مجلة مال واعمال

«القرية العالمية».. العالم فــي قلب دبي

-

image (1)

لا تقف جولة لأسرة، أو مجموعة أصدقاء، أو حتى فرد، داخل القرية العالمية عند محيط المكان المحدد بـ17 مليون قدم مربعة، بل تتجاوز ما تشغله تلك المساحة، التي تنسجها مشاركة 76 دولة مختلفة، في دورة تتجه إلى ختامها بحلول السابع من أبريل المقبل.

ويبقى كل العالم بثقافاته المختلفة ممثلاً في هذا الإطار المكاني، حيث تحرص إدارة القرية، بشكل دائم، على أن يمثل حضور الدول المشاركة، بانوراما ثقافية حقيقية تعكس خصوصية محيطها، ليبقى توالي الدورات بمثابة تأكيد سنوي بأن العالم حاضر في قلب دبي.

الحضور العالمي في القرية لا يقتصر على طرف الفعاليات والمنتجات المقدمة فقط، التي توفرها الوفود الثقافية والتجارية من خلال الأجنحة المختلفة، بل يستوعب أيضاً المستمتعين بتلك الفعاليات والمتسوّقين من روّاد القرية، الذين تتنوّع انتماءاتهم لأكثر من 200 جنسية، تلتقي في محيط مظلة واحدة عنوانها «القرية العالمية».

هذا التنوّع الذي لا يعرف الإقصاء، يفرض حضوره على كل التفاصيل، بدءاً من شعار الموسم الحالي «وجهتكم لاكتشاف العالم»، مروراً بالمحتوى الترفيهي والثقافي، فضلاً عن المنتج التجاري، وليس انتهاءً بخيارات واسعة من «أطباق» العالم في منطقة المطاعم المتنوّعة المذاقات والنكهات، رغم تجاور منافذها.

أيُّ الأبواب قصدت، وعلى اختلاف الجادات والأجنحة، يبقى التنوّع قائماً، لذلك فالبوابة الرئيسة أخذت مسمى موحياً، من حيث شمولية ما بعدها، باعتبارها «بوابة العالم»، في حين تم تعريف مسرحها الرئيس باعتباره «المسرح الثقافي» الكبير، خلافاً لمسرح «المواهب» أيضاً بكل ما يحيل إليه من خلال مضمونه من تنوّع بين أجناس التعبير الفني، وميول مبدعيها، ومن ثم تباين شرائح واتجاهات المتذوقين.

فكرة استيعاب ثقافات العالم في زيارة واحدة، قد تبدو مغرية وجذابة للزائر، الذي يطلع نظرياً على مخطط نزهته، لكن الكثير من المتعة والإيغال في التفاصيل، يُبقي الأمر لدى الكثيرين منوطاً بتكرار الزيارة، حتى بالنسبة لأولئك القادمين وبصحبتهم برنامج سياحي محدد مسبقاً، لاسيما مع واقع المزج بين متعة الترفيه والتعرف إلى ملامح وفلكلور ومعالم عالمية متنوّعة تتخللها، في المحيط ذاته، فرص التسوّق.

تجدّد دائم

رغم ذلك، لا تشبه الزيارات المتكررة لـ«القرية» بعضها بعضاً، فمع وجود أكثر من 12 ألف فعالية مختلفة، موزعة على 158 يوماً، تغدو فرصة الفعاليات المكررة عدماً لمصلحة برنامج ترفيهي يتجدّد يومياً، وهو تجدّد يفطن له غالباً العارضون، الذين يقومون بحجز مساحات وجودهم في القرى المختلفة، قبل نحو عام تقريباً، لضمان فرص بقائهم في موسم رائج ومربح لطرفي التسوّق.

«البوسنة والبلقان»، ليست ثقافة بعيدة عن المشرق، مادمت في «القرية العالمية»، التي يبقى فيها العالم عند أطراف أصابعك، لذلك كان جناحها هو الإضافة الأحدث لبانوراما ثقافات «القرية» هذا الموسم، متممة مع جناح «جنوب شرق آسيا»، الذي يمثل ثقافات سريلانكا وبنغلاديش والنيبال، باقة ثقافات العالم، ليصبح معايشة خصوصيتها بمثابة موعد سنوي يفرض حضوره على أجندة هواة الإبحار المصحوب بالدهشة والمفاجآت والمتعة، على ضفاف وشواطئ العالم، دون أن تغادر مياه دبي، أو حتى مجالها الجوي.

أسرة لعالم واحد

ومع كلفة ومشاق السفر لوجهات بعضها، قد لا يكون مرشحاً أن يكون وجهة السائح المتطلع إلى استكشاف العالم، تبقى «القرية العالمية»، مستوعبة للتعدّدية الثقافية، غير عازفة على أوتار الإقصاء، رافعة قناعات ترى أن الثقافة تُجمِّع وتُوصل، مهما رسخت أُطر أخرى فُرقة وتشرذماً، وهو ما يفسر كونها مظلة لأسرة واحدة، يضم روّادها جناحي «الترفيه» و«التسوّق».

ولا يبتعد الجناحان المنتميان إلى قارتي أوروبا وآسيا عن أجنحة أخرى لقارتيهما، بل وسواهما من قارات العالم المتعدّدة، فهنا «الكاوبوي» الأميركي، الذي يؤشر إلى أن المنتج القادم من الولايات المتحدة الأميركية تجده هنا، جنباً إلى جنب ثقافتها المازجة بين أعراق متفاوتة، وإفريقيا السمراء بأدغالها وتمائمها وفلكلورها وأزيائها، ومنتجاتها الطبيعية واليدوية وغيرها، مصنوعة بشغف ومهارة، من أجل الوصول إلى هذا المكان.

الاتجاهات الأربعة

واقع «القرية»، كما «العالم»، يستوعب الجميع، لذلك فالوجود الأميركي لا يعني غياباً روسياً، وحضور المنتج الأميركي الشمالي في جناح نظيره الجنوبي، يعني أن مسافات الواقع تتقلص هنا لمصلحة تقارب لا يعرفه العالم خارج إطار «القرية العالمية»، بما في ذلك القارة الدولة، بتنوّعها وفنونها، الذي يصبح هنا جزءاً من بانوراما وحضور ثقافات، يمثلها استعراض، أو لوحة تعبيرية، أو أزياء من وحي بيئتها، أو حتى صوت طربي وأداء موسيقي قادم من مدنها وضواحيها.

هكذا تجمع القرية العالمية اتجاهات البوصلة الأربعة، باستيعاب العالم، وحينما يلمح زائر القرية العالمية من بعيد معالم حضارة بلاد العجائب «الهند» يجد نفسه، بمجرد أن يطأ أحد مداخلها، في قلب تنوّعها الثري، وكأنه انتقل إلى ضواحي نيودلهي أو بومباي، وسواهما من مدن الهند العتيقة، بدءاً من سككها الضيقة، وصولاً إلى معالمها الشهيرة، ورائحة شوارعها، وفنونها المتنوّعة، ومع كل ذلك، منتجاتها ووجوه أبنائها، الذين أتوا ليجدوا لبضاعتهم المنقولة بحراً، سوقاً في فضاء القرية.

«هنا الصين».. هكذا تقول أشكال تلك الأحرف المنقوشة على الجدران، حتى دون أن يكون مبصرها ملماً بقواعد اللغة الصينية الصعبة، وهي الصعوبة التي تتلاشى بوصال الثقافات، على النحو الذي توفره القرية العالمية، فليست المعاملات التجارية فقط هي التي تتم بسهولة ويسر، بل يبقى الاستمتاع بالعروض، وخصوصية الفلكلور الصيني على المسرح الخاص بالجناح، بمثابة منصة تلاقي، لا يحول دونها اختلاف الألسنة.

«حياك.. في بلادي»

ثقافة أهل الدار، تبقى على موعد مع روّاد القرية في أكثر من موقع، في مقدمتها الجناح الإماراتي، الذي يستقبل ضيفه بلسان حال عارضيه: «حياك في بلادي»، وهو الجناح الذي اعتاد أن يستضيف فرقاً شعبية متخصصة في فنون العيالة والرزفة، وغيرهما من أشكال الفلكلور الشعبي، في محيط عامر بالمنتج المحلي، لتبقى «القرية التراثية» مساحة للعودة إلى الماضي، ببيئاته الثلاث: (البدوية، والبحرية والحضرية)، وهو ما يحققه على نحو مغاير، كذلك جناح «دبي وتراثنا الحي»، الذي اختارت هيئة دبي للثقافة والفنون إقامته هذا العام بـ«القرية العالمية». العسل اليمني والتمر السعودي، و«حلاوة المولد» المصرية، و«البوظة» السورية واللبنانية، وغيرها، نكهات لن تكون بحاجة إلى الذهاب لمطعم، أو منفذ بيع للمأكولات السريعة من أجل تذوقها، فهي موجودة، والجود بها إحدى وسائل الترحيب بالزبائن وضيافتهم في أجنحة بلدانها، بالتوازي مع فلكلورها الأصيل، الذي تنفرد به في مسارحها الخاصة، ضمن محيط كل جناح، وهي استعراضات وعروض متواصلة، في سياق حركة بيع وشراء نشطة، قد تمتد إلى ما بعد منتصف ليل القرية العالمية، التي يبقى مغادرتها يحتاج في كثير من الأحيان، إلى التخطيط لزيارة جديدة، تأخذ أصحابها إلى تفاصيل مختلفة.