ويقول زيارة الذي تجاوز الثامنة والعشرين من عمره ويعمل خياطا، لوكالة أنباء “شينخوا” إن مجرد التفكير بحلم الاستقرار مع أسرته الصغيرة في مسكن مستقل أمر يرهقه ويعد من ضروب الخيال، بحسب الرأي الاردنية.
ويضيف أنه عادة ما يتلعثم بالحديث عند مناقشة الأمر مع زوجته وعائلته المكونة من سبعة أفراد يقيمون جميعا في شقة لا تتجاوز مساحتها 120 مترا. وتبدو الخيارات شبه منعدمة أمام هذا الشاب، فهو من جهة غير قادر على استئجار شقة مستقلة لأنه لا يقدر على سداد إيجارها الشهري الذي يصل في أقل حدوده إلى 250 دولارا.
كما انه يحتاج إلى “معجزة” ليتمكن من شراء قطعة أرض صغيرة وبناء منزل عليها نظرا لأسعار الأراضي التي ترتفع يوما بعد يوم، حسب ما يقول. وشهدت أسعار العقارات في قطاع غزة في العامين الأخيرين ارتفاعا كبيرا بسبب المضاربات العقارية وزيادة الطلب ونقص العرض.
ويقول زيارة بنبرات يائسة، إنه يفكر كل يوم بمستقبل أطفاله، وماذا ينتظرهم داخل غرفة صغيرة ؟، لكنه لا يجد إجابات لذلك.
وتسبب الحصار المشدد الذي فرضته إسرائيل على غزة منتصف يونيو 2007 إثر سيطرة حركة المقاومة الإسلامية (حماس) على الأوضاع فيه بالقوة، بشلل كلي لقطاع العقارات نتيجة حظر الدولة العبرية توريد مواد البناء.
وسمح ما أدخلته إسرائيل من تسهيلات مطلع يوليو 2010 استجابة لضغوط دولية، إلى جانب تصاعد عمليات تهريب مواد البناء من مصر إلى غزة عبر الأنفاق، بانتعاشة هائلة لعجلة الإعمار، عنوانها الرئيسي ارتفاع قياسي في أسعار العقارات.
وتظهر إحصائيات رسمية أن عدد رخص البناء الصادرة في قطاع غزة في الربع الأول من العام الجاري سجل ارتفاعا بنسبة 15.3 في المائة مقارنة مع العام الماضي.
ويعتبر قطاع غزة البالغ مساحته 360 كم مربعا ويبلغ تعداد سكانه قرابة المليون ونصف نسمة، من أكثر مناطق العالم اكتظاظا. ويعد تنامي مساحة العمران على حساب الأراضي الزراعية أزمة بالنسبة للقطاع الساحلي، خاصة أن المساحة العمرانية تسجل تزايدا بنسبة 3 % سنويا، وفق إحصائيات رسمية.
ارتفاع
ويعزو الخبير الاقتصادي من غزة معين رجب الارتفاع القياسي للعقارات في غزة إلى كثافة إقبال المستثمرين على مجال الأعمار سواء بشراء الأراضي الصالحة للبناء أو إقامة المشاريع السكنية.
وقال تاجر عقارات يدعى عبد الرحيم منصور، إن متوسط أسعار الوحدات السكنية حاليا يتراوح بين 60 إلى 100 ألف دولار، تختلف من منطقة إلى أخرى حسب الموقع، إلا أنها بالمجمل مرتفعة.
وذكر منصور، أن معدلات الأسعار في تصاعد يومي نتيجة تنامي الاستثمارات في مجال العقارات. وحسب مختصين، فإن الغلاء الفاحش في العقارات يعود بالدرجة الأساسية إلى لجوء العشرات من رجال الأعمال إلى الاستثمار المفتوح في المجال بالنظر إلى كثرة الطلب عليه وتوفر مواد البناء الواردة عبر الأنفاق مع مصر بأسعار معقولة نسبيا. وقال تاجر أراض طلب عدم ذكر اسمه «نتحدث عن عشرات وربما مئات التجار ورجال الأعمال الذين جمعوا أموالا طائلة من تجارة الأنفاق خلال فترة الحصار، ثم ضخوا كل ما لديهم في مجال العقارات بعد تراجع عمل الأنفاق».
وتتركز أوجه المعاناة من الارتفاع القياسي في أسعار الأراضي على مدينة غزة والمناطق المجاورة لها التي يقول مختصون، إن سعر المتر ارتفع بنسبة توازي 200 في المائة خلال عامين.
وينعكس غلاء أسعار الأراضي على الوحدات السكنية التي يعاني قطاع غزة من عجز حاد في كثرة الطلب عليها وقلة العرض.
وتباع شقق سكنية في بنايات من خلال الحجز المسبق حتى قبل بدء تشييدها. وقال مدير دائرة التنظيم والتخطيط الحضري في بلدية غزة مؤنس فارس ـ((شينخوا)) إن عدد التراخيص المقدمة لإقامة مباني سكنية خلال الخمسة الشهور الأولى من العام الجاري في المدينة بلغ أكثر من 600 طلب، بمتوسط 120 ترخيص شهريا.