بناءً على توجيهات صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، كشفت بلدية دبي عن انجاز مشروع إحياء حي الأسواق التقليدية بمنطقة ديرة وتطوير نطاقها المعماري والعمراني، وذلك ضمن مشاريع تطوير المنطقة التجارية التاريخية بما يتناسب مع قيمتها التراثية ويدعم دورها كعنصر مهم في منظومة العمل الثقافي والسياحي والتجاري في الإمارة، انطلاقاً من حرص القيادة الرشيدة على الحفاظ على الشواهد التراثية وترسيخ الهوية الوطنية، وتأكيد مكانة دولة الإمارات على الخارطة الاقتصادية والسياحية والثقافية الإقليمية والدولية.
تأتي هذه الخطوة في إطار المشاريع التطويرية التي اعتمدها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم في يناير الماضي خلال زيارة سموه لمقر بلدية دبي، وتتولى البلدية تنفيذها بقيمة إجمالية تناهز 6.5 مليار درهم، حيث يركز مشروع تطوير الأسواق التقليدية على الحفاظ على الطابع والهوية التراثية لتلك الأسواق وتشجيع العناصر التجارية، وإيجاد المقومات الكفيلة بزيادة جاذبيتها كمناطق سياحية وتجارية ورفع أعداد الزائرين سواء من داخل الدولة أو خارجها.
وفي هذه المناسبة، قال سعادة المهندس داوود الهاجري، مدير عام بلدية دبي: “شهدت إمارة دبي قفزات تنموية كبيرة خلال العقود القليلة الماضية، وتحولت خلال فترة زمنية وجيزة إلى مركز عالمي للتجارة والأعمال وحلقة محورية لتدفقات التجارة العالمية، ونجحت في تبوء مكانة متميزة كعاصمة للاقتصاد و لتجارة التجزئة في المنطقة مدعومة بذلك بمجموعة من الأسواق الحديثة التي تعد من الأهم في العالم بما تضمه من أهم العلامات التجارية العالمية، إلا أن ذلك لم يطغ يوما على الاهتمام بالأسواق التقليدية التي كانت بمثابة النواة التي انطلقت منها ومازالت النهضة التجارية والاقتصادية الكبيرة التي تشهدها دبي في وقتنا الراهن، وكانت توجيهات صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم واضحة بضرورة الاهتمام بتلك الأسواق والارتقاء بمكوناتها والعمل على استعادتها لجاذبيتها وروقنها الذي أكسبها شهرة واسعة في المنطقة على مدار عقود ومازالت وتحولت فيها إلى جزء مهم ورئيس من تاريخ الإمارة.”
وأضاف مدير عام بلدية دبي، “انطلاقا من أهمية الحفاظ على التراث بشقيه المادي والمعنوي، وخاصة المناطق التراثية والتي ما زالت تشهد نشاطاً تجارياً كبيراً، وفي إطار جهودها لتطوير المدينة والمحافظة على هويتها ومورثها الحضاري، فقد قامت بلدية دبي باتخاذ التدابير اللازمة لتطوير أسواق دبي التقليدية بموجب توجيهات صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد ال مكتوم رعاه الله بأسلوب يتناسب مع الطبيعة العالمية لمدينة دبي مع عدم الإخلال بالطبيعة التراثية لتلك الأسواق وكذلك ملامحها القديمة وبما يحفظ عليها روعتها وسماتها الأساسية التي طالما عرفها الناس بها عبر السنين”.
رؤية وأهداف
ويهدف مشروع حي أسواق ديره التقليدية إلى إعادة إحياء وتنظيم تلك الأسواق واستعادة دورها كمركز تجاري يخدم أهل الإمارات والمنطقة وكذلك زوار الدولة من مختلف انحاء العالم، بما يضمه من منتجات متنوعة ذات أسعار تنافسية وتلقى إقبالاً واسعاً من الزوار لاسيما السياح الذين يجدون في تلك الأسواق بغيتهم من منتجات تراثية وتقليدية في حين تشتهر تلك الأسواق بتجارة الجملة وبأحجام ضخمة.
كما يهدف المشروع إلى المحافظة على المباني التاريخية الموجودة بالمنطقة والتي يزيد عددها على 220 مبنى، إذ قامت البلدية بتنفيذ مشروع ترميم واجهات مباني المنطقة بالإضافة إلى ترميم باقي المباني التاريخية القائمة وفقاً لقيمتها التاريخية والمعمارية بالإضافة إلى إحياء الحِرَف والأسواق التقليدية للحفاظ عليها من الاندثار.
وتتضمن أهداف المشروع كذلك تحسين النطاق العمراني للمنطقة وذلك بتحسين مسارات الحركة والساحات وتوظيفها بالأسلوب الأمثل الذي يتناسب والأهمية التاريخية للمنطقة، وتحسين المجال البصري العام لنطاقها وذلك بتعديل واجهات المباني الحديثة المحيطة بإضفاء الطابع التقليدي عليها لتنسجم مع الطابع المعماري المميز للمنطقة.
وقد قامت البلدية بترميم وإعادة تأهيل أقدم تجمّع تجاري في دبي من خلال إعداد دراسات تخصصية للمنطقة، شملت كافة الجوانب العمرانية والمعمارية بما يضمن الحفاظ على مفردات الأصالة المعمارية التي تتمتع بها الأسواق القديمة. وقد تم ترميم وإعادة توظيف المحلات التجارية حسب المتطلبات العامة للمنطقة التجارية. وقد استخدمت المواد التقليدية المتعارف عليها في تطوير السوق باستخدام حجر المرجان والجص على الجدران، والجبس وسعف النخيل والخشب على الأسقف، حرصا أن يكون السوق القديم في صورته المُطوَّرة مصدر إلهام إقليمياً وعالمياً في مجال الاستدامة الاقتصادية والاجتماعية والحفاظ على التراث.
مرحلتين للتطوير
ويشمل مشروع تطوير أسواق دبي مرحلتين، الأولى في جزء من منطقة ديرة والذي شمل تظليل السكيك وتطوير الأرضيات والأسقف وتثبيت لوحات لمسميات مداخل الأسواق، واللوحات الإرشادية، بما ييسر ربط الأسواق ويسهل حركة الزائرين، فضلا عن توفير الكثير من المواقع لتوفير فرصة لاستراحات قصيرة لمرتادي السوق وكذلك زراعة المنطقة بالأشجار التي كانت موجودة بالمنطقة كأشجار اللوز والسدر.
وتم تغيير لوحات أسماء الشوارع لتأخذ الطابع التراثي وروح المكان، حيث استبدلت جميع لوحات أسماء الشوارع المحيطة بمنطقة الأسواق التقليدية باللوحات الجديدة كمرحلة أولى، وسيتم تغيير جميع اللوحات في منطقة ديره التاريخية لتأخذ نفس الطابع التراثي، ولإبراز مبنى المواقف الواقع بالقرب من منطقة الأسواق وذلك لتعريف الجمهور بوجود المبنى بالقرب من السوق لتسهيل وصولهم للأسواق.
وشملت المرحلة الثانية من مشروع تطوير الأسواق التقليدية تخصيص موقع إضافي للعبرة المائية في الجهة المقابلة لحي الشندغة التاريخي، وتوفير موقع للحافلات، وسيتم تنفيذ تلك المواقع بالتزامن مع تنفيذ مشروع واجهة ديره البحرية التابع لمؤسسة اثراء بهدف تيسير الوصول لمنطقة الأسواق وتوفير أكثر من وسيلة نقل في نفس الموقع.
وأوضحت بلدية دبي أنها تقوم حاليا بدراسة خطة شاملة لكامل المنطقة التاريخية في ديره وبر دبي ستتضمن تغيير كافة المكونات العمرانية للمنطقة لتأخذ الطابع التراثي وتعكس الهوية التاريخية للمكان، وستتضمن كذلك تغيير إنارة الشوارع لتأخذ الطابع التاريخي وكذلك اللوحات الخاصة بأسماء المناطق، كما ستقوم باستكمال التطبيق الذكي لمنطقة الأسواق والذي سيتضمن جولة تعريفية للأسواق ومعلومات عن أهم المعالم التراثية بها، وغيرها من الأفكار التطويرية التي من شأنها تحسين حركة السياحة والتجارة بالمنطقة.
وسعياً لإشراك المجتمع وتشجيع الشباب على الاهتمام بتراثهم وموروثهم التاريخي والثقافي وتوثيق ارتباطهم بهويتهم ماضيهم العريق، أطلقت بلدية دبي دعوة للتطوع لاستقطاب الشباب المواطنين للمساهمة في الترويج لهذا المشروع التراثي، وتقديم خدمة مجتمعية للإمارة من خلال استقبال الزوار وتعريفهم بالمنطقة.
أهمية تجارية وتاريخية
وتعد أسواق ديرة وبر دبي التقليدية من أهم الأسواق التجارية التي ذاع صيتها قديما وما زالت حتى الان إذ يعود تاريخ تأسيسها تقريباً إلى العام 1850م، ويبقى السوق الكبير في ديره أقدم الأسواق التقليدية وأهمها، وتكمن أهميته باتصاله المباشر مع الميناء الممتد على الخور، حيث تقف اليوم مئات السفن الخشبية التي تحمل مختلف البضائع وتمتد رحلاتها البحرية إلى أفريقيا وشبه القارة الهندية.
ويمتد السوق على امتداد يماثل عرض سكة ضيقة، وهو مخصص للمشاة وتنتشر فيه الدكاكين والمحال التجارية الصغيرة وتعلوه بعض أبراج الهواء التقليدية لتوفر المناخ اللطيف للمتسوقين، بالإضافة إلى تلك الكوات الجصية أعلى الأبواب للتهوية، بينما تشكل الأبواب الكبيرة المصنوعة من الخشب الصاج الأحمر الداكن جانبا من شخصية المكان.
وهناك أيضاً سوق “المواعين” أو المعدن حيث اعتاد الناس شراء تجهيزات المطبخ من قدور وصواني، وسوق التوابل والدويات لبيع مواد العطارة والأدوية، وسوق بالشالات المشهور ببيع الأقمشة، وسوق المناظر وكان مخصصا لبيع المستلزمات الخاصة بالنساء، وسوق المطارح واشتهر ببيع المساند والوسادات (التكي)، فضلا عن “سوق المواد الغذائية” و”سوق الأدوات البحرية” و”سوق الخلك” (الأقمشة)، و”سوق الظلام” وغيرها.