12 بالمائة. وتعتبر هذه وتيرة انخفاض قياسية منذ أزمان انتهاء الحرب العالمية الثانية. وحدث ذلك لحد كبير لأن بعض البلدان استخدمت على نطاق واسع كأمر واقع وبالرغم من جميع التأكيدات المعلنة ، التدابير الجمركية لحماية أسواقها. وحان الوقت للأعتراف بأن تدابير الحماية الجمركية صارت أكثر حذقا أمام خلفية التأكيدات حول عدم جواز فرضها. وعل سبيل المثال تجري تغطيتها بشكل قيود ايقولوجية او تكنولوجية.
لقد حان الوقت للكف عن ممارسة النفاق والاتفاق بنزاهة على المستوى المسموح به لتدابير الحماية بهدف صيانة أماكن العمل في فترات الأزمات العالمية. وهذا هام على الاخص بالنسبة لنا لأن روسيا ستنضم في هذا العام الى منظمة التجارة العالمية ونحن نعتزم المشاركة بنشاط في المناقشات حول القواعد المستقبلية للتجارة العالمية. وسنبذل ضمنا الجهود كافة من أجل تحريك جولة مفاوضات الدوحة من نقطة الجمود.
وستناقش جميع المواضيع الآنفة الذكر في القمة القادمة في المكسيك. كما أنها ستغدو ذات أهمية أولية لدينا حين ستتولى روسيا في العام القادمة رئاسة مجموع العشرين – وستبحث الى جانب قضايا ضمان أمن الطاقة العالمي. علما بأننا ندرك مدى أهمية المحافظة على الثقة بمجموعة العشرين. فهي يمكن ان تزول اذا ما اصبحت القرارات الصادرة مجرد اعلانات نوايا طيبة و” تتعلق في الهواء” – وبقيت بدون تنفيذ او رقابة.
وطبعا يجب ألا تتحول مجموعة العشرين الى ناد آخر للنخبة ، يهتم بأنانية بمصالح اعضائه حصرا. ان جوهر ومغزى عملنا المشترك هو اعداد القواعد العادلة لتطور الاقتصاد العالمي كله بإطراد. وستعرض روسيا هذا المنطق بالذات على شركائنا في القمة القادمة