بعد تسع سنوات من أشغال هائلة، تدشن بنما اليوم قناتها التي جُدّدت ووُسّعت لاستقبال سفن أكبر، على أمل حفــــز قطاعهــا التجاري وانتزاع زبائن من منافستها الرئيسة، قناة السويس. وبحضور قادة نحو 10 دول، بينهم رئيس تايوان تساي اينغ وين والرئيسة التشيلية ميشال باشيليه، ستكون سفينة صينية أطلق عليها اسم «كوسكو شيبينغ بنما»، لهذه المناسبة، أول سفينة تعبر القناة بعد توسيعها.
وباتت البنية التحتية، التي يبلـــغ عمرها 102 عام، تسمح بمرور سفن تنقل 14 ألف حاوية ويمكن أن يبلغ عرضها 49 متراً وطولها 366 مـــتراً، أي أن قدرتها زادت 3 أضعـــاف. وكانت في الماضي السفن الكبيرة جداً مضطرة إلى سلوك قناة السويس الأوسع. ولذلك تأمل بنما بأن تحسّن خلال 10 أعوام أداءها السنوي عبر مضاعفة حجم العبور (الترانزيت) بمقدار 300 مليون طن، والعائدات بمقدار بليون دولار.
والقناتان فكرة المهندس والديبلوماسي الفرنسي فردينان دو ليسبس (1805 – 1894)، الذي استطاع تنفيذ قناة السويس وفشل في تنفيذ قناة بنما بسبب تفشي الأمراض بين العمال قبل أن تشتري حكومة الولايات المتحدة المشروع وتنفذه. ونالت بنما إدارة القناة في 1999 بعد عقود من المفاوضات الشاقة مع الولايات المتحدة.
وتشكل القناة معبراً إلزامياً لخمسة في المئة من التجارة البحرية العالمية، والدولتان الرئيستان اللتان تستخدمانها هما الولايات المتحدة والصين. وستكون بنما أول المستفيدين من تحسّن العائدات، إذ قال الرئيس السابق للبلاد نائب الرئيس السابق للبنك الدولي في أميركا اللاتينية نيكولاس ارديتو بارليتا: «مع قناة موسعة، ستزداد عائدات الخزانة، ما سيعود بالفائدة على قطاعات أخرى للنشاط الاقتصادي في البلاد». وأضاف أن «القناة ونشاطات لوجستية أخرى وخدمات مصرفية مرتبطة بها، تؤمن 45 في المئة من إجمالي الناتج المحلي».
وستستفيد التجارة العالمية أيضاً من العملية بينما ستستفيد الولايات المتحدة وآسيا من خفض نفقات انتقال البضائع بينها. وأكبر سوق مستهدفة بتوسيع القناة هي نقل الغاز الطبيعي المسال من ولايتي تكساس ولويزيانا الأميركيتين إلى آسيا، وتحديداً إلى اليابان. وقال الرئيس البنمي خوان كارلوس فاريلا لوكالة «فرانس برس» إن «تدشين القناة الموسعة يعني فرصاً جديدة للتجارة الدولية، وبالنسبة لبنما، تعزيز الامتيازات التنافسية كمركز لوجستي».
يأتي الاحتفال بتدشين القناة في وقت مناسب للبلاد التي هزتها فضيحة التهرّب الضريبي العالمية، أو ما عُرف بفضيحة «أوراق بنما»، التي كشفت منذ بداية نيسان (أبريل) عن استخدام شركات وهمية اوفشور عبر مكتب المحاماة البنمي موساك فونسيكا للتهرّب الضريبي. ويريد هذا البلد جذب أنظار العالم بهذه القناة الشهيرة التي أعلنت واحدة من العجائب السبع في العالم الحديث. وقال مدير القناة خورخي كيخانو: «نظهر للعالم الوجه الحقيقي لبنما، وهذا يجب أن يؤثر إيجاباً في صورة البلاد في مواجهة ما نمر به من صعوبات»، مضيفاً أن «الأشغال انتهت ونشعر بارتياح كاف لننتقل إلى مرحلة العمليات».
وكان المشروع يقضي عند إطلاقه عام 2007، ببناء قناة ثالثة وسد متحرك ثالث على جانب المحيط الهادئ وآخر على البحر الكاريبي مع تحسين جوانب أخرى في القناة. ولكن التنفيذ بدا أكثر تعقيداً واستمرت الخلافات بين إدارة القناة والتجمع الموحد للقناة (الكونسورسيوم) المكلف إنجاز الأشغال، ما أدى إلى تأخير.
وعام 2014، لم يتردد الكونسورسيوم الذي يضم المجموعات الإسبانية «ساسير» والايطالية «ساليني ايمبريجيليو» والبلجيكية «جاد دي نول» والبنمية «كونستروكتورا اوربانا»، في تعليق العمل للمطالبة بموازنة إضافية قيمتها 3.5 بليون دولار. وشكلت إضرابات عديدة نفذها عمّال، وتشققات ظهرت في أحد السدود الجديدة، ضربة جديدة للمروّجين للمشروع.
وستدشن القناة الموسّعة بعد تأخير بلغ 20 شهراً وكلفة 5.45 بليون دولار، ولكن الخبير البنمي أستاذ العلوم السياسية في جامعة ولاية فلوريدا كارلوس غيفارا مان قال إن «الكلفة قد تكون أكبر من المتوقع بكثير بسبب المبالغ التي يطالب بها الكونسورسيوم».