بينما تتهاوى أسعار النفط إلى أدنى مستوياتها في نحو 5 سنوات، تعطي مؤشرات الأسواق الناشئة صورة قاتمة لمستقبل يكتنفه الغموض في أعقاب سنوات من الرخاء شهدت خلالها تلك الأسواق تدفقات قدرت بتريليونات الدولارات.
وعلى مدار الأيام الماضية، شهدت أسواق المال والعملات في تلك البلدان هبوطا حادا يعزز من الفرضية السلبية لوتيرة النمو في تلك البلدان.
وقال محللون في «دويتشه بنك» و«كريدي سويس» لـ«الشرق الأوسط»، إن استمرار الهبوط في أسعار النفط غذى حالة من عدم اليقين لدى المستثمرين في تلك الأسواق بشأن وتيرة النمو، وهو ما عزز من التراجعات الكبيرة التي حدثت في أسواق تلك البلدان.
وتظهر حسابات لـ«الشرق الأوسط» مستقاة من معهد الصيرفة العالمي وصندوق النقد الدولي بلوغ التدفقات النقدية الخارجة من 8 أسواق كبرى في فئة الأسواق الناشئة نحو 1.2 تريليون دولار من أسواق الأسهم والسندات في تلك البلدان.
وهبط مؤشر «بلومبيرغ» الذي يقيس أداء 20 عملة من الأسواق الناشئة إلى أدنى مستوياته في نحو عقد من الزمان مع هبوط الروبل الروسي والليرة التركية إلى أدنى مستوياتها على الإطلاق مقابل الدولار.
وقال فريد هاونغ، خبير الأسواق الناشئة لدى «دويتشه بنك»، لـ«الشرق الأوسط»: «هناك حالة من الهلع بين المستثمرين في الأسواق الناشئة مع أزمة تلوح بالأفق شبيه إلى حد كبير لما حدث في عام 1998 حينما انهارت الغالبية العظمى من تلك الأسواق».
وتتشابه الأجواء حاليا مع أزمة طاحنة ضربت عددا كبيرا من الدول الآسيوية في أواخر القرن الماضي، حيث هربت الاستثمارات الأجنبية من تلك البلدان مع هبوط حاد في أسعار عملاتها، حيث فقد البات التايلاندي على سبيل المثال نحو نصف قيمته مقابل الدولار في 6 أشهر فقط.
إلا أن هاونغ يضيف، أن «عوامل أخرى تستطيع حماية اقتصادات تلك البلدان من أزمة شبيهة في مقدمتها الاحتياطات الأجنبية الضخمة لتلك البلدان والسياسات النقدية المرنة التي تتبعها البنوك المركزية».
ووفقا لصندوق النقد الدولي، فقد بلغت احتياطات الأسواق الناشئة من العملة الصعبة نحو 8.1 تريليون دولار مقابل نحو نصف تريليون دولار فقط في عام 1999. ويتابع هاونغ، أن «ما يفسر حالة الهلع على سبيل المثال في أسواق المال بتلك البلدان هو مخاوف من السندات والأوراق المالية التي تصدرها تلك الشركات بالخارج التي تتعرض لمخاطر جمة في مقدمتها تقلبات أسعار الصرف».
ويقول بنك التسويات الدولية في تقريره ربع السنوي الصادر مطلع الشهر الحالي، إن شركات الاقتصادات الناشئة، باستثناء البنوك، طرحت نحو نصف سندات الديون بين 2009 و2013، وبما يزيد على 252 مليار دولار من خلال وحدات خارجية. وأوضح البنك، أن شركات في البرازيل والصين وروسيا جمعت 35 مليار دولار من تدفقات خارجية في 2013.
وإلى أسواق السندات بالدول الناشئة، تظهر بيانات استقتها «الشرق الأوسط» من البنوك المركزية لتلك البلدان ارتفاعا كبيرا في العائد منذ بدء شرارة الهبوط في أسعار النفط التي انطلقت في مطلع الشهر الحالي.
ففي روسيا، ارتفع العائد على السندات الروسية المحلية لأجل 10 سنوات إلى 15.38 في المائة من مستوى سابق عند 11.8 في المائة، وفقا لبيانات مستقاة من موقع المركزي الروسي وهو أعلى مستوى لها منذ يناير (كانون الثاني) 2007.
ووصل العائد على سندات روسيا الدولية إلى 7.55 في المائة، مرتفعا بنحو 58 نقطة أساس منذ مطلع الشهر الحالي، بعد أن أقدم البنك المركزي الروسي على رفع الفائدة مرتين للدفاع عن الروبل في مقابل الدولار القوي.
وفي فنزويلا، أحد بلدان مجموعة «أوبك»، سجلت السندات الحكومية أسوأ أداء لها في نحو 16 عاما، مع ارتفاع العائد على سندات لأجل 20 عاما إلى 27.36 في المائة.
ولدى فنزويلا احتياطات من النقد الأجنبي تقدر بنحو 21.4 مليار دولار، في حين تبلغ الديون المستحقة على شركة «بترولاوس» الحكومية للنفط بنهاية 2016 نحو 21 مليار دولار. وتقول سيسليا غلين، مديرة صندوق استثماري في أدوات الدخل الثابت لدى «سيتي غروب»، إن «الأداء السيئ لسندات الأسواق الناشئة يعطي بعض الدلالة على هروب الاستثمارات الأجنبية من الأسواق الناشئة على الرغم من صعوبة بيع السندات مقارنة مع الأسهم على سبيل المثال».
وفي أسواق الأسهم، هوت مؤشرات الأسواق الناشئة منذ مطلع الشارع الحالي مع عمليات بيع جماعية في الأسواق العالمية وسط حالة من اليقين بشأن استمرار التعافي في الاقتصاد العالمي.
وهبط مؤشر «مورغان ستانلي» للأسواق الناشئة نحو 8 في المائة منذ مطلع الشهر الحالي. ومحت معظم الأسواق الناشئة مكاسب العام الحالي مع تسارع وتيرة الهبوط بالتزامن مع انخفاض أسعار النفط.
ففي روسيا تراجع المؤشر الرئيسي لسوق المال نحو 22 في المائة منذ مطلع الشهر الحالي، لتبلغ خسائره منذ مطلع العام الحالي نحو 56.5 في المائة. والمؤشر الروسي هو الأكثر تراجعا بين مؤشرات الأسواق الناشئة منذ مطلع العام.
وفي الصين، محا المؤشر معظم مكاسب العام مع تراجعه منذ مطلع الشهر الحالي بنحو 8.5 في المائة، ليتحول أداؤه إلى المنطقة السلبية منذ مطلع العام بتراجع نسبته 0.6 في المائة.
وتسببت موجة البيوع الأخيرة أيضا في تحول أسواق الإمارات إلى الخسارة ماحية كل مكاسب العام، ليتراجع مؤشر يقيس أداء دبي وأبوظبي معا بنسبة تبلغ 8.4 في المائة منذ مطلع العام الحالي.
وفقد مؤشر دبي نحو 46 في المائة في شهر، في حين سجلت سوق العاصمة أبوظبي أسوأ خسارة يومية لها منذ الأزمة المالية العالمية مع تراجعها نحو 6.5 في المائة في تعاملات الثلاثاء الماضي.
وعلى مؤشر «مورغان ستانلي» للأسواق الناشئة، يسجل المؤشر المصري ثاني أفضل أداء منذ مطلع العام الحالي بنسبة ارتفاع تبلغ نحو 18.7 في المائة بعد مؤشر تايلاند الذي ارتفع بنسبة تبلغ 22 في المائة بختام تعاملات الأربعاء الماضي.
وقالت جي بيتر، محللة أسواق المال لدى «كريدي سويس» لـ«الشرق الأوسط»، إن «عمليات البيع الجماعية في الأسواق الناشئة بالتزامن مع هبوط أسعار النفط يفسرها مخاوف من تباطؤ وتيرة النمو في تلك البلدان وتراجع الإنفاق الحكومي، خصوصا في الدول التي يمثل النفط الجانب الأكبر من إيراداتها».
وتضيف بيتر: «قد تستمر عمليات البيع خلال الفترة المقبلة في انتظار ما ستؤول إليه أسعار النفط العالمية، ولكن ذلك سيكون على المدى القصير».
وإلى أسواق العملات في الأسواق الناشئة، تظهر حسابات لـ«الشرق الأوسط» تراجعا في أداء الروبل الروسي بنحو 33.2 في المائة منذ مطلع الشهر الحالي، في حين تراجعت العملة نحو 48.2 في المائة منذ مطلع العام الحالي.كما هبطت العملة المكسيكية، البيزو، بنحو 8 في المائة منذ مطلع تعاملات ديسمبر (كانون الأول) الحالي، لتتراجع نحو 8.9 في المائة منذ مطلع العام الحالي مقابل الدولار الأميركي.
كما هبطت الليرة التركية بنحو 6 في المائة منذ مطلع تعاملات الشهر الحالي، لتقلل من مكاسبها أمام الدولار إلى نحو 0.6 في المائة فقط منذ مطلع العام.
وتوقعت «كابيتال إيكونوميكس لندن» معدل نمو كليا في الأسواق الناشئة عند 4.3 في المائة في يوليو (تموز) الماضي، منخفضا من 4.5 في المائة في يونيو (حزيران)، مع تباطؤ وتيرة النمو إلى 4.2 في المائة في أغسطس (آب) الماضي.