بدلا من البحث عن طعامها ورعاية صغارها بنفسها، تستعبد بعض أنواع النمل أنواعا أخرى للقيام بالعمل بدلا عنها. ويقاتل النمل من أجل نيل حريته والتخلص من عبودية “صانع الرقيق”، الذي يخضع أنواعا أخرى من النمل للقيام بالعمل نيابة عنه ويجند الرقيق عن طريق شن غارات على المستعمرات المحيطة.
يمكن أن يكون هذا النظام فعالا بشكل مرعب، بمعنى أنه مشابه للطرق المروعة التي كان يستخدمها البشر للإبقاء على الرقيق تحت السيطرة. ويدفع النمل المستعبد ثمنا باهظا يتمثل في عدم التكاثر.
بيد أن صناع الرقيق لا يحققون كل مبتغاهم كما يريدون، إذ يواجهون حربا من بعض ضحاياهم. ولا يدور رحى هذا المعركة من يوم إلى آخر وحسب، بل عبر زمن التطور- ولا أحد يعرف حتى الآن كيف ستنتهي.
بعد التزاوج، تفعل النملة صانعة الرقيق ما تفعله أي أم جيدة، إذ تجد مكانا مناسبا لوضع بيضها الثمين وحضانته.
ولكن بعكس النملات الأخريات، فهي تسعى وراء عش يعيش فيه نوع آخر من النمل. وخلال فصل الصيف، سيطفح هذا العش بالشرانق التي تستعد لتفقس وتصبح نملا بالغا.
تبدو المعركة الناتجة عن ذلك وكأنها أخذت مباشرة من الأساطير البشرية المليئة بالتآمر. وتعمل النملة صانعة الرقيق بصورة منهجية على إخراج جميع النمل البالغ من العش أو قتله. ثم تنتظر ظهور الشرانق.
بالنسبة للنمل، كما هو الحال بالنسبة لمخلوقات أخرى عديدة، فالروائح والمشاهد التي تواجهها بعد الولادة حاسمة: فتعلم صغار النمل ما هو “البيت”. وفي هذه الحالة، فالكوكتيلات الكيميائية التي يواجهها حديثو الولادة تخدعهم وتجعلهم يعتقدون أن النملة صانعة الرقيق هي ملكتهم ويتعلقون بها. وتكون هذه هي الخدعة الأولى.
وفي ظل وجود جيش وراءها وتحت إمرتها، تذهب الملكة لإنجاز عملها. فتضع بيضها، وعادة بيضة أو اثنتين. ويعمل النمل الرقيق على صيانة العش ورعاية فقسها.
وعندما تفقس، فهناك مهمة واحدة لبنات صانعة الرقيق الصغيرات ألا وهي تجنيد المزيد من الرقيق. ويبدأن باستكشفا الأعشاش المجاورة للنملات الأخريات. وبدلا من الهجوم المباشر، يتوجهن إلى البيت ويشكلن حزبا للمداهمة.
وستضم هذه المجموعة بعض النمل المضيف، وهذه هي الخدعة الثانية: إذ يخرج الرقيق المضيف مع عمال صانعي الرقيق ويعودون بالمزيد من الرقيق.
وقد ينتمي الرقيق الجديد إلى نفس نوع النمل المضيف. وإذا ما انقسم عش المضيف بعد الهجوم الأولي، فقد يجبر الرقيق أقرباءه على أن يصبحوا عبيدا.
وإن لم يكن ذلك شيطانيا بما يكفي، فإن صانعي الرقيق يعملون أيضا على إحداث حالة من الارتباك في الأعشاش التي يهاجمونها. وتقول سوزان فويتزيك، من جامعة يوهانس غوتنبرغ في ألمانيا: “إنهم يستخدمون الحرب الكيميائية”. وتوضح أن النمل، كجميع الحشرات الاجتماعية، له غدد “دوفور” التي تفرز مواد كيماوية يستخدمها للتواصل. وتقول: “يستخدم النمل غدة دوفور للتلاعب بالمدافعين المضيفين ودفعهم إلى مهاجمة بعضهم البعض بدلا من القتال ضد صانعي الرقيق”.
في هذه المرحلة، قد يبدو أن صناعة الرقيق هي أنجح وسيلة للعيش. ولكن هناك حدودا لفعاليتها، لأن العبودية نادرة في عالم النمل.
ومن بين قرابة 15000 من أنواع النمل المعروفة، سجلت صناعة الرق في 50 نوعا فقط. وهناك فصيلتان فقط من بين 21 فصيلة معروفة من النمل لديهما أنواع من صانعي الرق. وتنتمي خمس مجموعات فرعية من صانعي الرق إلى مجموعة واحدة صغيرة نسبيا تدعى “فورميكوكسينيني”.
وبناء على ذلك، تعتقد فويتزيك أنه قد يكون هناك المزيد من تلك الأنواع. وكان فريقها، في عام 2014، قد وصف نوعا أميركيا من صانعي الرقيق يدعى “تيمنوثوراكس بيلاجنز”، قائلا: “وجدنا هذا النوع في ميتشغان وفيرمونت ونيويورك، رغم أن المرء قد يعتقد أن عالم النمل في الولايات المتحدة قد درس بشكل جيد”.
والأمر الأكثر وضوحا هو أن صناع الرقيق قد يكونوا شائعين جدا، بحيث تبلغ كثافتهم نسبة مستعمرة واحدة لكل خمس مستعمرات مضيفة، حسب فويتزيك.
ويشن النمل العامل نحو ست غارات كل صيف، وفي كل مرة يقتل نملا بالغا ويستعبد شرانق مضيفة.
واستنادا إلى شجرة عائلة النمل، يبدو أن العبودية تطورت بشكل مستقل في ستة أنساب مختلفة، لكن كيفية حصول ذلك ليست معروفة.