استقطبت المصانع في السعودية إجمالي رؤوس أموال بلغت 38.6 مليار ريال (10.2 مليار دولار) في الأشهر الأولى من العام الجاري، وهو ما يعكس زيادة ملحوظة في الاستثمار مقارنة بعام 2023.
تم تحقيق هذا الإنجاز التمويلي قبل شهرين من العام السابق، وفقًا للتقرير السنوي لشركة Knight Frank.
وأبرز التقرير أنه تم إصدار 410 تراخيص صناعية جديدة وبدء 505 مصانع الإنتاج خلال هذه الفترة. كما يتجلى هذا النمو في القوى العاملة، حيث تم خلق 11434 وظيفة جديدة في هذه المرافق. ومن إجمالي الاستثمارات، جاءت 83.7% من مصادر محلية، و8.3% من مصادر دولية، و8% من مشاريع مشتركة.
وحقق القطاع غير النفطي نمواً بنسبة 3.8% في عام 2023، ليساهم بنحو 2.5 تريليون ريال في الناتج المحلي الإجمالي الوطني، ويمثل الآن 63% من الناتج الاقتصادي للبلاد. وارتفع الاستثمار في القطاع الصناعي بنسبة 63% العام الماضي، ليصل إلى 15 مليار ريال. واستمر هذا الاتجاه حتى عام 2024، حيث تضاعف استثمار القطاع الخاص بأكثر من الضعف في الربع الأول ليتجاوز 7 مليارات ريال.
وبحلول نهاية عام 2023، بلغ إجمالي الاستثمار في القطاع الصناعي 415 مليار ريال، يدعم 891 مشروعًا في جميع أنحاء المملكة، ويبرز اهتمامًا محليًا ودوليًا قويًا. وشهدت الاستثمارات العالمية في القطاع زيادة بنسبة 85 في المائة، وفقًا للتقرير.
ولعبت الهيئة السعودية للمدن الصناعية ومناطق التقنية دوراً محورياً في هذا النمو، حيث تمتد الأراضي الصناعية المطورة على مساحة 209 ملايين متر مربع، وتضم 6443 مصنعاً و7946 منشأة صناعية ولوجستية واستثمارية.
المبادرات الحكومية
لعب صندوق التنمية الصناعية السعودي دوراً محورياً في دفع عجلة القطاع الصناعي، حيث قدم على مدى الخمسين عاماً الماضية قروضاً تجاوزت 180 مليار ريال لأكثر من 4000 مشروع، مما سهل استثمارات إجمالية بلغت نحو 700 مليار ريال.
وتهدف الاستراتيجية الصناعية الوطنية لصندوق التنمية الصناعية السعودي إلى رفع قيمة الصادرات إلى 557 مليار ريال بحلول عام 2030، مما يضع المملكة العربية السعودية كلاعب عالمي بارز في هذا القطاع. كما تستهدف الاستراتيجية خلق 2.1 مليون وظيفة جديدة بحلول عام 2030، ومن المتوقع أن يصل النمو السنوي في قطاع الخدمات اللوجستية إلى 97.5 مليار ريال.
ومن المتوقع أن تبلغ المساهمة السنوية لقطاع التصنيع في الناتج المحلي الإجمالي 895 مليار ريال بحلول عام 2030، ومن المتوقع أن تصل الصادرات إلى 892 مليار ريال بحلول عام 2035. ودعماً لهذه الأهداف، قدم صندوق التنمية الصناعية السعودي عدة مبادرات رئيسية. حيث يقدم برنامج تنافس الدعم المالي والحوافز للمصنعين المحليين، في حين تركز مبادرة صانع على تطوير الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم داخل القطاع الصناعي.
وبالإضافة إلى ذلك، تشجع مبادرة التمويل الأخضر الممارسات الصناعية المستدامة، ويساعد برنامج دعم التحول الرقمي الصناعات على تبني التقنيات المتقدمة والحلول الرقمية.
ارتفاع الطلب على حلول المستودعات
لقد أدى جائحة كوفيد-19 إلى تسريع نمو التجارة الإلكترونية بشكل كبير، مما أدى إلى زيادة كبيرة في الطلب على حلول التخزين والخدمات اللوجستية الحديثة. وقد حفز هذا الارتفاع تطوير مرافق التخزين المتقدمة تقنيًا في جميع أنحاء المملكة العربية السعودية.
ومن الأمثلة البارزة على هذا الاتجاه المشروع المشترك بين أرامكو السعودية وشركة DHL لسلسلة التوريد، المعروف باسم ASMO، والذي تم إنشاؤه لتلبية الحاجة المتزايدة إلى خدمات سلسلة التوريد المستدامة والفعالة.
كما شهدنا ارتفاعًا ملحوظًا في الطلب على مرافق التخزين ومراكز الخدمات اللوجستية للميل الأخير والمطابخ السحابية، وخاصة للمستودعات الأصغر حجمًا والموجودة في مواقع مركزية.
ويشهد سوق توصيل الطعام في المملكة العربية السعودية ازدهارًا كبيرًا، حيث تقدر قيمته بنحو 10 مليارات دولار في عام 2023، ومن المتوقع أن يصل إلى 14.9 مليار دولار بحلول عام 2028، متجاوزًا المنافسين في المنطقة.
توسيع العرض
وعلى مدى الاثني عشر شهرًا الماضية، حدثت عدة تطورات رئيسية في مجال توفير مرافق التخزين والخدمات اللوجستية. ففي الرياض، توسع إجمالي مخزون المستودعات والمساحات اللوجستية إلى 28 مليون متر مربع، وتقع أغلب المرافق الجديدة في مدينة البوابة الصناعية.
وشهدت جدة نمواً ملحوظاً، حيث ارتفع إجمالي مخزون المستودعات والخدمات اللوجستية إلى 19.6 مليون متر مربع. ومن المشاريع الجديرة بالذكر في جدة مجمع ميرسك اللوجستي ومنشأة أرامكس في ميناء جدة الإسلامي، إلى جانب العديد من المصانع التي طورتها لوجي بوينت في مجمع زاهد للأعمال.
وعلى النقيض من ذلك، ظل المخزون الصناعي في المنطقة الشرقية ثابتًا نسبيًا على مدار العام الماضي، ولم يتم إنجاز أي مشاريع كبرى، مما أدى إلى إجمالي مخزون قدره 7.96 مليون متر مربع. وقد ساهم هذا العرض المستقر في ارتفاع معدلات الإشغال، وخاصة في المناطق ذات الموقع الاستراتيجي بالقرب من روابط النقل الرئيسية والمناطق الصناعية.
ارتفاع الإيجارات يعكس الطلب المتزايد
وأدى الطلب المتزايد على المستودعات والمرافق الصناعية إلى ارتفاع سريع في أسعار الإيجارات، ففي الرياض ارتفعت إيجارات المستودعات بنسبة 10.5% إلى 210 ريالات للمتر المربع، وفي جدة ارتفعت الإيجارات بنسبة 1.5% إلى 208 ريالات للمتر المربع.
تعكس أسعار الإيجار هذه متوسط السوق للوحدات الصناعية الخفيفة والمستودعات من الدرجة ب والمرافق اللوجستية، مع وجود قيود على العرض للمساحات الأساسية والدرجة أ في جميع أنحاء المملكة العربية السعودية. وصلت مستويات الإشغال الوطنية إلى أعلى مستوى لها على الإطلاق بنحو 97 بالمائة، مما يسلط الضوء على الطلب القوي في السوق.
وفي الرياض، يزداد الطلب على المرافق اللوجستية والمستودعات بشكل خاص، مدفوعًا بمشاريع النقل والبنية التحتية الجارية بالإضافة إلى المشاريع العملاقة مثل بوابة الدرعية، وحديقة الملك سلمان، والمربع الجديد، والقدية. وتعزز هذه المبادرات الحاجة إلى مواد البناء والتشييد وتحفز تطوير مراكز صناعية ولوجستية جديدة.
التحديات
ورغم النمو الكبير، تعاني المملكة العربية السعودية من نقص في مساحات التخزين عالية الجودة. وتتفاقم هذه المشكلة بسبب السلوك الاستثماري الحذر من جانب ملاك الأراضي المحليين، الذين يترددون في القيام بمشاريع تطوير مضاربة. وقد أدى هذا التردد، الذي يرجع إلى حد كبير إلى الافتقار إلى الخبرة في تطوير العقارات التي تلبي المعايير الدولية، إلى فجوة حرجة في العرض، وخاصة في الرياض.
ومع ذلك، هناك اهتمام متزايد من جانب المطورين الدوليين الحريصين على دخول السوق السعودية. ويجلب هؤلاء المطورون خبرة واسعة في بناء البنية التحتية الصناعية واللوجستية من الدرجة الأولى. ومن الممكن أن تساعد الشراكات المحتملة بين المطورين الدوليين والمحليين في تخفيف نقص العرض بمرور الوقت. ومع ذلك، من المتوقع أن يستغرق بناء وتوافر مساحات تخزين جديدة حوالي عامين، مما يشير إلى أن النقص سيستمر في الأمد القريب.
التوقعات
تتمتع المملكة العربية السعودية بموقع استراتيجي على مفترق الطرق بين آسيا وأفريقيا وأوروبا، إلى جانب مكانتها كأكبر سوق في دول مجلس التعاون الخليجي ومركز استهلاكي رئيسي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، مما يجعلها مركزًا تجاريًا حيويًا. كما يوفر موقعها على طول الخليج العربي والبحر الأحمر، الذي تمر عبره 13% من تدفقات التجارة العالمية، مزايا كبيرة، مما يجعل المملكة بوابة طبيعية للأسواق العالمية التي تضم أكثر من 6 مليارات نسمة.