الوضع المتقلب لأسعار النفط الخام مع بداية 2016، ما زالت مستمرة مع مراوحة الأسعار بين مستويات 40 دولاراً، فما فوق أو فما دون، مع بدء الربع الثاني. هنا استعراض للعوامل التالية التي يُمكن أن تتحكم في مسار أسعار النفط الخام.
تجميد الإنتاج
لم يبق سوى أقل من أسبوعين على الاجتماع الرئيسي لأعضاء منظمة أوبك وغيرها من الدول المُنتجة الكبيرة، والنتيجة موضع شك كبير.
ولي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان قال الأسبوع الماضي إن السعودية، العضو الرئيسي في أوبك، لن توافق على خطة وقف الإنتاج ما لم تنضم إليها إيران، وهو أمر يبدو غير محتمل، نظراً لأن طهران تعهّدت برفع الصادرات بعد خروجها من أعوام من العقوبات.
قبل هذه التعليقات، أشار المندوبون في منظمة أوبك إلى أن السعودية ستكون مستعدة لإتاحة بعض الفسحة لإيران. بالمثل، هذه التعليقات قد تكون إنذرا إلى إيران قبل الاجتماع، للتوصل إلى وضع حد أقصى على ما يُمكن أن تزيده البلاد من الإنتاج، قبل الانضمام إلى وقف الإنتاج.
في كلتا الحالتين، يبدو من غير المرجح أن أكبر الدول المنتجة للنفط في العالم قد تُخاطر بالالتقاء في الدوحة بدون التوصّل إلى اتفاق مبدئي بالفعل. إذا كانت اجتماعات منظمة أوبك الأخيرة تُعتبر دليلاً، فإن عدم الاتفاق على مسار العمل قد يتبيّن أنه أسوأ من عدم الجلوس على طاولة الاجتماعات على الإطلاق.
يقول محللون في شركة كابيتال إيكونوميكس: “من وجهة نظرنا، نوع من اتفاق التسوية لا يزال محتملاً. مع ذلك، في حين أن التوصل إلى اتفاق في الدوحة قد يُساعد على وضع حد أدنى لأسعار النفط، إلا أن الارتفاع المستدام من المرجح أن يتطلب تخفيضات صريحة في الإمدادات العالمية، فضلاً عن زيادات أخرى في الطلب لإعادة التوازن في السوق”.
الإمدادات الأمريكية
طفرة الزيت الصخري في الولايات المتحدة تتحمل بعض المسؤولية عن الوفرة في العرض التي دمرت الأسعار منذ منتصف عام 2014، لكن إنتاج أمريكا الآن في مسار منحدر بقوة، حتى في الوقت الذي يستمر فيه الإنتاج التقليدي من مناطق مثل خليج المكسيك في الارتفاع، بسبب الاستثمارات التي تحققت عندما كانت الأسعار أعلى من 100 دولار للبرميل.
بين عام 2008 ونيسان (أبريل) من عام 2015، تضاعف إنتاج النفط الخام في الولايات المتحدة بنحو من خمسة ملايين برميل يوميا إلى ذروة بلغت 9.7 مليون برميل يوميا، لكن في الأشهر الـ 12 الماضية، تراجع بما لا يقل عن 5 في المائة، مع آخر البيانات من إدارة معلومات الطاقة الأمريكية، تشير إلى أنه كان أقل من 9.2 مليون برميل يوميا في كانون الثاني (يناير) الماضي.
أبرز 25 شركة لإنتاج النفط والغاز في الولايات المتحدة تتوقع انخفاضا آخر بنسبة 4 في المائة في المتوسط هذا العام. بحلول عام 2017، تتوقع إدارة معلومات الطاقة أن يبلغ متوسط الإمدادات نحو 8.2 مليون برميل يوميا لذلك العام – وهو انخفاض بمقدار 1.5 مليون برميل يومياً عن ذروته، ومن شأنه أن يؤدي بطريقة ما إلى إنهاء التخمة.
هناك آخرون يشكّكون في مثل هذا التفاؤل.
الشركة الاستشارية القائمة في لندن، إينرجي أسبيكتس، تعتقد أن الانخفاض المتوقع في الإمدادات قد يكون عاليا فوق الحد، وتخشى من أن المحللين يستقرءون البيانات من شركات إنتاج صغيرة تعاني ضائقة مالية، هي أقل عرضة لمواجهة الأسعار المنخفضة من الكبيرة.
تقول شركة إينرجي أسبكتس: “على الرغم من أننا نتوقع انخفاضات تبلغ نحو نصف مليون برميل يومياً هذا العام، إلا أن هذه قد تسبب خيبة أمل للذين يراهنون على عجز أكبر في الإمدادات في النصف الثاني من عام 2016”.
هل شبعت صناديق التحوط؟
تعاملات صناديق التحوط كانت تتعقب التحركات في أسعار النفط حتى الآن في عام 2016. بعد تأسيس رهانات قريبة من المستوى القياسي ضد الأسعار في أوائل كانون الثاني (يناير) الماضي، عندما انخفض النفط الخام إلى أقل من 30 دولارا للبرميل للمرة الأولى منذ 13 عاماً، عكست الصناديق المسار.
في الوقت الذي زاد فيه الحديث عن تجميد الإنتاج، الصناديق التي تُراهن على الأسعار أغلقت تعاملاتها، بينما دخل البعض إلى السوق للمراهنة على الارتفاع في نهاية المطاف.
النتيجة؟ بحلول نهاية آذار (مارس) الماضي، كان صافي مواقف الصناديق التي تتوقع ارتفاع الأسعار – الفرق بين الرهانات على ارتفاع وانخفاض الأسعار – قريب من أعلى المستويات على الإطلاق، ما يُعادل أكثر من نصف مليار برميل من النفط الخام.
المواقف التي تراهن على ارتفاع الأسعار بشكل صريح هي الأعلى في التاريخ بنحو 730 مليون برميل.
على أنه بعد ارتفاع الأسعار إلى أعلى من 40 دولارا، قد يكون المدّ في وضع تحوّل مرة أخرى. في الأسبوع الماضي، خفّض تجّار خام برنت والمؤشر الأمريكي، غرب تكساس الوسيط، الرهانات على الأسعار المرتفعة وزادوا الرهانات على عملية بيع كبيرة أخرى. في حين أن موقف صناديق التحوّط ليس المُحدِّد الوحيد للتسعير، إلا أن التقلّبات الكبيرة يُمكن أن تؤثر على التحرّكات على المدى القصير.
يقول أولي هانسن في ساكسو بانك: “منذ مستويات الأسعار المتدنية، ارتفع النفط الخام بنسبة تزيد على 40 في المائة، لكن معظم الارتفاع كان في المقام الأول مدفوعاً من تغطية مواقف الرهان على المكشوف. على الرغم من إشارات التحسّن الظاهرة، إلا أن الأساسيات ليست قوية بما فيه الكفاية لدعم ارتفاع مستدام”.
الإنتاج
الأسعار المنخفضة يمكن أن تزيد من خطر انقطاع الإنتاج. نزاع بغداد طويل الأمد مع كردستان العراق بشأن مبيعات النفط المستقلة، قلّص الإنتاج من شمال البلاد بنحو 150 ألف برميل يومياً.
وفي نيجيريا، أعلنت شركة شل حالة “القوة القاهرة” على نحو ربع مليون برميل يومياً من الصادرات، بعد الانفجار الذي أدّى إلى تعطيل محطة التصدير التابعة لها في فوركادوس.
من ناحية أخرى، قبل اجتماع “تجميد” الإنتاج، يبدو أن جميع البلدان تحاول تحقيق أقصى قدر من الإنتاج. حيث سجّل الإنتاج في روسيا أعلى مستوياته في فترة ما بعد الاتحاد السوفيتي، بمقدار 10.9 مليون برميل يومياً في آذار (مارس) الماضي، وهناك احتمال أن تبدأ كل من السعودية والكويت الإنتاج في حقل في “المنطقة المقسومة” ذات السيطرة المشتركة، بما يُمكن أن يجلب المزيد من النفط إلى السوق.
الطلب العالمي
الطلب هو “الجوكر” في عام 2016. ساعدت الأسعار المنخفضة على دفع نمو الطلب العالمي في عام 2015، لكن الصورة لهذا العام تبدو أكثر تبايناً.
كما أن المخاوف بشأن تباطؤ الاقتصاد في الصين تؤثر في التوقعات؛ وفصل الشتاء الحار أدى إلى انخفاض الطلب على وقود التدفئة في نصف الكرة الشمالي. ويتوقع البعض أن يكون تأثير الأسعار المنخفضة أكثر تحفّظاً هذا العام.
غير أن الوكالة الدولية للطاقة لا تزال ترى نموا بمقدار 1.2 مليون برميل يومياً – أعلى من المتوسط على مدى الأعوام الخمسة السابقة. إذا تم الوصول إلى ذلك المستوى أو تجاوزه، يتوقع معظم المحللين أن السوق ستبدأ في تحقيق التوازن في نهاية العام.
يقول هنري بيبودي من شركة إيتون فانس، شركة إدارة الصناديق: “الطلب في هذه المستويات كان ينمو بقوة. الإنتاج من الدول غير التابعة لمنظمة أوبك في تراجع، ولم يتم تخصيص رأس المال لمشاريع جديدة. يفترَض بنا أن نبدأ برؤية السوق تُحقق التوازن في أواخر هذا العام أو في عام 2017”.