قال المدير العام لدائرة التنمية الاقتصادية في دبي، سامي القمزي، إن تخصيص النسخة الأولى من «حوارات اقتصادية» لمناقشة التنويع الاقتصادي، ما هو إلا تلبيه لتوجيهات صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، الرامية إلى إطلاق مبادرات وبرامج لازمة لتوجيه اقتصاد الإمارات بمعزل عن إيرادات النفط، ووضعه في مسار جديد نحو اقتصاد متنوع وقائم على المعرفة.
وأشار في كلمته الافتتاحية إلى أن تدشين الكتاب الصادر عن صندوق النقد الدولي تحت عنوان «الاستغناء عن النفط.. مسار صقور الخليج نحو التنوع الاقتصادي»، يأتي تجسيداً لإعلان صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، 2016 عاماً للقراءة، ورؤية صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، بضرورة تعزيز القراءة، غاية أساسية تؤدي إلى رفع مستوى المعرفة لدى المجتمع.
وتابع القمزي: «انتهجت قيادتنا استراتيجية واضحة للتنويع الاقتصادي بعيداً عن قطاع النفط والغاز على مر العقود الثلاثة الماضية، والذي كان يسهم في أوائل الثمانينات بنحو 55% من الناتج المحلي الإجمالي لإمارة دبي»، مشيراً إلى اعتماد القيادة على استراتيجية التنوع الاقتصادي والتنمية الاقتصادية المستدامة، الهادفة إلى تطوير مختلف القطاعات الاقتصادية من دون التركيز على قطاع معين.
تنوع إنتاجي
وقال القمزي: «تشير الإحصاءات الأخيرة للناتج المحلي لإمارة دبي إلى الانتقال النوعي والكمي إلى اقتصاد التنوع الإنتاجي في شتى المجالات، وفي فترة وجيزة من حيث سرعة وتيرة الإنجاز، ما يؤكد نجاح الاستراتيجية التي اتخذتها الحكومة، إذ يسهم النفط اليوم بأقل من 2% من الناتج المحلي الإجمالي في دبي، في حين أن قطاعات التجارة والعقارات والخدمات اللوجستية والمالية تشكل حالياً ركائز اقتصاد الإمارة».
وأضاف أن قطاع تجارة التجزئة والجملة وخدمات الإصلاح تصدر القطاعات المساهمة في الناتج المحلي لإمارة دبي في عام 2015، إذ أسهم بنسبة 29%، أي ما قيمته 107 مليارات درهم، متوقعاً أن ترتفع هذه المساهمة إلى 140 مليار درهم في عام 2021 مدعومة بـ«خطة دبي الاستراتيجية 2021»، إضافة إلى استضافة دبي لمعرض «إكسبو» العالمي 2020.
وذكر أن القطاع العقاري وخدمات الأعمال حل في المركز الثاني، إذ أسهم بنسبة 15%، بما قيمته 55 مليار درهم في الناتج المحلي الإجمالي للإمارة خلال عام 2015، على أن تصل مساهمة القطاع إلى 62 مليار درهم في عام 2021، فيما حل قطاع النقل والتخزين والاتصالات ثالثاً بنسبة 14.8%، محققاً 54 مليار درهم على أن ترتفع مساهمته إلى 15.7%، أي ما يعادل 80.1 مليار درهم بحلول عام 2021.
الإنجاز مستمر
وأكد القمزي أن دبي لم ولن تتوقف عند هذه الإنجازات، إذ اتخذ صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، قراراً استراتيجياً لتحويل دبي إلى أذكى مدينة في العالم، مشدداً على أن الكل مستعد لتحقيق هذا التغيير، وجعل دبي صقر الاقتصاد المعرفي في منطقة الخليج العربي، وتتمثل مهمتنا في تحقيق هذه الرسالة بحلول عام 2017.
وأوضح أن تجربة دبي في التنويع الاقتصادي أصبحت مثار إعجاب العالم، مؤكداً استمرار الجهود في هذا الاتجاه نحو تحقيق اقتصاد قائم على المعرفة، وبما يضمن الارتقاء بمعايير المعيشة على نحو مستدام.
وذكر القمزي أن الإمارة استقبلت خلال العام الماضي 14.2 مليون سائح، ما أسهم بنسبة 5.6% في ناتج الإمارة، أي ما قيمته 20.9 مليار درهم، مع توقعات بارتفاعها إلى نسبة 5.8% بحلول عام 2021، أي ما قيمته 29.5 مليار درهم، لافتاً إلى أن صندوق النقد الدولي يصف الإمارات بأنها واحدة من الاقتصادات الأكثر تنوعاً وتنافسية في منطقة الشرق الأوسط.
سوق صكوك
وأكد القمزي أن دبي حققت أول أهدافها، باعتبارها عاصمة عالمية للاقتصاد الإسلامي، وتصدرت كأكبر سوق للصكوك الإسلامية عالمياً، متجاوزة جميع العواصم الاقتصادية المنافسة بما فيها مراكز لندن وماليزيا وأيرلندا، لافتاً إلى زيادة إجمالي الصكوك الإسلامية المدرجة في أسواقها من 26 مليار درهم سابقاً إلى 135 مليار درهم في عام 2015.
ولفت إلى أن كتاب «الاستغناء عن النفط.. مسار صقور الخليج نحو التنوع الاقتصادي»، يبدأ بسؤال القراء عن تصور مستقبل لم يعد فيه النفط المصدر الرئيس للطاقة، مشيراً إلى أنه يكشف التجارب التي حفزت الشركات على تطوير صناعات تكنولوجية والتوجه نحو التصدير، فضلاً عن خطوات تحقيق النمو القياسي والتنويع الاقتصادي الحقيقي، ودور الدول في تحقيق ذلك.
استثمار النفط
من جانبه، قال كبير المستشارين الاقتصاديين في «اقتصادية دبي»، رائد الصفدي، إن «الإمارات استخدمت ثروتها النفطية في تحديث البنية التحتية وتوفير فرص العمل، وتحسين المؤشرات الاجتماعية، مع المحافظة على تراكم الاحتياطات الرسمية، وانخفاض الديون الخارجية، ودعم الدول الفقيرة في آن واحد»، مشيراً إلى أن متوسط النمو الاقتصادي الحقيقي في الدولة بلغ 5% سنوياً خلال الـ15 سنة الماضية، فضلاً عن نمو الأنشطة الاقتصادية غير النفطية بشكل مطرد، فيما يتوقع أن ترتفع حصة القطاعات غير النفطية من 70 إلى 80% خلال السنوات الـ15 المقبلة.
وتابع أنه وفقاً لمؤشر التنويع الاقتصادي الذي يركز على ثلاثة جوانب اقتصادية، هي: التصدير، وحصة القطاع غير النفطي، وإنفاق القطاع العام، تأتي الإمارات في المرتبة الأولى على دول مجلس التعاون الخليجي بنتيجة 57%، وهي نتيجة تفوق كلاً من أستراليا وروسيا، كما أنها قريبة من المعدل العالمي البالغ 58%، التي تشكلها كل من البرازيل وكندا.
خطوة جريئة
في السياق نفسه، قال مدير مركز الشرق الأوسط للاقتصاد والمال في صندوق النقد الدولي، الدكتور أسامة كنعان، إن استراتيجيات التنويع هي من الخطوات الجريئة التي أصبحت ذات أهمية خاصة في مواجهة انخفاض أسعار النفط، والحفاظ على مستويات المعيشة في جميع أنحاء دول مجلس التعاون الخليجي.
وأشار إلى أن هناك نقصاً في مجال الحوكمة لدى بعض الاقتصادات الخليجية، على الرغم من أن هناك تقدماً في مجال البنية الأساسية، مشدداً على أهمية إزالة العوائق التي تحد من دخول الاستثمارات الأجنبية، واتخاذ خطوات لإصلاح التعليم، والتركيز على عدد من القطاعات العلمية، ووضع أسس لتشجيع القطاع الخاص والبحث عن مصادر جديدة لتمويله، ومواجهة التحديات الخاصة بالعمالة.