ميشيل جيلان – هارفارد بزنس ريفيو:
أنا أعملُ كباحثة في مجال السعادة، وقد يتبادر إلى أذهانكم بأن وظيفتي تقتصر على مساعدة الناس في القضاء على التعاسة في وظائفهم وأعمالهم. للتعاسة دور حيوي في حياتنا، فهي مؤشر على الحاجة للتغيير، والدافع وراء تغيير وظائفنا، وفي تحديث سيرتنا الذاتية بدون علم من الآخرين، على سبيل الاحتياط. التعاسة هي ما دفعني للتحول من مهنتي كمهندسة كمبيوتر إلى مُقدِّمة برامج على شاشة CBS، ومن ثم إلى ما أنا عليه الآن؛ باحثة سيكولوجية سعيدة وإيجابية.
لكن هنا تكمُن المسألة: فنفس التّعاسة التي تدفعنا للبحث عن شيءٍ أفضل، لن تخدمنا بنفس القدر عندما ننخرط في هذا المَسعى. فقد تبيّن، ومن وجهة نظر علمية، أن الذهنية المتفائلة والإيجابية تخدمنا بشكلٍ أفضل من عقلية عدم الرضا أو السلبية التي وضعتنا على المسار الجديد في المقام الأول.
فالتفكير المتفائل يمكننا من اتخاذ خطوات إيجابية خلال الأوقات الصعبة. السبب في ذلك هو أن المتفائلين عموماً يتوقعون حدوث الأشياء الجيدة لهم عند مواجهة التحديات، والأهم من ذلك، نعتقد أن لسلوكهم أثر كبير في إحداث التغيير الإيجابي. أقوم وزملائي بتقديم المشورة لمن فقدوا وظائفهم حديثاً، ونستطيع على الفور تحديد المتفائلين من غيرهم. المتفائلون أسرع في اتخاذ خطوات للبحث عن عمل جديد، وذلك لأنهم يؤمنون أن الأحداث السلبية هي مجرد أمرٍ عابر؛ فتراهم يقومون على الفور بتحديث سيرتهم الذاتية، والبحث عبر موقع “لينكد إن”، والتواصل مع زملائهم السابقين في مسعاهم للبحث عن وظيفة. المتشائمون يتوصلون في نهاية المطاف إلى نفس السلوكيات، لكنها تستغرقهم وقتاً أطول وبحماسٍ أقل، الأمر الذي انعكس سلباً على نتائج مُعظم الحالات التي قمنا بدراستها.
التفاؤل مفيد أثناء مقابلة العمل، وتجعل المُرشّح يظهر بأنه مرغوب به وأكثر قدرة على الأداء. عندما يطرح مدير التوظيف سؤالاً عن تحدي واجهك وكيفية قيامك بمجابهته، تحمل الطريقة التي تصيغ بها إجابتك الكثير من الرسائل عن أدائك المستقبلي. أوصي المُدراء الذين يبحثون عن المتفائلين، بأن يستمعوا لكيفية الإجابة على هذا السؤال. يُركِّز المتفائلون على العوامل الباعثة على التحفيز في العمل والمجالات التي يستطيعون التحكم عليها. إذا قام المرشح للوظيفة بإعطاء إجابة محفزة تُركِّز على تقديم الحلول بدلاً من مجرد مناقشة المُعضِلة، فإن هذا الشخص يستحق فرصة لمقابلة ثانية.
عندما نحصل على وظيفة جديدة، يجلب التفاؤل المزيد من المزايا. أظهرت الدراسة التي أجريتها مع “شون أرشر” (وهو زوجي أيضاً) بأن المتفائلين أقل عرضة للتوتر والاجهاد في بيئة العمل بمعدل خمسة أضعاف، وأكثر التزاماً بأداء أعمالهم بمعدل ثلاثة أضعاف عن المتشائمين. وفي دراسة أُجريت في شركة التأمين المشهورة (MetLife)، وجد الباحثون من جامعة ولاية بنسلفانيا أن العاملين المتفائلين في مجال المبيعات يتفوقون في نسب البيع عن نظرائهم المتشائمين بنسبة 37%، ووُجد كذلك بأن المتفائلين يحققون المزيد من المال أثناء مسيرتهم العملية وهم أكثر رضا عن حياتهم المهنية.
النتيجة الأكثر تفاؤلاً في دراستنا للتفاؤل هي أن عقولنا طيِّعة، قابلة للتدريب والتعزيز تماماً مثل تمرين العضلات في صالات الألعاب الرياضية. تأتي العقلية التي نحملها نتاج جيناتنا الوراثية ونشأتنا، ومن خلال إعادة تركيز الاهتمام على الأمور الإيجابية، والجوانب ذات المعنى في حياتنا، ونقاط القوة الشخصية لدينا، نستطيع علمياً إعادة تدريب عقولنا لتجاوز طريقة التفكير المتشائمة.
قمنا بدراسة ثلاث عادات يومية، ووجدناها فعّالة بشكلٍ مُذهل في بناء التفاؤل وهي: التفكير في ثلاثة أمور جديدة ومحددة تشعر فيها بالامتنان كل يوم، وإرسال مُلاحظة إيجابية قصيرة إلى شخص جديد كل صباح تشكره أو تمدحه فيها، وقضاء دقائق معدودة كل يوم للكتابة عن اللحظات الأكثر قيمة التي مرت بك خلال الأربع والعشرين ساعة الماضية.
بدلاً من التركيز على المتاعب، والشكاوى، والمضايقات، نستطيع باتباع هذه الإجراءات البسيطة إعادة توجيه عقولنا نحو الشعور بالقيمة والامتنان، وتُساعدنا كذلك في بث السعادة في حياتنا وتحقيق النجاح في أعمالنا.
تنويه: نشرت هذه المقالة ضمن اتفاقية إعادة النشر باللغة العربية الموقعة بين هيكل للإعلام ونيويورك تايمز سينديكت لنشر مقالات من هارفارد بزنس ريفيو، وتمت ترجمتها في قسم التعريب والترجمة في هيكل ميديا، إن النسخ وإعادة النشر بأي شكل وفي أي وسيلة دون الحصول على إذن مسبق يعتبر تعدياً على حقوق الملكية ويعرض صاحبه للملاحقة القانونية. جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشينغ – 2015.