بدأ مصطلح “التيسير الكمي” أو “التسهيل الكمي” يتكرر بشكل كبير في نشرات الأخبار الاقتصادية مع بدء العمل به من قبل بنوك مركزية عالمية؛ مثل الفيدرالي الأميركي والمركزي الأوروبي وغيرها من البنوك المركزية العالمية الرئيسية بالتزامن مع أزمة انتشار فيروس كورونا المستجد.
فعندما تمر اقتصادات الدول بمرحلة ركود، مثل الحالة التي يشهدها الاقتصاد العالمي بفعل التداعيات السلبية الناجمة عن تأثيرات فيروس كورونا المستجد، فإن البنوك المركزية تعمل على خفض نسب الفائدة إلى معدلات متدنية جدا لتشجع البنوك التجارية على إقراض الشركات والأفراد لدفع عجلة الانتاج وتحفيز الاقتصاد وتنشيطه من جديد.
لكن البنوك التجارية غالبا ما تفضل عدم إقراض الأفراد والشركات والذي سببه تخوفها من مخاطر عدم السداد، ومبررها في ذلك الحالة الاقتصادية السيئة التي يعيشها الاقتصاد بشكل عام، حيث يشكل تخوفات كبيرة من عدم تحقيق أعمالهم نجاحاً ليسددوا القروض، لذلك تذهب البنوك كالعادة إلى الاستثمار في سندات وأذونات الخزينة الحكومية حيث تشكل أداه مالية مضمونة السندات والعائد.
لذلك تبدأ البنوك المركزية البحث عن أدوات أو سياسات غير تقليدية تدفع البنوك إلى ضخ السيولة في الاقتصاد لتحفيزه وتشغيل عجلة الاقتصاد من جديد، وهنا تبدأ عمليات التيسير الكمي والمترافقة مع تخفيض الفائدة إلى مستويات كبيرة وصفرية في معظم الأحيان مثلما يفعل الفيدرالي الأميركي حاليا.
عمليات التيسير الكمي تؤدي إلى خلق نقود وطرحها في الأسواق
في حالة الاحتياطي الفيدرالي الأميركي، فإنه يقوم بشراء السندات الحكومية وينافس البنوك التجارية في شراءها وبالتالي يؤدي ذلك إلى ارتفاع أسعارها بشكل كبير، مما يؤدي الى انخفاض عوائدها بشكل كبير أيضا، وتصبح غير مجدية للبنوك التجارية، وبالتالي سوف تلجأ إلى العودة إلى نشاطها المصرفي المعتاد وهو الإقراض للأفراد والشركات.
إضافة إلى ذلك، يقوم البنك المركزي بشراء مجموعة واسعة من الأصول من البنوك التجارية مثل قروض مدعومة بالرهن العقاري أو قروض عالية المخاطر وكل ذلك هدفه توفير السيولة وتوسيع الائتمان في الاقتصاد بشكل كبير لتحفيزه من جديد بعد حالة الركود التي شهدها.
وبالمقابل ممكن أن تؤدي عمليات التيسير الكمي إلى انخفاض قيمة العملة وارتفاع نسبة التضخم نظرا للكميات الكبيرة من الأموال التي يتم ضخها في الاقتصاد، وهنا يبقى البنك المركزي مراقبا لهذين العاملين تحديدا ويتدخل لتوازن قيمة العملة ومعدل التضخم، والذي يجب أن يبقى ضمن هدف يحدده بما يتوافق مع المؤشرات الاقتصادية للدولة.
مصدر الفيدرالي الأميركي في شراء الأصول
إنهم ببساطة يصنعونه من فراغ، وهذا ما تتحدث عنه وسائل الإعلام الاقتصادية عندما تشير إلى طباعة الاحتياطي الفيدرالي للنقود في الولايات المتحدة، يمتلك المركزي الأميركي هذه القوة الفريدة حيث يصدر ائتمانا للبنوك الفيدرالية مقابل شرائه للأصول والتي بدورها تبقي عملية شراء الأصول مستمرة لتوفير السيولة بشكل كبير للبنوك التجارية، والتي بدورها سوف تقرضها للأفراد والشركات بمعدلات فائدة منخفضة جدا، حيث أن توسيع الائتمان له تاثير كبير في إدخال موجة سيولة كبيرة داخل النشاطات الاقتصادية المختلفة، وهو الحل الذي يتبعه الاحتياطي الفيدرالي لتحفيز الاقتراض والاستثمار والنمو الاقتصادي وهذه الأشياء جميعها تساعد في إنهاء الركود.
برنامج الاحتياطي الفيدرالي الأميركي
في 15 آذار/ مارس 2020 ، أعلن مجلس الاحتياطي الفيدرالي أنه سيطلق برنامج التيسير الكمي بشراء 500 مليار دولار من سندات الخزانة الأميركية و200 مليار دولار من الأوراق المالية المدعومة بالرهن العقاري على مدى الأشهر القليلة القادمة، وفي 23 آذار/ مارس 2020، عقدت اللجنة الفدرالية للسوق المفتوحة اجتماعًا طارئًا لتوسيع البرنامج ليصبح برنامج شراء غير محدود للأصول بما فيها سندات الشركات.
تجارب سابقة للتيسير الكمي
مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي نجح في التيسير الكمي عام 2008 بعد أزمة الرهن العقاري وأضاف حوالي تريليوني دولار إلى المعروض النقدي، وكان ذلك يعتبر أكبر توسع من أي برنامج تحفيز اقتصادي في التاريخ، ونتيجة لذلك، تضاعفت الميزانية العمومية للاحتياطي الفيدرالي من 2.1 تريليون دولار في 2008 إلى ما يقدر بـ 4.4 تريليون دولار في عام 2014.
وحقق التسهيل الكمي منذ عام 2008 بعض أهدافه وساهم في إخراج الاقتصاد الأميركي من الركود، وساهم أيضا في توفير سيولة للبنوك والشركات لإعادة شراء أسهمها في الأسواق المالية مما ساهم في ارتفاع أسواق الأسهم الأميركية إلى مستويات قياسية جديدة حتى بداية العام الحالي وقبل هبوطه مجددا بفعل تاثير ازمة كورونا التي يعيشها العالم حاليا.