يعد تطور الوضع الراهن في مصر منذ أواخر السبعينات أمرا مذهلا، وما تشهده البلاد اليوم من سياسات التحرير الاقتصادي، جزء من برنامج انفتاح الرئيس الأسبق، أنور السادات، آنذاك الذي أسفر عن تكبد البلاد ديونا ضخمة، بجانب خفض الإعانات الغذائية الأساسية في محاولة للحد من الإنفاق واسترضاء البنك الدولي.
ومع ارتفاع الأسعار بنسبة 50%، عصفت أعمال الشغب بالبلاد، وتسببت بمقتل 79 شخصا في اشتباكات بشوارع القاهرة، وألقت قوات الأمن القبض على أكثر من ألف شخص، ومن ثم اضطر السادات الى العودة عن القرار، لكن مرت البلاد بحالة من الركود الاقتصادي وأضعفت اقتصاد البلاد.
وانتقد الاقتصاديون البارزون مثل جوزيف ستيغليتز، الحائز على جائزة نوبل، النهج المتبع للسياسات المقررة في مصر، التي حققت على الورق قصة نجاح، حيث بداية تنشيط أسواق رأس المال، وخصخصة أكثر من ثلث القطاع العام بين عامي 1996 و1997، وبحلول أواسط العقد الأول من القرن العشرين، كان يسجل باستمرار مستويات عالية من النمو بنسبة 7%، ووصلت إلى مستويات جديدة لجذب الأجانب للاستثمار.
ومع ذلك، لم تحقق نتائج نمو تذكر بالنسبة للمواطنين العادين، وتركز الاستثمار الأجنبي إلى حد كبير على قطاعات مثل الغاز والتمويل، وهو ما لم يخلق فرص عمل، وبعد عمليات الخصخصة الواسعة تدهورت ظروف العمال، وارتفعت نسبة البطالة وانخفضت الأجور، ومنذ عام 2004، شارك العديد من المصريين في إضرابات واسعة النطاق في جميع أنحاء البلاد.
وارتفعت نسبة الفقر في البلاد، وأصبح الفقراء أكثر فقرا والأغنياء أكثر ثراء، كما منعت سياسة البلاد المواطنيين العاديين من الاستفادة من إمكانات بلادهم، وفي عام 2005، قررت مصر بيع الغاز الطبيعي للكيان الاسائيلي بأسعار أقل من السوق، مما كلف البلاد أكثر من 700 مليون دولار إيرادات مفقودة.
وظهرت المشكلة الاقتصادية بعد الأزمة المالية في عام 2008، وارتفعت أسعار المواد الغذائية بنسبة الثلث في أغسطس 2008، لتأتي ثورة 2011، فقد وصلت البلاد إلى نقطة الغليان.
بعد سنوات من انتظار الرخاء الموعود، لم يكن غريبا أن نسمع عن محمد البوعزيز الذي أشعل النار في نفسه في تونس؛ لعجزه عن توفير حياة كريمة لعائلته، ومن بعده، انتقلت الاحتجاجات إلى مصر، ليخرج الناس إلى الشوارع ليس فقط للإطاحة بالرئيس الأسبق، حسني مبارك، لكن أيضا للمطالبة بالعيش والحرية والعدالة الاجتماعية.
تتفاقم الأوضاع الاقتصادية في مصر منذ عام 2013، حيث الصراع السياسي الذي يعرقل الاستثمار الأجنبي والسياحة، واليوم يصل الدين العام المصري لنسبة 98% من الناتج المحلي الإجمالي، وعجز الميزانية إلى 11 مليار دولار.
وفي محاولة للإصلاح الاقتصادي، خفضت حكومة السيسي قيمة العملة إلى نحو النصف في نوفمبر الماضي، حتى وصل التضخم لأعلى مستوياته منذ عام 1986، بنسبة بلغت 33%، وأدخلت الحكومة أيضا ضريبة القيمة المضافة للمرة الأولى، مما رفع أسعار السلع، وفي الوقت نفسه خفضت الحكومة دعمها للوقود والكهرباء.
تدور مصر في دائرة مغلقة من الركود، حالتها اليوم تشبه الفترة التي أعقبت احتجاجات الخبز في السبعينات، كما أن سنوات التحرير الاقتصادي لم تحم البلاد أو توفر الازدهار المفترض، لكن توجه مصر مرة أخرى إلى صندوق النقد الدولي، يعد استمرارا للسياسات المتبعة لأكثر من ثلاثة عقود، وهي تخفيض العملة والخصخصة وتحرير سعر الصرف وخفض الدعم. وتكذيبا لادعاءات البنك الدولي وصندوق النقد، تظهر الإحصاءات أن سياسات الحكومة المصرية ليست فعالة، مما يدفع الاستثمار بعيدا.
المصدر : https://wp.me/p70vFa-lml