سميت باريس عاصمة النور منذ ذلك الوقت نظرا لغزارة المعارف التي نهل منها أهل المشرق ونقلوها إلى بلادهم عقب عودتهم. وهي الآن قد لا تقوم بنفس الدور التنويري الذي كانت تتقلده قبل قرنين من الزمان ولكنها تعد أحد المقاصد السياحية الرئيسية في أوروبا للعرب وللجنسيات الأخرى أيضا. وهي ربما العاصمة الأوروبية الوحيدة التي يتضح ارتباطها بالعالم العربي عبر معهد العالم العربي الذي أنشئ منذ سبعينات القرن الماضي ليكون رابطا حديثا بين الشرق والغرب.
وتعود شهرة باريس كمركز للعلوم والآداب إلى القرن الثاني عشر حيث ظلت منذ ذلك الوقت أكبر مدينة أوروبية ومركزا للتعلم في جميع المجالات لبقية للفرنسيين والزائرين على السواء. ويسكن باريس الكبرى الآن نحو 12 مليون نسمة، وتساهم المدينة وأحياؤها القريبة بنحو 572 مليار يورو في الدخل الفرنسي، أو ما يعادل ربع الناتج المحلي الإجمالي. وهي بذلك تعد من أكثر مدن العالم توليدا لمصادر الدخل، وأهم مصادر هذا الدخل هو صناعة السياحة. وهي أيضا جاذبة للهجرة حيث يقطنها نسبة 37 في المائة من كل المهاجرين إلى فرنسا، وهم يشكلون نسبة تقترب من 20 في المائة من سكان المدينة.
وتعد فرنسا هي الدولة السياحية الأولى في العالم بعدد سياح يصل إلى 79 مليون سائح سنويا، وتمر نسبة كبيرة من هؤلاء على باريس، سواء كمقصد سياحي رئيسي أو ضمن برامج سياحية فرنسية. وربما لهذا السبب تتخذ منظمة اليونيسكو باريس كمقر لأربعة من مراكز التراث العالمي كما تستقر بها الكثير من المنظمات العالمية.
ومن الصعب حصر عناصر الجاذبية في باريس للسياح، فالكثير منهم يذهب لمجرد التسوق أو الجلوس على المقاهي الباريسية الشهيرة أو تذوق أصناف المطبخ الفرنسي الذي يعتبر من الأفضل في العالم. ولكن من السهل القول إن في باريس كل ما يشتهي السائح الأجنبي مهما كان ذوقه وميوله. كما أنها أيضا بوتقة عرقية ودينية لكل أجناس البشر، وتسكنها جالية عربية كبيرة من بلدان المشرق والمغرب العربي.
ولعل أهم المعالم السياحية في باريس هو برج أيفل وقوس النصر ومتحف اللوفر. والغريب أن برج إيفل بناه غوستاف إيفل لكي يكون بناء مؤقتا للاحتفال بالمعرض العالمي الذي أقيم في المدينة عام 1889. ولكنه بقي في موقعه كعلامة تشتهر بها باريس عالميا. أما قوس النصر فهو يقع في ميدان تشارل ديغول (كان يسمى قبل ذلك ميدان النجمة) وأقيم لتكريم ذكرى هؤلاء الذي قتلوا في الثورة الفرنسية والحروب النابوليونية. وافتتح قوس النصر في عام 1836. أما متحف اللوفر فيقع في قصر يحمل الاسم نفسه، بينما يضم قصر آخر اسمه غارنييه مقر فرقة باريس للباليه. أما أقدم معالم باريس على الإطلاق، فهي المسلة المصرية التي تطل على مجرى نهر السين.
ويشتهر الحي اللاتيني بأنه يضم جالية عربية مقيمة في المدينة كما أنه يضم مبنى السوربون، وهو جزء من جامعة باريس. ويشتهر تاريخيا أيضا «بلاس دو لا باستيل»، الذي يمثل للفرنسيين مكانا مميزا مثل ميدان التحرير في القاهرة، حيث كان منطلقا للثورة الفرنسية والكثير من الاحتجاجات الأخرى. أما «بلاس دو لا كونكورد» في الحي الثامن في نهاية شارع الشانزلزيه، فكان اسمه التاريخي ميدان لويس الخامس عشر، ولكنه اكتسب الاسم الجديد بعد الثورة وكانت الإعدامات بالمقصلة تجرى في هذا الميدان. وبالقرب من هذه المنطقة أيضا تقع أشهر فنادق باريس، مثل الريتز، ومحلات المجوهرات والأزياء الباريسية. وهو أيضا قريب من شارع الشانزلزيه نفسه الذي يعد من أشهر المزارات السياحية للتسوق في باريس.
وفي الحي الثامن أيضا، تتفرع من الشانزلزيه جادة مونتاني (افينيو مونتاني) حيث توجد أشهر العلامات التجارية الفرنسية مثل شانيل ولوي فوتون وديور وجيفنشي. وفي حي الأعمال «لا ديفانس» تنتشر ناطحات السحاب الأعلى في باريس ومقار البنوك والوزارات الفرنسية. وهو أكبر حي أعمال في أوروبا بمساحة تصل إلى 3.5 مليون متر مربع.
وإذا كانت باريس الحديثة بوتقة لكل الأعراق، فالمطبخ الفرنسي أيضا تنوع إلى حد كبير واكتسب الطابع العالمي. وفي الماضي اجتذبت باريس الكثير من المهاجرين الفرنسيين من المناطق المختلفة بفضل شبكة السكك الحديدية التي جعلت من باريس مركزا لكل الخطوط المتفرعة إلى الأقاليم. وامتد هذا التنوع إلى المطبخ العالمي بعد قدوم المهاجرين الأجانب أيضا إلى باريس. وساهمت السكك الحديدية أيضا في جذب السياح إلى باريس منذ منتصف القرن التاسع عشر. وكانت بداية السياحة في باريس بالمعارض العالمية التي نظمتها المدينة. وتستقبل باريس سنويا نحو 28 مليون سائح منهم 17 مليون أجنبي. ويستقبل متحف اللوفر وحده ثمانية ملايين زائر سنويا، وهو أكثر المعارض إقبالا في العالم. كما يستقبل برج إيفل نحو ستة ملايين سائح سنويا، أي ما يقرب من 200 مليون زائر منذ نشأته. وتجذب «ديزني لاند» بالقرب من باريس 14.5 مليون زائر سنويا، وهي تعتبر من أشهر وجهات السياحة في أوروبا كلها وليس فقط في فرنسا.
وهناك الكثير من المعالم السياحية الحديثة في باريس مثل مركز بومبيدو، كما تتوجه بعض الملاهي المشهورة الآن إلى السياح بدلا من الباريسيين مثل الليدو ومولان روج. وأثناء زيارة باريس يمكن أيضا حضور مباريات أشهر فرق كرة قدم في المدينة وهو فريق «باريس سان جيرمان».
من التسهيلات السياحية المهمة ما يسمى «بطاقة باريس» (Paris Pass) وهي تذكرة لاستخدام كل وسائل المواصلات وزيارة المعالم السياحية من دون الحاجة إلى الوقوف في طوابير أمام المتاحف والمعالم المختلفة. كما يقدم الترخيص أيضا حسومات في بعض المطاعم. ويمكن شراء هذه البطاقات لمدد مختلفة من يومين إلى ستة أيام. ويجري أيضا تنظيم جولات سياحية في المدينة بالباص بحيث يمكن للسائح أن يختار النزول في أي موقع ومواصلة الرحلة في باص آخر فيما بعد. ويلجأ بعض السياح إلى اتخاذ باريس موقعا لرحلات استكشاف للمناطق القريبة مثل منطقة «شامبين» أو ساحل نورماندي، وهي رحلات لمدة يوم واحد.
ويقول خبراء سياحة إن أفضل نصيحة للمسافر إلى باريس هي أن ينطلق إلى استكشافها بلا خطط مسبقة وأن يمشي في شوارعها الخلفية ويتفاجأ بمعالمها التي تظهر له فجأة من أركان المدينة. وهذا هو الأسلوب الذي يتبعه معظم السياح العائدين إلى باريس عاما بعد آخر.
* معلومات عملية عن باريس:
– ترتفع درجات الحرارة في صيف باريس أحيانا إلى 30 درجة مئوية كما تنخفض إلى الصفر في الشتاء الممطر في معظم الأحيان.
– أكبر تكلفة في زيارة باريس تذهب إلى الإقامة الفندقية، وبحد أدنى قدره 60 يورو في الليلة. وتتكلف المطاعم وزيارة المتاحف نحو 60 يورو أخرى يوميا.
– على الرغم من فرض رسم خدمة على كل الخدمات، فإن عمال المطاعم وسائقي التاكسي يتوقعون بقشيشا ما بين 5 – 10 في المائة.
– تتاح أجهزة الصرف الآلي، واسمها الفرنسي «داب» (DAB) في كل المناطق، وتفرض رسوم على سحب النقد تصل إلى ثلاثة يورو لكل عملية في حالة عدم وجود حساب محلي. ويمكن استخدام بطاقات الائتمان في عمليات الشراء.
– يحتاج المسافر من خارج أوروبا إلى تأشيرة دخول أوروبية «شنغن» لدخول فرنسا.
– التأمين الصحي وتأمين السفر ليسا إجباريين ولكنهما مفيدان في حالات الطوارئ.
– المطار الدولي الرئيسي في باريس هو تشارل ديغول، وهناك أيضا المطار الفرعي، أورلي.
– شبكة مترو الإنفاق في باريس هي أفضل وسائل التنقل السريع في المدينة.