مجلة مال وأعمال – خاص
في زمن يمر فيه الزمن بسرعة البرق، يبقى البعض خالداً في ذاكرتنا، ليس فقط بما قدموه، بل بما تركوه من بصمة مميزة في قلوب الناس. ومن هؤلاء العظماء، كان “أبو حسن”، مروان الحموي، الذي جعل من “مخابز السفراء” أكثر من مجرد مكان لشراء الخبز، بل رمزًا للجودة والتميز الذي لا يُضاهى.
في قلب الأردن، حيث تتلاقى الأصالة مع الحداثة، كانت “مخابز السفراء” واحدة من تلك الأماكن التي يعرفها كل من يطلب الطعم الأصيل والتاريخ الممتد. وها هو مروان الحموي، الذي حمل إرثًا عظيمًا من والده، استطاع أن يكتب قصة نجاح تتناغم مع أجواء العاصمة عمان. لم يكن فقط صاحب مخبز، بل كان شاعراً في عالم الخبز، يعزف على أوتار الطحين والماء، ويمزج بين العراقة والابتكار ليخرج لنا منتجًا يتناغم مع أفئدتنا قبل أطباقنا.
قد يقول البعض إن الخبز هو مجرد طعام، لكن مروان الحموي، كان يراه أكثر من ذلك. كان يعلم أن “الخبز رمزٌ للوحدة، وعنوانٌ للطعام الطيب الذي يجمعنا في كل صباح”. ولهذا، كانت “مخابز السفراء” وجهة لكل من يبحث عن الجودة والمذاق الذي لا يُنسى، كما كانت شهادة على رؤية لم تتوقف عند حدود العمل التجاري، بل تجسدت في تطوير هذه الصناعة لتواكب أحدث التقنيات، مستوردة الأفران الفرنسية الحديثة، ليظل الخبز يخرج من فرن السفراء طازجًا، كما كان دوماً.
لكن إرث مروان الحموي لا يقتصر على “مخابز السفراء” فقط. فهو كان رجلًا من طراز خاص، يجمع بين التفاني في عمله، وحب الناس. كانت حياته مزيجًا من العلم والعمل، فأخذ علم المحاسبة من جامعة عين شمس، وركب بحر التجارة والصناعة، حتى أصبح اسمه مرادفاً للإبداع والمثابرة.
وبينما كان يقدم للناس خبزًا لا يُنسى، كان أيضاً يقدم عطاءً لا يعد ولا يحصى. كان مروان الحموي رمزًا للمسؤولية الاجتماعية، حيث لم يتوانَ عن دعم التعليم، فكانت كتبه تُضاء بها مكتبات الجامعات، وكان الطلاب يجدون في كرمه قبساً من الأمل. هو الذي لم يقتصر عطاؤه على الاقتصاد والتجارة، بل شمل كل مجالات الحياة.
واليوم، بعد أن فارقنا “أبو حسن”، يبقى “مخابز السفراء” شاهدًا على إبداعه وعطائه الذي لا ينسى. فكما كان مروان الحموي “أبا حسن” في أعماله، فإنه كان “أبا حسن” في عطائه، وصانعًا للأمل في أرجاء الوطن. إن رحيله ليس فقط خسارة لمخبزٍ، بل لخسارة شخصية مميزة، تركت بصمة لا تمحى في قلوب الأردنيين.
مروان الحموي، “أبو حسن”، لن يُنسى، فإرثه سيبقى، وعطر أعماله سيظل عالقًا في الأذهان كما الخبز الطازج الذي لطالما سعى لجعل كل لقمة منه لذيذة، دافئة، ومليئة بالحب.
- حصري لمال واعمال يمنع الاقتباس او اعادة النشر الا بإذن خطي