قال معهد بلاك روك للاستثمار إن المملكة العربية السعودية قادرة على جذب الاستثمارات العالمية وتنويع اقتصادها بنجاح بفضل الموارد الطبيعية الوفيرة والقوى العاملة الشابة.
وفي أحدث تقرير لها، قالت شركة إدارة الأصول إن المملكة العربية السعودية توفر فرصاً كبيرة في الأسواق العامة والخاصة، على الرغم من أن النجاح سيعتمد على تقدم الحوكمة والتحسينات التنظيمية وإصلاحات سوق العمل.
وتنطلق المملكة حالياً في رحلة التنويع الاقتصادي المعروفة برؤية 2030 من خلال تعزيز القطاع الخاص غير النفطي وتقليص اعتمادها المستمر منذ عقود على عائدات النفط.
وبفضل سكانها الذين تغلب عليهم الشباب وإصلاحات العمل، نجحت المملكة في خفض معدل البطالة بين المواطنين السعوديين إلى 7.1% بحلول نهاية الربع الثاني من عام 2024، وهو ما يمثل انخفاضاً ربع سنوي قدره 0.5 نقطة مئوية وانخفاضاً سنوياً قدره 1.4 نقطة مئوية.
وبحلول نهاية الفترة الثانية من العام، شهد معدل البطالة بين الإناث السعوديات أيضاً انخفاضاً ربع سنوي حاداً بلغ 1.4 نقطة مئوية، ليصل إلى 12.8%.
وعلى صعيد الموارد الطبيعية، تمتلك السعودية ثروة معدنية وفيرة تقدر بنحو 3 تريليونات دولار، وتهدف رؤية 2030 إلى تحويل قطاع التعدين إلى الركيزة الثالثة لاقتصاد المملكة.
وقالت بلاك روك: “تقف المملكة العربية السعودية عند مفترق طرق التحول الاقتصادي. وعلى عكس العديد من الاقتصادات المتقدمة، نعتقد أنها تستفيد من مستويات الديون المنخفضة، وموارد الطاقة الوفيرة، والقوى العاملة الشابة المتوسعة – وهي تركيبة تدعم النمو الاقتصادي الطويل الأجل وتخلق فرصًا في البنية التحتية والتنمية الحضرية”.
وأضافت: “ومع ذلك، فإن تحقيق هذه الفرص يعتمد على الاستثمار المستدام. وتُظهِر البيانات التاريخية أن المملكة العربية السعودية بالفعل دولة شاذة من حيث النمو السكاني ولديها مجال لزيادة الاستثمار بشكل أكبر”.
وأكد تقرير صدر مؤخرا عن صندوق النقد الدولي آراء مماثلة، وقال إن من المتوقع أن تشهد المملكة نموا اقتصاديا بنسبة 1.5% في عام 2024 و4.6% في عام 2025، مدفوعا بالأنشطة في القطاع غير النفطي.
وفي أكتوبر/تشرين الأول، توقع البنك الدولي أيضاً أن ينمو اقتصاد المملكة العربية السعودية بنسبة 1.6% هذا العام و4.9% في عام 2025.
الاستثمارات الرأسمالية
وبحسب بلاك روك، عززت المملكة العربية السعودية استثماراتها الرأسمالية، حيث استثمرت نحو 780 مليار دولار على مدى السنوات الثلاث الماضية، بدعم من طفرة الإقراض المصرفي والإنفاق العام الكبير.
وأضاف التقرير أن السعودية نجحت في الاستفادة من التمويل الخاص المحلي والأجنبي، في حين تتطور أسواق الأسهم والدخل الثابت بسرعة من خلال العدد المتزايد من الاكتتابات العامة الأولية وإصدارات السندات في المملكة.
وكشف تقرير أصدره المركز المالي الكويتي في يوليو/تموز الماضي، أن المملكة قادت سوق الاكتتابات العامة الأولية في دول مجلس التعاون الخليجي في النصف الأول من عام 2024، حيث جمعت 2.1 مليار دولار، وهو ما يمثل زيادة سنوية قدرها 141 في المائة.
وكشف تقرير آخر أصدره مركز “المركز” في أكتوبر/تشرين الأول أن المملكة العربية السعودية جمعت 512 مليون دولار من الاكتتابات العامة الأولية في الربع الثالث.
وقالت بلاك روك: “إن بناء سوق كبيرة للسندات المؤسسية بالعملة المحلية السائلة يعد أمراً أساسياً لتعزيز التمويل غير المصرفي عبر سندات الشركات وديون البنية التحتية والأوراق المالية المدعومة بالرهن العقاري”.
جذب الاستثمارات
كشفت شركة بلاك روك أن رؤية السعودية 2030 تهدف إلى ترسيخ مكانة المملكة كمركز رائد للاستثمار في البنية التحتية.
وتسعى الاستراتيجية الوطنية للاستثمار في المملكة إلى جذب 3.3 تريليون دولار خلال العقد المقبل، في قطاعات تتراوح من الطاقة إلى الرعاية الصحية إلى السياحة.
وأضافت بلاك روك: “من المقرر أن تغطي الاستثمارات الطاقة والمياه والنقل والخدمات اللوجستية والرقمنة والخدمات مثل إعادة تدوير النفايات. ويشمل التحول ثلاثة تحولات رئيسية: الانتقال إلى الطاقة المتجددة، وتعزيز نشاط القطاع الخاص، وتوسيع القطاعات غير النفطية مثل الإنفاق الأسري والسياحة”.
وذكر التقرير أن برنامج “شريك” الذي أطلق في عام 2021 قد يلعب دوراً حاسماً في تحقيق الأهداف الاستثمارية للمملكة العربية السعودية.
وتستهدف المملكة من خلال هذه المبادرة جمع 1.3 تريليون دولار من التمويل، وهو ما يمثل 40% من هدف رؤية 2030.
ومن المستهدف أيضاً أن يوفر الاستثمار الأجنبي المباشر، الذي يشكل حالياً حصة صغيرة من الناتج المحلي الإجمالي للمملكة، 15% من إجمالي استثمارات رؤية 2030.
وأضاف التقرير أن التحسينات التنظيمية مثل تبسيط التراخيص التجارية، وتقليص البيروقراطية، وتعزيز الشفافية، وإدخال تدابير حقوق المستثمرين، تشكل عوامل أساسية لرفع الاستثمارات في المملكة.
وذكر التحليل أن “التحول إلى وجهة استثمارية رئيسية يتطلب تغييرات اقتصادية واجتماعية واسعة النطاق، وأطر حوكمة أقوى، وضمانات أمنية إقليمية لجذب رأس المال”.
وأضافت أن المستثمرين العالميين سيحتاجون أيضًا إلى الثقة في الاستقرار الإقليمي قبل الالتزام برأس مال كبير، حيث تظل التوترات الجيوسياسية مصدر قلق كبير يحدد النمو الاقتصادي المستقبلي في المنطقة.
الاعتماد على النفط
وبحسب التقرير فإن خطط النمو والتنويع الاقتصادي المستقبلية في المملكة العربية السعودية لن تكون خالية من أي عقبات، حيث أن عائدات النفط لها تأثيرات مباشرة على تقدم البلاد.
“ويظل المسار الاقتصادي للمملكة العربية السعودية يعتمد بشكل كبير على عائدات النفط، مما يجعلها عرضة للتحولات في أسواق الطاقة العالمية. وذكر التحليل أن انخفاض أسعار النفط – الذي قد يتأثر بزيادة الإنتاج الأمريكي أو تباطؤ الطلب العالمي – قد يشكل تحديًا لأجندة الإصلاح والمرونة الاقتصادية.
وفي سياق إيجابي، أضافت بلاك روك أن المملكة تهدف إلى تعزيز مكانتها كمنتج للنفط والغاز منخفض التكلفة.
ويتوقع سيناريو التحول لمعهد بلاك روك للاستثمار ارتفاع الطلب العالمي على النفط والغاز على مدى العقد المقبل، مع انخفاضات تقترب من عام 2050. وذكر التقرير أن إنتاج المملكة العربية السعودية منخفض التكلفة ومنخفض الانبعاثات يضعها في وضع يسمح لها بالحفاظ على حصتها في السوق أو زيادتها عبر سيناريوهات الطلب المختلفة.
وأضافت: “إن تنويع صادرات الطاقة من خلال الغاز الطبيعي/الغاز الطبيعي المسال من شأنه أن يعزز قدرتها التنافسية، على الرغم من أن التحول السريع إلى مصادر منخفضة الكربون قد يضغط على أسعار النفط”.
ووفقا للتحليل، تبذل المملكة العربية السعودية أيضا جهودا كبيرة لخفض انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري.
وذكر التقرير أن المملكة تخطط للتحول في توليد الطاقة من 40% نفط و60% غاز إلى مزيج متساو من الغاز والطاقة المتجددة بحلول عام 2030.
وقالت شركة بلاك روك: “إن تكاليف تركيب الطاقة الشمسية في المملكة العربية السعودية أقل بنسبة 40% من المتوسط العالمي، مما يعزز أمن الطاقة، ويقلل الانبعاثات، ويوفر النفط للتصدير. كما أن الاستثمارات في احتجاز الكربون وإنتاج الهيدروجين من شأنها أن تدعم إزالة الكربون بشكل أكبر”.
المصدر : https://wp.me/p70vFa-JvW