تفوقت البنوك الإماراتية على الأوروبية بأكثر من الضعف في تجنيب مخصصات لتغطية القروض المتعثرة بها ما يؤكد سلامة وصلابة القطاع المالي والمصرفي في الإمارات وجاء هذا التفوق نتيجة الإجراءات الاحترازية المتتالية التي تتخذها إدارة المصرف المركزي الجديدة.
وتكشف إحصاءات تقرير الاستقرار المالي 2018 وتقرير مؤشرات السلامة المالية للقطاع المصرفي في الإمارات بنهاية الربع الأول من 2019 عن أن البنوك العاملة في الدولة تجنّب مخصصات لتغطية جميع القروض في القطاع المصرفي بواقع 106.1% كأحد أهم مؤشرات السلامة المالية في القطاع المصرفي بالدولة، متخطية بذلك معايير المصرف المركزي التي تتطلب نسبة 100% ومتفوقة على البنوك الأوروبية بأكثر من الضعفين.
وتشير إحصاءات البنوك المركزية الأوروبية إلى أن متوسط تغطية مخصصات بنوك الدول الأوروبية للقروض المتعثرة بها يبلغ 45.1% وتتباين النسبة من بلد لآخر، حيث تصل في المجر إلى 67.6% ورومانيا 64.8% وبلغاريا 58.6% وفرنسا 50.8% والنمسا 48.4%، بينما تصل في حدها الأدنى بفنلندا إلى 26.7%.
القروض المتعثرة
ووفقاً لتقرير الاستقرار المالي الذي أصدره المصرف المركزي فإن نسبة القروض المتعثرة في النظام المصرفي بالإمارات تصل إلى 5.6% طبقاً للآلية المحسنة الجديدة لاحتساب نسبة القروض المتعثرة التي أقرّها المصرف مؤخراً من دون حساب الفوائد المعلقة، وهى نسبة جيدة مقارنة بمحفظة الإقراض للقطاع فضلاً عن أن هذه النسبة لم ترتفع خلال السنوات الخمس الماضية وظلت مستقرة بين 5% و5.7%، وسجلت قيمة القروض المتعثرة بنهاية 2018 نحو 117 مليار درهم من إجمالي محفظة الإقراض للقطاع البالغة 1.74 تريليون وجنبت البنوك مخصصات بقيمة 123 مليار درهم لتغطية القروض المتعثرة منها مخصصات خاصة وفوائد معلقة بقيمة 90.8 مليار درهم ومخصصات عامة بقيمة 32.1 ملياراً.
وتكشف الإحصاءات عن أن نسبة المخصصات التي جنبتها البنوك الوطنية للقروض المتعثرة بلغت 114.7%، كما بلغت النسبة في البنوك الإسلامية 125%.
وشهدت هذه النسبة تراجعاً خلال السنوات الثلاث الماضية رغم زيادة الإقراض ما يدل على التحسن الملحوظ في تحصيل البنوك لقروضها.
ووفقاً للإحصاءات فإن معدل تغطية المخصصات للقروض المتعثرة للنظام المصرفي في الإمارات بلغ 113% عام 2016 ثم تراجع إلى 109% في 2017 ثم 106% في 2018، كما تراجع المعدل للبنوك الوطنية من 118% لعام 2016 مقابل 114.7% لعام 2018 وأيضاً البنوك الإسلامية من 143.9% لعام 2016 إلى 125% لعام 2018.
صلابة
ويؤكد وضاح الطه، الخبير المالي عضو المعهد الأوروبي لحوكمة الشركات، أن النظام المصرفي الإماراتي يزداد صلابة وقوة بفضل الإجراءات الاحترازية التي يتخذها المصرف المركزي تحت قيادته الجديدة مشيراً إلى أن تغطية القروض بمخصصات بنهاية العام الماضي وخلال الربع الأول من العام الجاري تتجاوز المطلوب من المصرف المركزي، وهناك معايير متحفظة يطالب المصرف المركزي البنوك بتطبيقها تعطي نوعاً من القوة والرصانة للنظام المصرفي الإماراتي وهي نقطة إيجابية تحسب للمصرف.
وأوضح أن مخصصات البنوك الإماراتية للقروض المتعثرة تفوق مخصصات نظيرتها الأوروبية بأكثر من الضعف، لافتاً إلى أن تراجع معدل المخصصات بنهاية عام 2018 مقارنة بعام 2016 بنسبة 2.7% أمر غير مقلق، بل هي نسبة صحية جداً، حيث تشير إلى أن جودة القروض في عام 2018 كانت جيدة جداً ولم تسفر عن زيادة ملحوظة في المخصصات، فضلاً عن أن البنوك تغطي القروض المتعثرة أو المشكوك في تحصيلها بشكل مريح جداً.
فضلاً عن ذلك، فإنها تعبر عن مستوى التحفظ على جودة القروض. كما أن تراجع المخصصات حدث مع زيادة الإقراض من 1.64 تريليون درهم 2016 إلى1.73 تريليون لعام 2018 أي في ظل زيادة في الإقراض بنحو 97 مليار درهم، كما أن تراجع المخصصات الكبيرة يأتي في ظل ارتفاع غير مسبوق في أصول البنوك إلى ما يقارب 2.9 تريليون درهم. وقد نشهد هذا العام للمرة الأولى تحقيق أصول البنوك لمستوى 3 تريليونات درهم إضافة إلى نمو الودائع المصرفية للمقيمين أو غير المقيمين.
ووفقاً لأحدث إحصاءات المصرف المركزي تراجعت ودائع غير المقيمين من 213.4 مليار درهم بنهاية ديسمبر 2018 إلى 209.3 مليارات بنهاية مايو الماضي بفارق 4.1 مليارات درهم وبنسبة انخفاض 1.9%، إلا أن وضاح الطه يشير أن هذا التراجع قد يكون سببه توطين ودائع لغير المقيمين بعد تطبيق قرارات الإقامات الذهبية الجديدة طويلة الأمد التي استفاد بها أكثر من 6500 مستثمر.
من جانبه، يؤكد أحمد يوسف مدير إدارة الخزينة والاستثمار في مصرف الإمارات للتنمية، أن السياسات الاحترازية التي يطبقها المصرف المركزي للحد من القروض المتعثرة أو المشكوك في تحصيلها تؤكد نجاحاتها، لافتاً إلى أن البنوك الإماراتية ما زالت تحقق مستويات قياسية من الأرباح رغم ارتفاع قيمة مخصصاتها. ووفقاً لتقرير الاستقرار المالي 2018 فإن أرباح البنوك زادت عن 9.8% وهي نسبة جيدة جداً ومريحة جداً في ظل الأوضاع المصرفية والاقتصادية إقليمياً.
ويرى أنه لو قارنّا مخصصات البنوك للقروض المتعثرة بحجم أصولها أو إجمالي محفظة قروضها فسنجد أن المخصصات وكذلك القروض المتعثرة تمثل نسبة غير مقلقة، خاصة مع تجاوز السيولة بالبنوك مستويات غير قياسية بأكثر من 1.6 تريليون درهم. وبلا شك فإن لدى البنوك الإماراتية اليوم الكثير من الأصول والسيولة التي تقويها ائتمانياً.
ويلفت إلى أن تراجع مخصصات القروض المتعثرة يكشف أيضاً عن تراجع نسبة وعدد المتعثرين عما كان في الماضي.
ويتفق نجيب الشامسي الخبير الاقتصادي مستشار غرفة أبوظبي، مع ما ذكره أحمد يوسف، مشيراً إلى وجود دلائل كثيرة تعكسها بيانات وإحصاءات المصرف المركزي تؤكد أن المصرف المركزي يوجه سياسة الائتمان خلال الفترة الأخيرة بشكل جيد جداً، حيث تراجعت القروض الشخصية بينما زادت القروض الموجهة لقطاعات الأعمال والصناعة والتجزئة، وهذا توجه إيجابي لأنه يوجه القروض لقطاعات أكثر إنتاجية.
ويرى الشامسي أن المصرف المركزي قد يجد مقاومة من البنوك بسبب طبيعتها كبنوك تجارية تفضل القروض الشخصية على القروض التجارية لأن أرباحها من القروض الشخصية أكبر، فضلاً عن أن سداد هذا النوع من القروض لا يتطلب فترات طويلة مثل القروض الموجهة لقطاع الأعمال والصناعة.